(صفحه188)
لوحظ الزمان قيدا له أو لمتعلّقه بأن لوحظ وجوب الجلوس المقيّد بكونه إلىالزوال شيئا والمقيّد بكونه بعد الزوال شيئا آخر متعلّقا للوجوب فلا مجاللاستصحاب الوجوب، للقطع بارتفاع ما علم وجوده والشكّ في حدوث معداه، ولذا لا يجوز الاستصحاب في مثل «صم يوم الخميس» إذا شكّ فيوجوب صوم يوم الجمعة، وإن لوحظ الزمان ظرفا لوجوب الجلوس فلمجال لاستصحاب العدم، لأنّه إذا انقلب العدم إلى الوجود المردّد بين كونه فيقطعة خاصّة من الزمان وكونه أزيد ـ والمفروض تسليم حكم الشارع بأنّالمتيقّن في زمان لابدّ من إبقائه(1) ـ فلا وجه لاعتبار العدم السابق(2)، إنتهىموضع الحاجة من كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده الشيخ رحمهالله في المسألة
ويرد عليه أنّ فرض قيديّة الزمان للجلوس أو الحكم ليس في كلامه، بلظاهره كونه ظرفا، لأنّه فرض جريان الاستصحاب الوجودي مسلّما، وهذلا يكون إلاّ فيما إذا اُخذ «قبل الزوال» ظرفا لثبوت الحكم، فلا يرد عليه أنّهقد لا يجري استصحاب الوجود، وذلك فيما إذا اُخذ الزمان قيدا، لأنّ هذالفرض خارج عن كلامه.
وأمّا على فرض ظرفيّة الزمان فجريان استصحاب العدم الأزليللعنوان المقيّد ممّا لا مانع منه، لأنّ الموضوع المتقيّد غير الموضوع غير المتقيّد،فلا يكون ثبوت الوجوب للجلوس نقضا لعدم وجوب الجلوس المتقيّد بمبعد الزوال، لإمكان أن يكون نفس الجلوس واجبا والجلوس المتقيّد
- (1) بمقتضى أدلّة الاستصحاب. م ح ـ ى.
- (2) فرائد الاُصول 3: 210.
ج6
غير واجب.
وبالجملة: فرض كلام الفاضل النراقي رحمهالله إنّما يكون فيما إذا كان الزمانبالنسبة إلى ما قبل الزوال ظرفا لثبوت الحكم، وبالنسبة إلى ما بعد الزوالقيدا لعدم وجوب الجلوس، ووجوب الجلوس الثابت فيما قبل الزوال ليستلزم انقلاب عدم وجوب الجلوس المقيّد بما بعد الزوال إلى الوجوب،لتغاير موضوعهما، فإنّ موضوع الأوّل مطلق ـ وهو الجلوس ـ وموضوعالثاني مقيّد ـ وهو الجلوس بعد الزوال ـ فلم ينتقض العدم كما لم ينتقضالوجود، فيجري الاستصحاب الوجودي والعدمي معا.
ومنها: ما أجاب به المحقّق الخراساني رحمهالله ، وحيث إنّه قرّر شبهة النراقيبوجه آخر فلا بدّ أوّلاً من ذكر تقريره لها، ثمّ ذكر ما أجاب به عنها،فنقول:
تقرير صاحب الكفاية لكلام الفاضل النراقي
إنّه رحمهالله قال تقريرا للشبهة: إنّ الزمان يكون لا محالة من قيود الموضوع بنظرالعقل، وإن اُخذ ظرفا لثبوت الحكم بنظر العرف، ففيما إذا اُخذ ظرفا في دليلهعرفا يحكم العقل بقيديّته والعرف بظرفيّته، وحيث إنّ مراعاة كلا النظرينـ أعني نظر العقل والعرف ـ لازمة علينا فيجري الاستصحاب الوجوديوالعدمي(1) ويقع التعارض بينهما(2).
هذا حاصل تقريره لشبهة الفاضل النراقي من غير تصريح باسمه، بل أشارإليه بقوله: «كما قيل».
- (1) الأوّل مقتضى نظر العرف، والثاني مقتضى نظر العقل. م ح ـ ى.
