وهل يمكن القول بتعيّن الاحتمال الثاني بقرينة قوله: «الرجل ينام» بتقريبأنّه قرينة على علمه بتحقّق النوم بالخفقة والخفقتين، ولكنّه سأل عن كونهناقضاً بهذه المرتبة الضعيفة أم لا؟ وهذا هو الاحتمال الثاني.
تحقّق النوم القطعي لعبّر بالفعل الماضي وقال: «الرجل قد نام» لأنّه التعبيرالمعمول في نظائره، مثل «رجل شكّ بين الثلاث والأربع».
تذكرة
«القلب» في الخبر لا يكون بمعناه المعروف في زماننا هذا، وهوالعضو المخصوص من الجسم، لأنّه لا نوم فيه، بل بمعنى مركز الحواسّ،فأجاب الإمام عليهالسلام بأنّ الناقض هو النوم الغالب على جميع الحواسّ،ورفعت شبهته.
ثمّ حدثت له شبهة اُخرى سأل عنها في الفقرة الثانية، وهو أنّه إذا شكّ فيتحقّق هذا النوم الناقض فهل إليه سبيل بالأمارات الظنّيّة مثل حركة شيء إلىجنبه مع عدم علمه به أم لا؟
فأجاب عليهالسلام : بأنّه «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتّى يجيء من ذلك أمرٌبيّن، إلخ».
وهذه الفقرة الثانية هي التي استدلّ بها الاُصوليّون في باب الاستصحاب،والمعروف بينهم هو الاستدلال بذيلها، وهو قوله عليهالسلام : «ولا ينقض اليقين أبدبالشكّ وإنّما ينقضه بيقين آخر».
والظاهر إمكان الاستدلال بالصدر أيضاً، وهو قوله عليهالسلام : «لا، حتّى يستيقنأنّه قد نام، حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن»، لأنّ معناه عدم وجوب الوضوءعليه عملاً في مورد الشكّ في تحقّق النوم، أي له استصحاب عدم تحقّق النومحتّى يستيقن أنّه قد نام ويجيء من ذلك أمرٌ بيّن، وليس معناه أنّ الناقض هواليقين بالنوم، لأنّ الناقض ـ على ما يستفاد من الأخبار ـ هو النوم الواقعي،سواء تيقّن به أم لا، فلا معنى لقوله عليهالسلام : «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام» إل
(صفحه34)
استصحاب عدم تحقّق النوم.
معنى قوله عليهالسلام : «وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه إلخ»
وأمّا قوله عليهالسلام : «وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه إلخ» ففيه احتمالات:
الاحتمال الأوّل: أن يكون الجزاء محذوفاً، أي إن لم يستيقن أنّه قدنام فلا يجب عليه الوضوء، وقوله عليهالسلام : «فإنّه على يقين من وضوئه إلخ»تعليل للجزاء. وهذا أظهر الاحتمالات، واختاره الشيخ الأعظم رحمهالله في الرسائل(1).
لكن هاهنا شبهتان:
الاُولى: أنّه دليل على جريان الاستصحاب في مورد الشكّ في بقاء الوضوءفقط، ولا يستفاد منه قاعدة كلّيّة.
إن قلت: يمكن التمسّك بعموم التعليل، لعدم كون المورد مخصّصاً.
قلت: التمسّك بعموم التعليل هاهنا وعدم الاختصاص بالمورد إنّما يقتضيجريان الاستصحاب فيما إذا شكّ في تحقّق سائر النواقض غير النوم أيضاً، وليقتضي السراية بغير باب الوضوء كما هو واضح.
إن قلت: هذا صحيح بالنسبة إلى قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» حيثقيّد اليقين بالوضوء، إلاّ أنّ الاستدلال بقوله: «ولا ينقض اليقين بالشكّ إلخ»ممّا لا مانع منه، لأنّه مطلق.
قلت: يحتمل أن يكون اللام في «اليقين» للعهد الذكري، لا للجنس، فالمرادبه أيضاً هو اليقين بالوضوء، ولا إطلاق في البين، لأنّ من شرط تحقّقالإطلاق عدم كون الكلام محفوفاً بما يصلح للقيديّة، وإلاّ صار الكلام مجملاً،
ج6
كما أنّ الاستثناء المتعقّب للجمل يوجب إجمال ما قبل الأخيرة منها ولا يمكنالتمسّك بعمومها أو إطلاقها، وفيما نحن فيه قوله عليهالسلام : «من وضوئه» كما أنّه قيدلليقين المذكور في الصغرى يصلح لأن يكون قيداً لليقين المذكور في الكبرى،فاللام يحتمل أن يكون للجنس ويحتمل أن يكون للعهد الذكري، فاليقينمجمل لا إطلاق فيه.
الثانية: أنّ الظاهر على هذا الاحتمال أنّ الإمام عليهالسلام أراد إجراء استصحابالوضوء، مع أنّه محكوم استصحاب عدم النوم الناقض، لأنّ الشكّ في بقاءالوضوء ناشٍ من الشكّ في حصول الناقض، وأصالة عدم حصوله مقدّم علىاستصحاب الوضوء.
وبعبارة اُخرى: الظاهر من قوله عليهالسلام : «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتّىيجيء من ذلك أمرٌ بيّن» أنّه تمسّك بأصالة عدم النوم، والظاهر من قوله عليهالسلام :«فإنّه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين بالشكّ» أنّه تمسّك باستصحابالوضوء، وهذا إجراء الاستصحاب في ناحية السبب والمسبّب جميعاً، مع أنّالثاني محكوم الأوّل، وجريان الأصل المحكوم مقدّماً على الحاكم أو في عرضهخلاف التحقيق.
الجواب عن الإشكال الأوّل
والجواب عن الشبهة الاُولى: أنّ المناط في معنى الروايات هو فهم العرف،ويمكن استفادة الكلّيّة من قوله عليهالسلام : «ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» بإلغاءالخصوصيّة عرفاً ومناسبة الحكم والموضوع(1)، ضرورة أنّ العرف يرى أنّ
- (1) المراد بـ «الحكم» هو الحرمة، والمراد بـ «الموضوع» هو نقض اليقين بالشكّ، والمناسبة بينهما واضحة.م ح ـ ى.