(صفحه186)
بالنهار والجلوس المقيّد بما قبل الزوال، فتارةً: نشكّ في بقاء النهار وما قبلالزوال، واُخرى: في بقاء الوجوب المتعلّق بالإمساك والجلوس مع القطعبارتفاع النهار والقطع بزوال الشمس.
أمّا إذا كانت الشبهة موضوعيّة فتقدّم بحثه(1)، وهو الذي عدل فيه الشيخ رحمهالله عن استصحاب الزمان إلى استصحاب الحكم المترتّب عليه، والمحقّقالخراساني رحمهالله إلى استصحاب متعلّق الحكم ـ وهو المقيّد ـ فرارا من إشكالالمثبتيّة، وتقدّم التحقيق فيه.
وأمّا إذا كانت حكميّة ـ كما إذا حكم المولى بوجوب الجلوس قبل الزوال ثمّشككنا في وجوبه بعد الزوال ـ فقال الشيخ رحمهالله : إنّ الزمان إن اُخذ قيدا مقوّملموضوع الحكم بأن كان الجلوس المقيّد بما قبل الزوال واجبا فلا مجاللاستصحاب الحكم، وإن اُخذ ظرفا لثبوت الحكم فلا إشكال في جريانه(2).
هذا حاصل مقالة الشيخ رحمهالله ، وتبعه في ذلك جماعة ممّن تأخّر عنه، منهمصاحب الكفاية(3).
وهذا وإن كان حقّا في محلّه، إلاّ أنّه خارج عن بحث الزمان، فإنّ البحث فيالزمان والزمانيّات المتصرّمة لا يكون إلاّ من جهة كونها من التدريجيّاتوالمتصرّمات، والحكم المشكوك بقائه لا يكون تدريجيّا وإن كان متعلّقبالفعل المقيّد بالزمان الذي هو من التدريجيّات.
الكلام في شبهة الفاضل النراقي رحمهالله
وممّا ذكرنا من خروج هذا البحث من بحث الزمان يعلم أنّ ذكر كلام
- (1) تقدّم هذا البحث في ص185 ـ 187.
- (2) فرائد الاُصول 3: 210.
ج6
الفاضل النراقي رحمهالله (1) في ذيل هذا البحث غير مناسب.
توضيح ذلك: أنّه رحمهالله استشكل في جريان استصحاب الحكم المشكوك بقائهبأنّه معارض دائما بالاستصحاب العدمي، بيان ذلك: أنّ الجلوس المقيّد بما بعدالزوال لم يكن واجبا قبل ورود الأمر بالجلوس قبل الزوال قطعا، فيستصحبويعارض استصحاب الوجوب، فيتساقطان، ولابدّ من الرجوع إلى القواعدالاُخر.
لا يقال: لابدّ في الاستصحاب من اتّصال زمان الشكّ باليقين، وهو منفيّ فيالمقام، لتخلّل وجوب الجلوس الثابت قبل الزوال.
فإنّه يقال: إنّ زمان الشكّ متّصل باليقين بالنسبة إلى هذا الموضوع المقيّدـ أعني الجلوس المقيّد بما بعد الزوال ـ فإنّه قبل صدور الحكم من الشارع أوقبل بلوغه إلى المكلّف معلوم عدم وجوبه، وبعد ورود الحكم وبلوغه صارمشكوكا فيه حتّى قبل الزوال الذي هو ظرف وجوب نفس الجلوس، وبعبارةاُخرى: المتخلّل بين زمان الشكّ واليقين هو العلم بوجوب الجلوس، لبوجوب الجلوس المتقيّد بما بعد الزوال، والمضرّ هو الثاني دون الأوّل(2).
البحث حول ما أفاده المحقّق النراقي رحمهالله في المسألة
وأجاب عنه الأعاظم بأجوبة مختلفة:
إشكال الشيخ الأنصاري رحمهالله على المحقّق النراقي رحمهالله
منها: ما أفاده الشيخ الأعظم رحمهالله ، وهو أنّ الأمر الوجودي المجعول(3) إن
- (1) يعني: ملاّ أحمد النراقي. م ح ـ ى.
- (2) مناهج الأحكم والاُصول: 237.
- (3) يعني «الحكم الشرعي». م ح ـ ى.
(صفحه188)
لوحظ الزمان قيدا له أو لمتعلّقه بأن لوحظ وجوب الجلوس المقيّد بكونه إلىالزوال شيئا والمقيّد بكونه بعد الزوال شيئا آخر متعلّقا للوجوب فلا مجاللاستصحاب الوجوب، للقطع بارتفاع ما علم وجوده والشكّ في حدوث معداه، ولذا لا يجوز الاستصحاب في مثل «صم يوم الخميس» إذا شكّ فيوجوب صوم يوم الجمعة، وإن لوحظ الزمان ظرفا لوجوب الجلوس فلمجال لاستصحاب العدم، لأنّه إذا انقلب العدم إلى الوجود المردّد بين كونه فيقطعة خاصّة من الزمان وكونه أزيد ـ والمفروض تسليم حكم الشارع بأنّالمتيقّن في زمان لابدّ من إبقائه(1) ـ فلا وجه لاعتبار العدم السابق(2)، إنتهىموضع الحاجة من كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده الشيخ رحمهالله في المسألة
ويرد عليه أنّ فرض قيديّة الزمان للجلوس أو الحكم ليس في كلامه، بلظاهره كونه ظرفا، لأنّه فرض جريان الاستصحاب الوجودي مسلّما، وهذلا يكون إلاّ فيما إذا اُخذ «قبل الزوال» ظرفا لثبوت الحكم، فلا يرد عليه أنّهقد لا يجري استصحاب الوجود، وذلك فيما إذا اُخذ الزمان قيدا، لأنّ هذالفرض خارج عن كلامه.
