(صفحه260)
أو المانع، لأنّها لا تكون من المجعولات الشرعيّة، ولا من الموضوعات التي لهأثر شرعي.
وحاصل الجواب: أنّ الاستصحاب يجري فيها لترتّب الشرطيّة والجزئيّةوالمانعيّة عليه، لأنّها آثار شرعيّة لها ولو كان جعلها بتبع جعل منشأ انتزاعها،فلا إشكال في استصحاب بقاء الوضوء مثلاً لترتيب شرطيّته للصلاة(1).
نقد كلام صاحب الكفاية في ذلك
ويرد عليه أنّ الأثر المترتّب على المستصحب لابدّ من أن يكون مشكوكفيه، كما أنّا إذا شككنا في بقاء خمريّة مايع شككنا في حرمة هذا المايع أيضاً،والمقام ليس كذلك، لأنّا لا نشكّ في بقاء شرطيّة الوضوء للصلاة، فإنّه معلوملنا، والمشكوك هو بقاء الوضوء.
نعم، لو احتملنا نسخ شرطيّته لها لكان الشكّ في بقاء الشرطيّة، لكنّه ليرتبط بالمقام كما لا يخفى.
إشكال مهمّ في استصحاب بقاء الشرط
ويشكل أيضاً استصحاب بقاء الشرط أو عدم المانع ليترتّب عليه كونالمأمور به مقيّدا بالشرط أو بعدم المانع، فإذا شككنا في بقاء الوضوء أو فيكون الثوب الذي لبسناه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه يشكل استصحابالوضوء لإحراز وقوع الصلاة مع الوضوء، واستصحاب عدم لابسيّة غيرالمأكول لإحراز كون الصلاة بلا مانع، لأنّ وقوع الصلاة مع الوضوء لازمعقلي للمستصحب، فيكون الأصل مثبتا، وهكذا استصحاب عدم المانع.
ج6
بل لو قلنا بحجّيّة الأصل المثبت لم يكن أيضاً لوقوع الصلاة مع الوضوء أثرشرعي كي يترتّب على الاستصحاب، لأنّ موافقة الأمر الموجبة لسقوطهلازم عقلي له، لا أثر شرعي.
فعلى هذا استصحاب بقاء الشرط يكون مثبتا، مع أنّا لو قلنا بعدم جريانهللزم خروج مورد الصحيحة الاُولى والثانية لزرارة، فإنّ مورد الاُولى هوالوضوء، لأنّه عليهالسلام قال: «وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدبالشكّ»(1) ومورد الثانية طهارة الثوب، لأنّه عليهالسلام قال: «لأنّك كنت على يقينمن طهارتك(2) ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا»(3)وكلاهما ـ أعني الوضوء وطهارة الثوب ـ شرطان للصلاة.
على أنّ القول بعدم جريان استصحاب الشرط مخالف للفتاوى أيضاً.
هذه مشكلة مهمّة، وملخّصها أنّا لو قلنا بجريان الاستصحاب في الشرطيكون مثبتاً، ولو قلنا بعدم جريانه للزم خروج مورد الصحيحتين ومخالفةالفتاوى.
على أنّهم قالوا بجريان استصحاب مثل الوضوء دون استصحاب مثل عدملابسيّة غير المأكول، ولا يتّضح وجه الفرق بينهما.
ولا يمكن أن يقال: إنّ الطهارة من شرائط المصلّي لا الصلاة، وعدمالمأكوليّة من موانع الصلاة بحسب الأدلّة، فإحراز طهارة المصلّي بالاستصحابيكفي لصحّة صلاته، لكن استصحاب عدم لابسيّة المصلّي غير المأكوللا يثبت تقيّد الصلاة بعدم كونها مع المانع إلاّ بالأصل المثبت.
وذلك لأنّ لسان روايات شرطيّة الطهارة هو شرطيّتها للصلاة، كما أنّ
- (1) وسائل الشيعة 1: 246، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.
- (2) يعني: من طهارة ثوبك. م ح ـ ى.
- (3) وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 1.
(صفحه262)
لسان روايات مانعيّة ما لا يؤكل لحمه هو مانعيّتها لها، من دون فرق بينهما،فكيف يمكن دعوى كون الوضوء شرطا للمصلّي دون الصلاة؟!
هذا مضافا إلى أنّ شرطيّته للمصلّي لا يكون لها معنى محصّل، لأنّه إن اُريدأنّه شرط للمصلّي بما هو مصلّي فمعناه أنّه شرط للصلاة، وإن اُريد أنّه شرطلذات المصلّي فلا يمكن تصوّره، إذ لا معنى للقول بأنّ الوضوء شرط لزيد مثلاً،على أنّه لو كان كذلك للزم صحّة الصلاة مع عدم الطهارة ولو عمدا، ولم يلتزمبه أحد.
جواب الإمام الخميني«مدّ ظلّه» عن الإشكال
وقال سيدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» دفعا لإشكال المثبتيّة ما حاصله:أنّ الميزان في التخلّص عن الأصل المثبت أن يصير المستصحب مندرجا تحتكبرى شرعيّة، فإذا استصحبت الطهارة الخبثيّة أو الحدثيّة يصير الموضوعمندرجا تحت الكبرى المستفادة من قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور»(1)، فإنّالمستفاد منه أنّ الصلاة متحقّقة بالطهور بعد حفظ سائر الجهات.
