ج6
الثاني: أنّه لا يمكن إرادة الحكم الواقعي والظاهري معاً، نظراً إلى الغاية،وهي قوله عليهالسلام : «حتّى تعلم أنّه قذر» لأنّه إن كان المراد هو الحكم الواقعي،يكون العلم المأخوذ في الغاية طريقيّاً، فإنّ الحكم الواقعي لا يرفع بالعلم، ولفرق فيه بين العالم والجاهل كما عليه أهل الحقّ، خلافاً لأهل التصويب، وإنكان المراد هو الحكم الظاهري يكون العلم المأخوذ في الغاية قيداً للموضوعوغاية له، لأنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ وغايته العلم، إذ الشكّيرتفع بالعلم، فيكون العلم ملحوظاً بنحو الاستقلال والموضوعيّة، ولا يمكناجتماع الطريقيّة والموضوعيّة في العلم، لأنّ معنى الموضوعيّة ارتفاع الحكمبالعلم، ومعنى الطريقيّة عدم ارتفاعه به، فيكون الجمع بينهما كالجمع بينالمتناقضين(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله في الإشكال الثاني.
الثالث: أنّه لا يمكن اجتماع الحكم الواقعي والظاهري في نفسه مع قطعالنظر عن الغاية، وذلك لأنّه إذا استند الحكم إلى العامّ الشامل للخصوصيّاتالصنفيّة والخصوصيّات الفرديّة، فلا محالة يكون الحكم مستنداً إلى الجامع بينالخصوصيّات، لا إلى الأصناف أو الأفراد بخصوصيّاتها، فإنّه إذا قيل: «أكرمكلّ إنسان» فهذا الحكم وإن كان شاملاً لجميع أصناف الإنسان وأفراده، إلأنّه مستند إلى الجامع، لا إلى الخصوصيّات الصنفيّة أو الفرديّة، فإنّه يُقال: هذيجب إكرامه لأنّه إنسان، لا لأنّه عربي أو لأنّه زيد مثلاً، فلا دخل
- (1) فوائد الاُصول 4: 368.
(صفحه112)
للخصوصيّات في الحكم، فقوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» وإن كان شاملاً للشيءالمشكوك، إلاّ أنّه بعنوان أنّه «شيء» لا بعنوان أنّه «مشكوك» إذ كونهمشكوكاً من الخصوصيّات الصنفيّة، وقد ذكرنا عدم دخلها في الحكم المستندإلى العامّ، فلا يكون هناك حكم ظاهري، لأنّ موضوعه هو الشيء بما هومشكوك فيه، فلا يكون في المقام إلاّ الحكم الواقعي الوارد على جميع الأشياءالمعلومة أو المشكوك فيها.
بل يمكن أن يُقال: إنّ الحكم المذكور في قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» ليكون شاملاً للشيء المشكوك فيه أصلاً، لأنّ عموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء» قدخصّص بمخصّصات كثيرة دالّة على نجاسة بعض الأشياء، كالكلب والكافروالبول وسائر النجاسات، والمايع المردّد بين الماء والبول مثلاً لا يمكن التمسّكلإثبات طهارته بعموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» لكونه من قبيل التمسّكبالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص، فالشيء المشكوك فيه لا يكون داخلفي عموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» لا من حيث الحكم الظاهري، لأنّالموضوع هو الشيء، لا المشكوك فيه، ولا من حيث الحكم الواقعي، لكونهمشكوكاً بالشبهة المصداقيّة(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله في الوجه الثالث.
نقد كلامه هذ
وهو وإن كان بياناً جيّداً بحسب الظاهر، إلاّ أنّه يرد على صدره أنّ المحقّقالخراساني رحمهالله لم يتمسّك بعموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء» للحكم الظاهري، بل
- (1) أجود التقريرات 4: 59. أقول: ما وجدت ذيل كلامه في «أجود التقريرات» ولا في «فوائد الاُصول» فلعلّشيخنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» استحصله من طريق آخر غيرهما. م ح ـ ى.
ج6
بإطلاق «شيء» الشامل لجميع حالاته ومن جملتها كونه مشكوكاً فيه،فقوله رحمهالله : «إذا استند الحكم إلى العامّ الشامل للخصوصيّات الصنفيّةوالخصوصيّات الفرديّة، فلا محالة يكون الحكم مستنداً إلى الجامع بينالخصوصيّات» وإن كان صحيحاً متيناً، إلاّ أنّه لا يكون دليلاً على عدم تماميّةكلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
ويرد على ذيله أيضاً أنّه لا مانع من التمسّك بالعامّ المخصّص في الشبهاتالحكميّة، وإن لم يجز في الشبهات الموضوعيّة؛ لأجل كونه تمسّكاً بالعامّ فيالشبهة المصداقيّة، فعلى هذا وإن لم يجز التمسّك بقوله عليهالسلام : «كلّ شيءٍ نظيف»لإثبات طهارة المائع المردّد بين الماء والبول، إلاّ أنّه لا إشكال في التمسّك به فيمإذا شككنا في أنّ المذي مثلاً طاهر أم لا، لأنّه من قبيل الشكّ في تخصيصالأكثر، ولا مانع من التمسّك بالعامّ فيه.
ثمّ إنّ هذه الإشكالات التي أوردها سيّدنا الاُستاذ والمحقّق النائيني أكثرهكان ناظراً إلى ما في الحاشية.
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية
وأمّا ما في الكفاية ـ وهو أن يكون المراد الطهارة الواقعيّة والاستصحاب فيرد عليه أنّ قوله عليهالسلام : «حتّى تعلم» إمّا أن يكون قيداً للموضوع أوللمحمول، فعلى الأوّل كان قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»بمعنى «كلّ شيء حتّى تعلم نجاسته طاهر» وعلى الثاني كان بمعنى أنّ «الأشياءطاهرة ما لم تعلم نجاستها» أي ما دامت مشكوكاً فيها، وعلى أيّ تقدير يكونمفاده قاعدة الطهارة فقط.
نعم، لو كان في الكلام تقدير، وكان قوله عليهالسلام : «حتّى تعلم» متعلّقاً بمحذوف
(صفحه114)
وكان التقدير هكذا: «كلّ شيء طاهر، وطهارته مستمرّة حتّى تعلم أنّه نجس»لكان الكلام دالاًّ على الطهارة الواقعيّة والاستصحاب، ولكنّ التقدير بجعلالجملة الواحدة جملتين خلاف الأصل ولا موجب للالتزام به.
فالحاصل: أنّ روايات الحلّ والطهارة دالّة على خصوص قاعدة الطهارةوالحلّيّة ولا ربط لها بالحكم الواقعي ولا بالاستصحاب أصلاً.
لكن لا حاجة لنا في المقام إليها، فإنّ ما تقدّم من سائر روايات الباب يكفيلإثبات حجّيّة الاستصحاب.
وقد عرفت عدم تماميّة التفصيلين اللذين ذكرهما الشيخ الأعظم رحمهالله ، فإنّ متقدّم من الأخبار تدلّ على اعتبار الاستصحاب مطلقاً، سواء كان مورده ممّثبت بدليل العقل أو بغيره من الأدلّة الثلاثة الاُخر، وسواء كان من قبيل الشكّفي المقتضي أو من قبيل الشكّ في الرافع.
ج6