ج6
على ما ذهب إليه الشيخ رحمهالله من أنّ المراد به هو المتيقّن، لكن لا بما هو متيقّن،بل ذاته، ويكون قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» بمعنى «لا تنقض المتيقّنبالشكّ»(1) فلا وجه للاستدلال على كون الشكّ في أخبار الباب خلاف اليقينبمقابلته باليقين في قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» فإنّه على مذهبه يكونمقابلاً للمتيقّن، لا لليقين، سيّما أنّه أراد بالمتيقّن ذاته، كالطهارة مثلاً، فلا يكونالشكّ مقابلاً لليقين.
نعم، له أن يستدلّ على كون المراد بالشكّ في باب الاستصحاب خلافاليقين بالوجوه الثلاثة الاُخر المتقدّمة.
نقد ما استدلّ به الشيخ رحمهالله في المقام
واستدلّ الشيخ أيضاً بوجهين آخرين(2) ذكرهما المحقّق الخراساني رحمهالله وناقش فيهما(3):
الأوّل: الإجماع التقديري، فإنّهم وإن اختلفوا في حجّيّة الاستصحاب علىأزيد من عشرة أقوال واختلف القائلون بالحجّيّة أيضاً في أنّ مدركه هل هوالأخبار أو بناء العقلاء أو إفادته الظنّ، إلاّ أنّهم اتّفقوا على أنّه لو كان حجّةمن باب الأخبار لكان حجّة مطلقا، أي ولو ظنّ بالخلاف، فضلاً عن الظنّبالوفاق.
وفيه أوّلاً: أنّه إجماع منقول، وهو ليس بحجّة.
وثانيا: أنّ مدركهم معلوم لنا، فإنّ كلّ واحد منهم ذكر دليل مذهبه.
وثالثا: لا يكون هذا الإجماع كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام ؛ فإنّ الرأي
- (2) راجع فرائد الاُصول 3: 285 و 286.
- (3) راجع كفاية الاُصول: 485.
(صفحه326)
التقديري لا يعقل بالنسبة إليه؛ لأنّه عالم بالواقع.
الثاني: أنّ الظنّ بخلاف الحالة السابقة إن كان من الظنون التي علم بعدماعتبارها ـ كالظنّ القياسي ـ فوجوده كعدمه عند الشارع، فكما يجريالاستصحاب لو لم يكن هذا الظنّ يجري أيضاً مع وجوده، وإن كان منالظنون التي شكّ في اعتبارها فرفع اليد عن الحالة السابقة به يكون نقضلليقين بالشكّ.
وفيه: أنّ عدم حجّيّة الظنّ القياسي ونحوه يكون بمعنى عدم إثبات الحكمالشرعي به، لا أنّ وجوده كعدمه رأسا، والشاهد على هذا أنّه لو نذر تصدّقعشرة دراهم مثلاً إن ظنّ بعدم وجوب صلاة الجمعة ثمّ حصل له الظنّ به منطريق القياس وجب عليه التصدّق، وإن لم يثبت به عدم وجوب صلاةالجمعة، فقوله: «الظنّ القياسي ليس بحجّة» يكون بمعنى عدم ثبوت الحكم به،ولا يدلّ على أنّ وجوده كالعدم رأسا.
وكون الظنّ بالخلاف من الظنون التي شكّ في اعتبارها لا يوجب صدقنقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عن الحالة السابقة، لأنّ شرطه وحدةمتعلّقهما، مع أنّ متعلّق اليقين في المقام هو الطهارة مثلاً ومتعلّق الشكّ هوالحجّيّة وعدم الحجّيّة، فلا تتّحد القضيّتان.
ج6
في اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيه
خاتمه: فيما يعتبر في جريان الاستصحاب
وهو أمران:
الأوّل: في اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيه
وقد يعبّر عنه ببقاء الموضوع، وهل معناه أنّه لا بدّ من إحراز وجودالموضوع خارجا؟ فإذا كان قيام زيد متيقّنا ثمّ شككنا في بقائه فلابدّ منإحراز وجود زيد خارجا حتّى يجري استصحاب قيامه؟
في هذا المعنى إشكال واضح، لأنّ اعتبار بقاء الموضوع بهذا المعنى لا يعقلفي استصحاب وجود الموجودات عند الشكّ في بقائها، فإنّ زيدا إذا كانموجودا سابقا ثمّ شككنا في وجوده فلا معنى لأن يقال: يشترط فياستصحاب وجوده إحراز وجوده خارجا، لأنّه لو كان محرز الوجود لم يعقلاستصحابه.
