أحدهما إلى المقصد بل بتبعيده عنه أحيانا، كما إذا كان مفاد أحد المتعارضينهو الوجوب ومفاد الآخر هو الحرمة، فحينئذٍ نحن نعلم بأنّ أحدهما مبعّد عنالواقع، كما إذا كان لنا طريقان: أحدهما واصل إلى المقصد، والآخر موقع فيالبئر، فلا معنى لحكم العقل بالتخيير حينئذٍ.
فلابدّ من القول بالتساقط.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ القاعدة العقليّة هي التساقط، سواء قلنبكون الدليل على حجّيّة خبر الواحد بناء العقلاء كما هو الحقّ، أو الأدلّةاللفظيّة، لأنّها على تقدير تماميّتها تدلّ على الحجّيّة بالإطلاق الذاتي، ومقتضاههو التساقط كما عرفت آنفا.
هذا كلّه على الطريقيّة.
وأمّا السببيّة فلا فائدة في البحث بناءً عليها، لكونها مجرّد فرض مخالفللواقع.
ثمّ لا إشكال في أنّ الشهرة الفتوائيّة على خلاف القاعدة العقليّة،فإنّ المشهور قالوا بالتخيير بين المتكافئين، بل ادّعي عليهالإجماع.
الروايات الواردة في المتعارضين المتكافئين الدالّة على التخيير فقد ادّعىالشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله تواترها(1).
نقد كلام الشيخ في دعوى تواتر أحاديث التخيير
وفيه: أنّ أخبار التخيير لا تزيد على سبعة(2)، فأين التواتر؟!
وحيث إنّ بعضها ضعيف سندا وبعضها دلالةً يشكل طرح القاعدة والعملبها لولا انجبارها بفتوى المشهور.
ثمّ إنّ أحاديث المتكافئين على طائفتين: فإنّ بعضها يدلّ على التخييروبعضها على التوقّف، وأخبار التوقّف أيضاً لا تزيد على أربعة(3).
وكلّ منهما على قسمين: لأنّ ما يدلّ على التخيير بعضها مطلق وبعضهمقيّد بزمن حضور الإمام عليهالسلام ، وهكذا أخبار التوقّف، فجميع الأخبار الواردةفي المقام على طوائف أربع.
وحيث إنّها في نفسها تكون متعارضة فلابدّ من رفع التعارض عنها ابتداءًليتّضح حكم الخبرين المتكافئين بمقتضاها.
نظريّة المحقّق النائيني رحمهالله في رفع المعارضة عن أخبار الباب
قال المحقّق النائيني رحمهالله : لا معارضة بين ما دلّ على التخيير مطلقا وبين ما دلّعليه مقيّدا بزمن الحضور، وكذا لا معارضة بين مادلّ على التوقّف مطلقا وبينما دلّ عليه مقيّدا بزمن الحضور، لأنّ المقيّد لا يكون له مفهوم حتّى يعارض
- (1) راجع فرائد الاُصول 4: 39.
- (2) راجع وسائل الشيعة 27: 106 ـ 124، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، ومستدرك الوسائل17: 302 ـ 307، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، حتّى يتّضح لك الأمر. منه مدّ ظلّه.
ج6
به المطلق، بل لا مفهوم عندنا للشرط، فضلاً عن اللقب.
فالمعارضة إنّما تكون بين ما دلّ على التخيير في زمن الحضور وبين ما دلّعلى التوقّف كذلك، وهكذا بين التخيير المطلق وبين التوقف كذلك.
والتعارض في الأوّلين تعارض على نحو التباين، لكن لا ثمرة عمليّة فيالبحث عنه بالنسبة إلى زماننا هذا.
فلابدّ من تمحّض البحث في رفع التعارض بين ما دلّ على التخيير مطلقوبين ما دلّ على التوقّف كذلك، فنقول:
إنّ التعارض بينهما إنّما يكون ابتداءً بنحو العموم من وجه، لكنّه ينقلب إلىالعموم والخصوص المطلق، لأنّ أخبار التخيير مطلقا تخصّص بأخبار التوقّففي زمن الحضور، فيصير مفادها التخيير في زمن الغيبة، فتكون أخصّ مطلقممّا دلّ على التوقّف مطلقا، فتخصّصه وتصير النتيجة هي التخيير في زمنالغيبة، وبهذا ارتفعت المعارضة بين الأخبار العلاجيّة الواردة في المتكافئين(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله في رفع التعارض عن أحاديث التخيير والتوقّف.
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
وفيه أوّلاً: أنّا لم نتصوّر العموم من وجه بين الأخبار الدالّة علىالتخيير المطلق والدالّة على التوقّف كذلك، ولم يوضّح هو أيضاً كيفيّة العموممن وجه.
وثانيا: لو أمكن رفع التعارض بما ذهب إليه لأمكن بعكسه أيضاً، بأننجعل ما دلّ على التخيير في زمن الحضور مخصّصا للأخبار الدالّة على التوقّفالمطلق، فتصير أخصّ من الأخبار الدالّة على التخيير المطلق، فتخصّصه
- (1) فوائد الاُصول 4: 764.