وبعبارة اُخرى: لا إشكال في استصحاب الوضوء مثلاً، لأنّه وإن لم يكنحكما شرعيّا إلاّ أنّه ذو أثر شرعي، وهو قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لأنّمعناه أنّ الصلاة تتحقّق مع الطهور، فتحقّق الصلاة مع الطهور أثر شرعيمترتّب على استصحاب الوضوء(2).
ثمّ أورد على نفسه أنّ مثل قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» إنّما هو في مقام جعلشرطيّة الطهور للصلاة أو الإرشاد إليها، لا في مقام الإخبار عن أمر خارجي،
- (1) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1 و 6.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 189.
ج6
وهو تحقّق الصلاة إذا كانت مع الطهور(1).
وهذا الإيراد متين لا جواب عنه، وإن كان«مدّ ظلّه» أراد أن يجيب عنه.
وبالجملة: كلام سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» مع اضطرابه لا يدفع إشكال المثبتيّة فيالمقام.
التحقيق في جواب الإشكال
والحقّ في الجواب أن يقال: إنّ إشكال المثبتيّة ناشٍ عن الالتزام بلزوم كونالمستصحب أثراً شرعيّا أو ذا أثر شرعي، ولا وجه للالتزام به، لعدم ورودآية أو رواية على ذلك(2)، وإنّما التزموا به لأنّ الاستصحاب الذي جعلهالشارع حجّةً لابدّ من أن يكون مرتبطا بالشارع بما هو شارع، فما لا يكونحكما شرعيّا ولا ذا أثر شرعي ـ كالجدار ـ لا يجري الاستصحاب فيه، لعدمكونه مربوطا بالشارع، فتمام الملاك في صحّة الاستصحاب وعدمها هو كونهمربوطا بالشارع وعدمه، وكما يحصل الارتباط بكون المستصحب أثراً شرعيّأو ذا أثر شرعي قد يحصل بأمر ثالث أيضاً، واستصحاب الشرط إنّما يجريلتوسعة دائرة الشرطيّة، فهو مرتبط بالشارع.
توضيح ذلك: أنّ قوله عليهالسلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» يدلّ على كون الطهارةشرطا للصلاة، وظاهره أنّ الشرط منحصر في الطهارة الواقعيّة القطعيّة وليشمل الطهارة الاستصحابيّة، فإذا ضممنا إليه قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»كان شارحا له وموسّعا لدائرة الشرط ليشمل الطهارة الاستصحابيّة.
والحاصل: أنّ الاستصحاب تارةً يجري لكون المستصحب حكما شرعيّا،
- (2) ولذا صرّح بعدم لزوم كون المستصحب أثراً شرعيّا أو ذا أثر شرعي بعض من التزم به، كالمحقّقالخراساني رحمهالله ، فإنّ في كلامه تضادّا كما سيجيء الإشارة إليه في الصفحة 272. منه مدّ ظلّه.
(صفحه264)
واُخرى لكونه ذا أثر شرعي، وثالثةً لأمر آخر، كتوسعة دائرة الشرط فيالمقام، وبكلّ واحد منها يحصل ارتباطه بالشارع ويخرج عن كونه مثبتا.
ويمكن أن يقال: بعض الشروط ـ مثل الطهارة عن الحدث التي كانت موردالصحيحة الاُولى، وطهارة الثوب عن الخبث التي كانت مورد الصحيحةالثانية ـ حكم شرعي وضعي، فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه مع قطعالنظر عن الجواب الذي ذكرناه آنفا.
لا يقال: مورد الصحيحة الاُولى هو الوضوء، لا الطهارة، فلا يكون حكمشرعيّا وضعيّا.
فإنّه يقال: لا يتصوّر الشكّ في بقاء الوضوء، لأنّ الغسلتين والمسحتينانعدمت قطعا، فلا يتصوّر الشكّ فيها حتّى يجري استصحابها، فالمراد بالوضوءإنّما هو الطهارة الحاصلة منه التي تكون باقيةً إلى عروض أحد النواقض.
وبالجملة: يمكن دفع الإشكال عن مورد الصحيحتين بأنّ الطهارة عنالحدث والخبث حكم شرعي وضعي، فلا مانع من استصحابها.
لكنّ الجواب الصحيح الذي يقطع الإشكال من أصله هو ما قدّمناه(1) آنفا،لأنّ البحث في جميع الشروط، لا في الطهارة عن الحدث والخبث خاصّة، معأنّ بعضها ـ كالاستقبال ـ أمر خارجي تكويني، لا حكم شرعي.
كلام المحقّق الخوئي في حلّ الإشكال
وقال بعض الأعلام دفعا للإشكال: والذي ينبغي أن يقال في دفعه أنّ
- (1) لا يقال: كيف جعلتم استصحاب وجود الشرط الذي هو من الاُصول شارحا وحاكما على دليل الشرطيّةالذي هو من الأمارات؟!
فإنّه يقال: الحاكم هو دليل الاستصحاب، أعني قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» لا نفس الاستصحاب،فالحاكم أيضاً أمارة، كالمحكوم. منه مدّ ظلّه.