هذا حاصل ما أفاده الشيخ رحمهالله .
هذا إذا كان التخصيص من الوسط، بأن قال ليلة الخميس مثلاً: «أكرمالعلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدا العالم يوم الجمعة» وأمّا إذا كانالخاصّ مخصّصا للعامّ من الأوّل فلابدّ بعد زمان الخاصّ من الرجوع إلىالعامّ، فلو قال ليلة الجمعة: «أكرم العلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدا العالميوم الجمعة» لوجب إكرامه يوم السبت بحكم العامّ، وذلك لأنّ الخاص غيرقاطع لحكم العامّ، فإنّ أوّل زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالة الخاصّ،فلا يكون إثبات الحكم بعده محتاجا إلى دليل غير دليل العامّ.
بحسب الزمان، وقد خصّص تارةً بخيار المجلس، واُخرى بخيار الغبن، فإذشككنا في بقاء خيار المجلس بعد الافتراق(1)، فلابدّ من الرجوع إلى عموم«أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ».
لأنّ خيار المجلس كان ثابتا من أوّل البيع، وأمّا إذا شككنا في بقاء خيارالغبن(2) فلا يجوز فيه الرجوع إلى العموم إذا علمنا بالغبن بعد يوم مثلاً وقلنبكون مبدأ الخيار زمان الالتفات إليه؛ لأنّ البيع كان لازما بحكم العامّ قبلالالتفات إلى الغبن، فانقطع استمراره بمجرّد الالتفات، فهاهنا يجرياستصحاب الخيار، ولا يجوز التمسّك بالعامّ.
الثانية: ما إذا كان العموم استغراقيّا واُخذ الزمان في الخاصّ قيدا، فالمرجعهو العامّ بلا كلام، ولا يجري استصحاب حكم الخاصّ وإن فرضنا عدم جوازالتمسّك بالعامّ، وذلك لتغاير القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة، فإنّ القضيّة المتيقّنةهي عدم وجوب إكرام زيد يوم الجمعة، والمشكوكة هي عدمه يوم السبت.
الثالثة: ما إذا كان العامّ مجموعيّا واُخذ الزمان في الخاصّ قيدا، فلا موردللاستصحاب، ولا مجال أيضاً للتمسّك بالعامّ، فلابدّ من الرجوع إلى سائرالاُصول، ففي المثال يجري أصالة البراءة من وجوب الإكرام يوم السبت.
الرابعة: ما إذا كان العامّ استغراقيّا واُخذ الزمان في الخاصّ ظرفا، فلابدّ منالتمسّك بالعامّ، ولكنّه لو فرض عدم دلالة العامّ لكان الاستصحاب مرجعا(3).
هذا حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
- (1) هذا مع قطع النظر عن النصّ الدالّ على لزوم البيع بعد الافتراق، وهو قوله عليهالسلام : «فإذا افترقا وجب البيع».وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4. م ح ـ ى.
- (2) وذلك مثل أن يقع البيع ثمّ علم بالغبن بعد يوم، لكنّه لم يفسخ فورا، ثمّ شكّ في بقاء الخيار، لاحتمالكونه فوريّا. م ح ـ ى.
(صفحه310)
نظريّة الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في المسألة
وذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» إلى أنّ المرجع هو العامّ في جميعالصور، وذكر لتقريب مرامه اُمورا:
الأوّل: أنّه يتصوّر ورود العامّ على أنحاء ثلاثة:
أ ـ أن يلاحظ المتكلّم الأزمنة بنحو الاستغراق.
ب ـ أن يلاحظها بنحو العامّ المجموعي.
ج ـ أن يلاحظ الزمان مستمرّا(1)، كقوله: «أوفوا بالعقود مستمرّا أو دائما»لا بمعنى وجوب الوفاء في كلّ يوم مستقلاًّ، ولا بنحو العامّ المجموعي، حتّى لوفرض عدم الوفاء في زمان سقط التكليف بعده، بل بنحو يكون المطلوبوجوبه مستمرّا، بحيث لو وفى المكلّف إلى آخر الأبد يكون مطيعا إطاعةواحدة(2)، ولو تخلّف في بعض الأوقات تكون البقيّة مطلوبة(3) لا بطلبمستقلّ، بل بالطلب الأوّل.
وكذلك لو قال المولى: «لا تهن زيدا» فترك العبد إهانته مطلقاً، كان مطيعله إطاعة واحدة، ولو أهانه يوما عصاه، ولكن تكون إهانته محرّمة عليه بعدهأيضاً، لا بنحو المطلوبيّة المتكثّرة المستقلّة، بل بنحو استمرار المطلوبيّة.
الثاني: أنّ العموم الاستمراري قد يستفاد من أداة العموم، نحو «أكرم كلّعالم دائما» وقيد يستفاد من الإطلاق، كقوله تعالى: «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ».
الثالث: أنّ العموم الأزماني متفرّع على العموم الأفرادي، فإنّ قولنا: «أكرم
- (1) أراد الإمام«مدّ ظلّه» بالاستمرار غير ما أراد به المحقّق الخراساني رحمهالله ، فإنّه أراد منه العموم المجموعي،لكنّ الإمام«مدّ ظلّه» أراد منه قسما ثالثا من العموم لا يكون استغراقيّا ولا مجموعيّا. م ح ـ ى.
- (2) وهذا دليل على عدم كونه عامّا استغراقيّا. م ح ـ ى.
- (3) وهذا دليل على عدم كونه عامّا مجموعيّا، وإلاّ سقط التكليف بمجرّد التخلّف في زمان. م ح ـ ى.