(صفحه176)
الروحاني في الدار هل هو نقض اليقين بالشكّ أو باليقين يستلزم الشكّ في أنّالصفة الحاصلة لنا بالنسبة إليه هل هي اليقين بخروجه أو الشكّ، وهو غيرمعقول.
هذا مطلب كلّي نافع في جميع الموارد.
وأمّا في المقام فليس لنا بالنسبة إلى الكلّي ـ وهو الروحاني ـ إلاّ الشكّ فيالبقاء والخروج، وما هو متيقّن الخروج إنّما هو زيد بجميع تشخّصاته، ولابدّفي استصحاب الكلّي من ملاحظته مع قطع النظر عن ملاحظة الفرد الذياحتمل انطباقه عليه.
فالحاصل: أنّ الاستصحاب جارٍ في القسم الرابع من الكلّي أيضاً.
هذا تمام الكلام في هذا التنبيه.
وقد تعرّض الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله (1) وسيّدنا الاُستاذ الأعظمالإمام«مدّ ظلّه»(2) هاهنا البحث عن جريان استصحاب عدم التذكية، لكنّا حيثقدّمنا البحث عنه في تنبيهات البرائة(3) فلا نكرّره.
- (1) فرائد الاُصول 3: 197.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 136 ـ 150.
- (3) تقدّم البحث حول «أصالة عدم قابليّة التذكية» في ص498 ـ 507 من الجزء الرابع. م ح ـ ى.
ج6
في استصحاب المتصرّمات
استصحاب المتصرّمات
التنبيه الرابع: أنّهم اختلفوا في جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيّاتالمتصرّمة، كالحركة والتكلّم.
واستدلّ من أنكر جريانه بأنّ الشكّ في البقاء المعتبر في الاستصحاب ليتصوّر فيها، لكونها من الاُمور غير القارّة التي توجد وتنعدم شيئا فشيئا.
نظريّة المحقّق الحائري والشيخ الأنصاري في المسألة
وأجاب عنه المحقّق الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي رحمهالله حسبما نقل عنهسيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» بأنّ الشكّ في البقاء لا يعتبر في الاستصحاب، فإنّ الميزانفيه هو مفاد الأخبار، والمعتبر فيها هو صدق نقض اليقين بالشكّ، وهو صادقفي التدريجيّات وغيرها، ضرورة أنّها ـ ما لم تنقطع ـ وجود واحد حقيقي، وإنكان متصرّما، فلو شكّ في تحقّق الحركة أو الزمان بعد العلم بتحقّقه فقد شكّفي تحقّق عين ما كان متحقّقا سابقا(1).
ويظهر ذلك من الشيخ الأنصاري رحمهالله أيضاً، حيث تفصّى عن الإشكالبأحد الوجهين:
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 150.
(صفحه178)
أحدهما: أنّ الشكّ في البقاء لا يعتبر في جريان الاستصحاب.
إن قلت: فلم عرّفته بإبقاء ما كان؟
قلت: هذا التعريف مختصّ بالاُمور القارّة ولا يشمل جميع مواردالاستصحاب، فلا إشكال في عدم صدقه في الزمان والزمانيّات المتصرّمة.
ثانيهما: أنّ الشكّ في البقاء وإن لم يتصوّر حقيقةً عند العرف في الزمانونحوه من الاُمور غير القارّة، إلاّ أنّه يتصوّر عند هم مسامحةً، وهذا كافٍ فيجريان الاستصحاب، فإنّ الشكّ في البقاء المعتبر فيه أعمّ من الحقيقيوالمسامحي.
هذا حاصل ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري رحمهالله (1).
بيان الحقّ في المسألة
والتحقيق يقتضي البحث في مقامين: أ ـ أنّه هل يعتبر الشكّ في البقاء أم لا؟ب ـ أنّه على فرض الاعتبار هل يجري الاستصحاب في الزمان وسائرالمتصرّمات أم لا؟
البحث حول توقّف الاستصحاب على الشكّ في البقاء
أمّا المقام الأوّل: فالحقّ فيه أنّ الشكّ في البقاء معتبر في الاستصحابومستفاد من الأدلّة، وذلك لأنّ أخبار الباب وإن لم تصرّح عليه، إلاّ أنّمقتضى الكبرى المجعولة وهي قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» أنّاليقين الفعلي لا ينقض بالشكّ الفعلي، ولازمه أن يكون هنا شكّ فعلي متعلّق
- (1) هذا بناءً على ما نقله عنه الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في الرسائل، مبحث الاستصحاب: 151، لكنّ الشيخ رحمهالله ردّه بقوله: «إلاّ أنّ هذا المعنى على تقدير صحّته والإغماض عمّا فيه». راجع فرائدالاُصول 3: 204. م ح ـ ى.
