وذلك أوّلاً: لأنّه معناه بحسب اللغة والعرف العامّ.
قلت: هذا لأجل القرينة التي تدلّ على اعتبار الظنّ في عدد الركعات، فليضرّ بالمدّعى، وهو كونه لو خلّي وطبعه بمعنى غير اليقين لغةً وعرفا.
أنّه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وأنّه ليس إلاّ اليقين.
ورابعا: لأنّ مقتضى قوله: «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام» عقيب سؤالزرارة: «فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم» فإنّ من حاله كذلك فهو يظنّبتحقّق النوم، فقوله عليهالسلام : «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام» ورد في مورد الظنّبارتفاع الحالة السابقة، سلّمنا إمكان كونه على حال حرّك في جنبه شيء وهولا يعلم مع عدم تحقّق الظنّ بالنوم، بل قد يظنّ به من هذا الحال وقد لا يظنّ،إلاّ أنّ ترك الإمام عليهالسلام الاستفصال يفيد الإطلاق، فقوله: «لا، حتّى يستيقن أنّهقد نام» يدلّ على جريان استصحاب الوضوء مطلقا، سواء حصل له الظنّبالنوم من عدم علمه بتحرّك شيء في جنبه أم لا.
فالحاصل: أنّ المراد بالشكّ في أدلّة الاستصحاب هو خلاف اليقين.
وقد عرفت سابقا(1) أنّ المراد باليقين فيها هو الحجّة، لا خصوص القطع،لقلّة تحقّق القطع بالأحكام وموضوعاتها جدّا لو لم نقل بعدم تحقّقه،فاختصاص اليقين فيها بالقطع يستلزم كونها قليل المورد، بل بلا مورد.
على أنّ مورد الصحيحة الاُولى هو الوضوء، ومورد الصحيحة الثانيةطهارة الثوب، وهما ممّا لا طريق إلى القطع به، فإنّ تحقّق الوضوء صحيحا معجميع شرائطه من دون إعمال قاعدة أو أصل أو بيّنة ممّا لا طريق إليه، وهكذالثوب، لأنّ احتمال تحقّق ذرّات النجس في الماء الذي غسل به وإن كان بحرممّا لا دافع له، فأين اليقين بالوضوء وبطهارة الثوب؟
فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ مفاد قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» لتنقض الحجّة باللاحجّة.
هذا بناءً على ما اخترناه من أنّ «اليقين» في أخبار الباب يكون بمعناه، وأمّ
ج6
على ما ذهب إليه الشيخ رحمهالله من أنّ المراد به هو المتيقّن، لكن لا بما هو متيقّن،بل ذاته، ويكون قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» بمعنى «لا تنقض المتيقّنبالشكّ»(1) فلا وجه للاستدلال على كون الشكّ في أخبار الباب خلاف اليقينبمقابلته باليقين في قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» فإنّه على مذهبه يكونمقابلاً للمتيقّن، لا لليقين، سيّما أنّه أراد بالمتيقّن ذاته، كالطهارة مثلاً، فلا يكونالشكّ مقابلاً لليقين.
نعم، له أن يستدلّ على كون المراد بالشكّ في باب الاستصحاب خلافاليقين بالوجوه الثلاثة الاُخر المتقدّمة.
نقد ما استدلّ به الشيخ رحمهالله في المقام
واستدلّ الشيخ أيضاً بوجهين آخرين(2) ذكرهما المحقّق الخراساني رحمهالله وناقش فيهما(3):
الأوّل: الإجماع التقديري، فإنّهم وإن اختلفوا في حجّيّة الاستصحاب علىأزيد من عشرة أقوال واختلف القائلون بالحجّيّة أيضاً في أنّ مدركه هل هوالأخبار أو بناء العقلاء أو إفادته الظنّ، إلاّ أنّهم اتّفقوا على أنّه لو كان حجّةمن باب الأخبار لكان حجّة مطلقا، أي ولو ظنّ بالخلاف، فضلاً عن الظنّبالوفاق.
وفيه أوّلاً: أنّه إجماع منقول، وهو ليس بحجّة.
وثانيا: أنّ مدركهم معلوم لنا، فإنّ كلّ واحد منهم ذكر دليل مذهبه.
وثالثا: لا يكون هذا الإجماع كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام ؛ فإنّ الرأي
- (2) راجع فرائد الاُصول 3: 285 و 286.
- (3) راجع كفاية الاُصول: 485.
(صفحه326)
التقديري لا يعقل بالنسبة إليه؛ لأنّه عالم بالواقع.
الثاني: أنّ الظنّ بخلاف الحالة السابقة إن كان من الظنون التي علم بعدماعتبارها ـ كالظنّ القياسي ـ فوجوده كعدمه عند الشارع، فكما يجريالاستصحاب لو لم يكن هذا الظنّ يجري أيضاً مع وجوده، وإن كان منالظنون التي شكّ في اعتبارها فرفع اليد عن الحالة السابقة به يكون نقضلليقين بالشكّ.
وفيه: أنّ عدم حجّيّة الظنّ القياسي ونحوه يكون بمعنى عدم إثبات الحكمالشرعي به، لا أنّ وجوده كعدمه رأسا، والشاهد على هذا أنّه لو نذر تصدّقعشرة دراهم مثلاً إن ظنّ بعدم وجوب صلاة الجمعة ثمّ حصل له الظنّ به منطريق القياس وجب عليه التصدّق، وإن لم يثبت به عدم وجوب صلاةالجمعة، فقوله: «الظنّ القياسي ليس بحجّة» يكون بمعنى عدم ثبوت الحكم به،ولا يدلّ على أنّ وجوده كالعدم رأسا.
وكون الظنّ بالخلاف من الظنون التي شكّ في اعتبارها لا يوجب صدقنقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عن الحالة السابقة، لأنّ شرطه وحدةمتعلّقهما، مع أنّ متعلّق اليقين في المقام هو الطهارة مثلاً ومتعلّق الشكّ هوالحجّيّة وعدم الحجّيّة، فلا تتّحد القضيّتان.