وأمّا على فرض ظرفيّة الزمان فجريان استصحاب العدم الأزليللعنوان المقيّد ممّا لا مانع منه، لأنّ الموضوع المتقيّد غير الموضوع غير المتقيّد،فلا يكون ثبوت الوجوب للجلوس نقضا لعدم وجوب الجلوس المتقيّد بمبعد الزوال، لإمكان أن يكون نفس الجلوس واجبا والجلوس المتقيّد
- (1) بمقتضى أدلّة الاستصحاب. م ح ـ ى.
- (2) فرائد الاُصول 3: 210.
ج6
غير واجب.
وبالجملة: فرض كلام الفاضل النراقي رحمهالله إنّما يكون فيما إذا كان الزمانبالنسبة إلى ما قبل الزوال ظرفا لثبوت الحكم، وبالنسبة إلى ما بعد الزوالقيدا لعدم وجوب الجلوس، ووجوب الجلوس الثابت فيما قبل الزوال ليستلزم انقلاب عدم وجوب الجلوس المقيّد بما بعد الزوال إلى الوجوب،لتغاير موضوعهما، فإنّ موضوع الأوّل مطلق ـ وهو الجلوس ـ وموضوعالثاني مقيّد ـ وهو الجلوس بعد الزوال ـ فلم ينتقض العدم كما لم ينتقضالوجود، فيجري الاستصحاب الوجودي والعدمي معا.
ومنها: ما أجاب به المحقّق الخراساني رحمهالله ، وحيث إنّه قرّر شبهة النراقيبوجه آخر فلا بدّ أوّلاً من ذكر تقريره لها، ثمّ ذكر ما أجاب به عنها،فنقول:
تقرير صاحب الكفاية لكلام الفاضل النراقي
إنّه رحمهالله قال تقريرا للشبهة: إنّ الزمان يكون لا محالة من قيود الموضوع بنظرالعقل، وإن اُخذ ظرفا لثبوت الحكم بنظر العرف، ففيما إذا اُخذ ظرفا في دليلهعرفا يحكم العقل بقيديّته والعرف بظرفيّته، وحيث إنّ مراعاة كلا النظرينـ أعني نظر العقل والعرف ـ لازمة علينا فيجري الاستصحاب الوجوديوالعدمي(1) ويقع التعارض بينهما(2).
هذا حاصل تقريره لشبهة الفاضل النراقي من غير تصريح باسمه، بل أشارإليه بقوله: «كما قيل».
- (1) الأوّل مقتضى نظر العرف، والثاني مقتضى نظر العقل. م ح ـ ى.
(صفحه190)
مناقشة المحقّق الخراساني في كلام الفاضل النراقي رحمهماالله
ثمّ أجاب عنها بقوله: فإنّه يقال: إنّما يكون ذلك لو كان في الدليلما بفهومه يعمّ النظرين، وإلاّ فلا يكاد يصحّ إلاّ(1) إذا سيق(2) بأحدهما، لعدمإمكان الجمع بينهما، لكمال المنافاة بينهما، ولا يكون في أخبار الباب ما بمفهومهيعمّهما، فلا يكون هناك إلاّ استصحاب واحد، وهو استصحاب الثبوت فيما إذاُخذ الزمان ظرفا، واستصحاب العدم فيما إذا اُخذ قيدا، لما عرفت من أنّالعبرة في هذا الباب بالنظر العرفي، ولا شبهة في أنّ الفعل فيما بعد ذاك الوقتمعه قبله متّحد في الأوّل ومتعدّد في الثاني بحسبه، ضرورة أنّ الفعل المقيّدبزمان خاصّ غير الفعل في زمان آخر ولو بالنظر المسامحي العرفي(3)،إنتهى كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
أقول: تقرير الشبهة بهذا الوجه الذي في الكفاية خلاف ما هو المشهورالمنقول عن الفاضل النراقي، فإنّه رحمهالله بعد فرض أخذ الزمان ظرفا قال بجريانالاستصحابين وتعارضهما كما عرفت، فكونه قيدا لا محالة بالدقّة العقليّة ليكون ملحوظا في كلامه أصلاً. هذا أوّلاً.
وثانيا: كلام صاحب الكفاية مضطرب، لأنّ قوله رحمهالله : «إنّما يكون ذلك لوكان في الدليل ما بفهومه يعمّ النظرين» ظاهر في استشكاله على الفاضل النراقي
- (1) لا معنى لكلمة «إلاّ» في هذه العبارة، فالظاهر وقوع الغلط في نسخة الكفاية، وحقّ العبارة أن يقال: «وإلفلا يكاد يصحّ إذا سيق بأحدهما». منه مدّ ظلّه.
- (2) في نسخة الكفاية التي بأيدينا «سبق» بالباء، لكنّ الصحيح هو «سيق» بالياء. منه مدّ ظلّه.