ج6
بعين ما تعلّق به اليقين الفعلى، ولا يتصوّر ذلك إلاّ بأن يكون الشكّ في بقاء معلم وجوده سابقا، إذ تعلّق اليقين والشكّ الفعليّين بالشيء الواحد حتّى منحيث الزمان محال كما هو واضح.
فقوله عليهالسلام : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لكأن تنقض اليقين بالشكّ أبدا» يدلّ على الشكّ في بقاء الطهارة، فكيف يقال: ليستفاد ذلك من الأخبار؟!
جريان الاستصحاب في الزمان ومثله
وأمّا المقام الثاني: فالحقّ أنّ الاستصحاب يجري في الزمان ومثلهـ كالحركة ـ إذ البقاء يتصوّر فيهما عرفا وعقلاً.
أمّا عرفا: فلأنّا لا نريد باستصحاب الزمان استصحاب نفس عنوان«الزمان» أو الجزء الذي انقضى منه، فإنّ الأوّل متيقّن البقاء والثاني متيقّنالارتفاع، على أنّه ليس لهما أثر شرعي، بل المراد من الزمان في المقام ما جعلاسما لمجموعة من أجزاء الزمان، كعنوان «اليوم» و«الليل» و«الاُسبوع»و«الشهر» و«السنة»، ولا ريب في أنّ العرف يرون أنّ «اليوم» مثلاً إذا وجديكون باقيا إلى الليل، و«الليل» يكون باقيا إلى اليوم، فلا إشكال في صدقالبقاء عرفا على استمرار النهار والليل، وكذا الحركات، فإذا تحرّك شيء تكونحركته موجودةً باقيةً عرفا إلى انقطاعها بالسكون.
وأمّا عقلاً: فلأنّ الحركة القطعيّة ـ التي هي عبارة عن كون الشيء بين المبدوالمنتهى، بحيث له نسبة إلى حدود المسافة المفروضة التي كلّ واحد منها فعليّةللقوّة السابقة وقوّة للفعليّة اللاحقة، من حدّ يتركه ومن حدّ يستقبله ـ وجودمستمرّ متدرّج وإن كان نحو وجودها متصرّما متقضّيا، فما دام المتحرّك
(صفحه180)
متحرّكا تكون الحركة متحقّقةً باقيةً بعين شخصيّتها المتدرّجة، ولكلّ موجودنحو وجود خاصّ به يكون عدمه بعدم هذا الوجود، لا الوجود الغير اللائقبه، فالحركة والزمان يكون نحو وجودهما اللائق بهما هو الوجود المتصرّمالمتجدّد، لا الوجود الثابت، فالحركة القطعيّة أمر ممتدّ مستمرّ باقٍ بالامتدادالتصرّمي والاستمرار التغيّري والبقاء التجدّدي.
وأمّا الحركة التوسّطيّة ـ التي هي عبارة عن كون الشيء في كلّ آنفي حدّ(1) أو مكان(2) ـ فهي مجرّد تصوّر ولا وجود لها في الخارج، لأنّهتستلزم الجزء اللا يتجزّي وتتالي الآنات ولا يمكن الالتزام بهما كما حقّقفي محلّه.
فالحركة التوسّطيّة والآن السيّال ممّا لا وجود لهما، بل ما هو الموجود هوالحركة القطعيّة والزمان، لكن نحو وجودهما يكون بالامتداد التصرّميوالاستمرار التجدّدي، فالشكّ في البقاء يتصوّر في الزمان والحركة عرفوعقلاً، وإن كان تصوّره عند العرف كافيا في جريان الاستصحاب فيهما، إذالملاك في فهم كلمات الشارع ـ التي منها أخبار الاستصحاب ـ هو نظر العرف،لا العقل كما قلنا كرارا.
والمحقّق الخراساني رحمهالله عرّف الحركة القطعيّة بـ «كون الشيء في كلّ آن فيحدّ أو مكان» والتوسّطيّة بـ «كونه بين المبدأ والمنتهى» وجعل النزاع في الثانيةمنهما لا الاُولى(3).
لكن تعريفهما بهذين التعريفين عكس ما هو المشهور بين الفلاسفة(4).
- (1) هذا في غير الحركة الأينيّة، كالكمّيّة والكيفيّة والجوهريّة على القول بها. م ح ـ ى.
- (2) هذا في الحركة الأينيّة. م ح ـ ى.
- (4) راجع نهاية الحكمة: 255.