وأمّا إذا كان من الموضوعات فلا يجري الاستصحاب إلاّ بلحاظ ترتّبالأثر الشرعي عليه، وإلاّ فلا ترتبط الموضوعات ـ مع قطع النظر عن آثارهالشرعيّة ـ بالشارع بما هو شارع حتّى يحكم بحرمة نقض اليقين المتعلّق به
بالشكّ، فاستصحاب حياة زيد مثلاً إنّما يكون بلحاظ حرمة تزويج زوجتهوحرمة التصرّف في أمواله ونحو ذلك، ولا إشكال في ترتّب الآثار الشرعيّةعلى الموضوع المستصحب إن لم يكن بينهما واسطة عقليّة أو عاديّة.
وأمّا إذا كان له في عرض الأثر الشرعي لازم عقلي أو عادي له أثرشرعي، فهل يترتّب عليه هذا الأثر أيضاً أم لا؟
قال المشهور بعدم ترتّبه، فلو نذرنا أن نتصدّق عشرة دراهم عند بلوغزيد ثمانين عاماً، لا يجري استصحاب حياته لإثبات بلوغه ثمانين عاماً، فليجب علينا التصدّق.
وظهر ممّا ذكرنا أنّ البحث إنّما يكون فيما إذا لم يكن اللازم العقلي والعادي ذحالة سابقة متيقّنة، وإلاّ فهو بنفسه يكون مجرى الاستصحاب بلحاظ الأثرالشرعي المترتّب عليه، ولا يكون حينئذ مثبتاً كما هو واضح.
فاتّضح بما ذكرنا أيضاً أنّ مرادهم من مثبتات الاُصول والأمارات هواللوازم العقليّة والعاديّة التي تكون ذات أثر شرعي، وقالوا بعدم حجّيّتها فيالاُصول وبحجّيّتها في الأمارات، ففي المثال السابق لو قامت البيّنة على حياةزيد فكما أنّها تثبت حرمة تزويج زوجته يثبت أيضاً بلوغه ثمانين عاماً،فيجب التصدّق بعشرة دراهم.
هذا ما ذهب إليه المشهور.
وجه حجّيّة مثبتات الأمارات دون الاُصول
لكنّهم اختلفوا فيما هو الفرق بينهما.
كلام صاحب الكفاية في ذلك
ج6
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّ وجهه إطلاق أدلّة الأمارات،فإنّ الأمارات حاكية عن مدلولها المطابقي والالتزامي كليهما، ومقتضىإطلاق أدلّتها اعتبارها ولزوم تصديقها في كلا المدلولين، فهي حجّة بالنسبةإلى لوازم مؤدّاها وملزوماته وملازماته، كما أنّها حجّة بالنسبة إلى نفسالمؤدّى.
وأمّا الاُصول فلا إطلاق في أدلّتها، لوجود القدر المتيقّن في مقام التخاطبفيها، وهو آثار نفس المستصحب بلا واسطة شيء(1).
نقد كلام صاحب الكفاية في المسألة
وفيه: أنّ الإطلاق والتقييد من أوصاف الأدلّة اللفظيّة، فظاهر قوله رحمهالله : «إنّوجه الفرق إطلاق أدلّة الأمارات دون الاُصول» أنّ أدلّة الأمارات مع كونهلفظيّة مطلقة تعمّ مدلولها المطابقي والالتزامي كليهما، لتماميّة مقدّمات الحكمةفيها، بخلاف أدلّة الاُصول، لوجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب فيها مع أنّعدمه من مقدّمات الحكمة، فقوله: «صدّق العادل» مثلاً مطلق دون قوله: «لتنقض اليقين بالشكّ».
وهذه الدعوى فاسدة عندنا، لأنّ الشارع إذا ألزمنا بقبول قول العادليمكن أن يلزمنا به في خصوص مدلوله المطابقي فقط، وهو حياة زيد في المثال،دون لازمه، وهو بلوغه ثمانين عاماً حتّى يترتّب عليه أثره الشرعي، أعنيوجوب التصدّق بعشرة دراهم.
لا يقال: كيف يمكن التفكيك بين الشيء وبين لازمه أو ملزومه أو ملازمه؟
فإنّه يقال: نعم، لا يمكن التفكيك تكويناً، لأنّا إذا علمنا أو ظننّا بحياة زيد
(صفحه236)
مثلاً علمنا أو ظننّا بلوازمه وملزوماته وملازماته لا محالة، ولكنّه يمكنتشريعاً، إذ لا مانع من أن يجعل الشارع خبر الثقة مثلاً حجّة لنا في مدلولهالمطابقي دون الالتزامي.
فكما أنّ أدلّة الاُصول لا إطلاق لها لتحقّق القدر المتيقّن في مقام التخاطب،كذلك أدلّة الأمارات لو كانت لفظيّة.
نعم، إن كان دليلها بناء العقلاء ـ كما هو التحقيق ـ كانت معتبرة في مدلولهالالتزامي، كالمطابقي، لأنّ العمل بخبر الثقة مثلاً عند العقلاء لا يكون إلاّ لأجلالوثوق والاطمينان، وإذا حصل الوثوق بشيء حصل أيضاً بلوازمهوملزوماته وملازماته، لما تقدّم من عدم إمكان التفكيك بينهما تكويناً،فالعقلاء يعملون بخبر الثقة في كلا مدلوليه، والشارع أمضى بنائهم على ذلكولم يجعل له حجّيّة جديدة كما هو الفرض والحقّ.
والحاصل: أنّ دليل حجّيّة الأمارات لو كان لفظيّاً لم يكن مثبتاتهحجّة، لعدم الفرق حينئذٍ بينها وبين الاُصول من هذه الجهة، لأنّ قوله:«صدّق العادل» مثلاً جعل خبر العادل حجّة، وما أخبر به العادل فيالمثال هو حياة زيد، فلا وجه للتعدّي منه إلى لوازمه أو ملزوماتهأو ملازماته، لأنّه لم يخبر بها، كما أنّ قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»صدر في مورد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة، وهي في المثال حياة زيد،فلا وجه للتعدّي إلى لوازمها وملزوماتها وملازماتها، لعدم تعلّق اليقينوالشكّ بها.
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المسألة
وبهذا ظهر ضعف ما قاله المحقّق النائيني رحمهالله في المقام، من أنّ المجعول في باب