كلام الشيخ رحمهالله في معنى اعتبار بقاء الموضوع
ولأجل هذا عدل الشيخ الأعظم رحمهالله عن هذا المعنى إلى معنى آخر، فإنّه بعدالقول باعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب، قال:
المراد به معروض المستصحب، فإذا اُريد استصحاب قيام زيد أو وجوده
(صفحه328)
فلابدّ من تحقّق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا فيالسابق، سواء كان تحقّقه في السابق بتقرّره ذهنا أو بوجوده خارجا، فزيدمعروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي وللوجود بوصف تقرّرهذهنا لا وجوده الخارجي(1)،(2)، إنتهى كلامه.
نقد كلام الشيخ رحمهالله في معنى اعتبار الموضوع
وفيه: أنّه لا يمكن أن يكون بوصف وجوده الذهني أيضاً معروضا للوجود،لما ثبت في الحكمة من تضادّ الوجود الخارجي مع الذهني، فما هو موجود فيالذهن لا يمكن أن يوجد في الخارج بوصف تقرّره ذهنا، وما هو موجود فيالخارج لا يمكن أن يوجد في الذهن بوصف وجوده الخارجي، فكيف يمكنأن يقال: قولنا: «زيد موجود» يكون بمعنى «زيد المتقرّر في الذهن موجود فيالخارج»؟!
فالموضوع في هذه القضيّة هو ذات زيد ونفسه مع قطع النظر عنوجوده الذهني والخارجي، فإنّ ذات زيد كذلك قد يكون موجودا وقدلا يكون موجودا، كماهيّة الإنسان مثلاً، فإذا قلنا: «زيد موجود»لا يكون زيد بوجوده الخارجي موضوعا حتّى يستلزم كون القضيّةضروريّة بشرط المحمول، ولا بتقرّره الذهني حتّى يلزم الاستحالةالعقليّة.
على أنّ قوله رحمهالله : «المراد بالموضوع معروض المستصحب» ظاهر في أنّالمستصحب هو محمول القضيّة فقط، مع أنّه تمام القضيّة لا المحمول فقط، وذلك
- (1) وذلك لأنّه لو كان معروضا للوجود بوصف وجوده الخارجي لكانت القضيّة ضروريّة بشرط المحمول.م ح ـ ى.
- (2) فرائد الاُصول 3: 288.
ج6
لأنّ الدليل على اعتبار الاستصحاب هو قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»واليقين والشكّ ونحوهما من الأوصاف القائمة بالنفس ـ كالظنّ والوهم ـ لتتعلّق بالتصوّرات، فإذا قلنا: إنّي متيقّن بزيد، أو بقيامه، أو بالطهارة مثلاً،يكون فيه تسامح في التعبير، ومعناه «إنّي متيقّن بأنّ زيدا موجود، وبأنّ قيامزيد موجود، وبأنّي متطهّر» وإلاّ فمجرّد «زيد، أو قيامه، أو الطهارة» بمعناهالتصوّري لا يكون موجودا ولا معدوما، ولا يعقل تعلّق اليقين به، وكذلكالأمر في الشكّ والظنّ والوهم.
فلا يمكن أن يكون المستصحب الذي هو متعلّق اليقين والشكّ بمقتضىأخبار الاستصحاب من التصورّات، بل لابدّ من أن يكون أمرا تصديقيّا،وهو القضيّة(1) بتمامها، لا خصوص محمولها، كما هو ظاهر كلام الشيخالأعظم رحمهالله .
فتحصّل ممّا تقدّم أنّ متعلّق اليقين في الاستصحاب يكون قضيّة، وكذلكمتعلّق الشكّ، فلنا قضيّتان: متيقّنة، ومشكوكة، ولابدّ من وحدتهما موضوعومحمولاً بمقتضى أخبار الباب، إذ لا معنى لتحريم نقض اليقين بقيام زيدبالشكّ في قيام عمرو، وكذلك لا معنى لتحريم نقض اليقين بقيام زيد بالشكّ فيعدالته، فإنّ النقض لا يتعقّل فيهما، فالأخبار بسبب اشتمالها على كلمة«النقض» تدلّ على اشتراط وحدة القضيّتين.
فالتعبير عن هذا الشرط باشتراط بقاء الموضوع ليس في محلّه.
نقد ما أفاده صاحب الكفاية في المقام
- (1) سواء كانت بنحو مفاد «كان التامّة» مثل «زيد موجود» أو «الناقصة» مثل «زيد قائم» أو «ليس التامّة» مثل«زيد ليس بموجود» أو «الناقصة» مثل «زيد ليس بقائم». م ح ـ ى.