(صفحه190)
مناقشة المحقّق الخراساني في كلام الفاضل النراقي رحمهماالله
ثمّ أجاب عنها بقوله: فإنّه يقال: إنّما يكون ذلك لو كان في الدليلما بفهومه يعمّ النظرين، وإلاّ فلا يكاد يصحّ إلاّ(1) إذا سيق(2) بأحدهما، لعدمإمكان الجمع بينهما، لكمال المنافاة بينهما، ولا يكون في أخبار الباب ما بمفهومهيعمّهما، فلا يكون هناك إلاّ استصحاب واحد، وهو استصحاب الثبوت فيما إذاُخذ الزمان ظرفا، واستصحاب العدم فيما إذا اُخذ قيدا، لما عرفت من أنّالعبرة في هذا الباب بالنظر العرفي، ولا شبهة في أنّ الفعل فيما بعد ذاك الوقتمعه قبله متّحد في الأوّل ومتعدّد في الثاني بحسبه، ضرورة أنّ الفعل المقيّدبزمان خاصّ غير الفعل في زمان آخر ولو بالنظر المسامحي العرفي(3)،إنتهى كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
أقول: تقرير الشبهة بهذا الوجه الذي في الكفاية خلاف ما هو المشهورالمنقول عن الفاضل النراقي، فإنّه رحمهالله بعد فرض أخذ الزمان ظرفا قال بجريانالاستصحابين وتعارضهما كما عرفت، فكونه قيدا لا محالة بالدقّة العقليّة ليكون ملحوظا في كلامه أصلاً. هذا أوّلاً.
وثانيا: كلام صاحب الكفاية مضطرب، لأنّ قوله رحمهالله : «إنّما يكون ذلك لوكان في الدليل ما بفهومه يعمّ النظرين» ظاهر في استشكاله على الفاضل النراقي
- (1) لا معنى لكلمة «إلاّ» في هذه العبارة، فالظاهر وقوع الغلط في نسخة الكفاية، وحقّ العبارة أن يقال: «وإلفلا يكاد يصحّ إذا سيق بأحدهما». منه مدّ ظلّه.
- (2) في نسخة الكفاية التي بأيدينا «سبق» بالباء، لكنّ الصحيح هو «سيق» بالياء. منه مدّ ظلّه.
ج6
بحسب مقام الإثبات، ومقتضاه إمكان تعارض الاستصحابين ثبوتا، إلاّ أنّه لدليل عليه، لعدم شمول مفهوم أخبار الاستصحاب كليهما، ثمّ عدل عن ذلك إلىمقام الثبوت في مقام التعليل وقال: «لعدم إمكان الجمع بينهما، لكمال المنافاةبينهما» ثمّ رجع إلى مقام الإثبات والدلالة ثانيا وقال: «ولا يكون في أخبارالباب مابفهومه يعمّهما».
وبعد الغمض عن ذلك كلّه، ففيه: أنّ إطلاق دليل الاستصحاب يشملالاستصحابين من غير لزوم الجمع بين اللحاظين(1)، لأنّ معنى الإطلاق ليسلحاظ الحالات الطارية والحيثيّات العارضة والحكم عليها، وإلاّ يرجع إلىالعموم، بل معناه جعل الماهيّة تمام الموضوع للحكم من غير تقييده بشيء،فينطبق قهرا على الكثرات من غير لحاظها بوجه، فقوله: «لا تنقض اليقينبالشكّ» يكون مطلقا بهذا المعنى، أي يكون نقض اليقين بالشكّ تمام الموضوعللحكم من غير لحاظ خصوصيّة معه، فهو بوحدته يشمل جميعالاستصحابات بما أنّها عدم نقض اليقين بالشكّ، فلا إشكال في شمول أخبارالباب الاستصحاب الوجودي الذي هو مقتضى حكم العرف بظرفيّة الزمان،والاستصحاب العدمي الذي هو مقتضى حكم العقل بقيديّته، لوجود الموضوعفي كليهما، وهو نقض اليقين بالشكّ.
ولو كان عدم إمكان الجمع بين الاستصحابين وكمال المنافاة بينهما موجبلعدم شمول أخبار الباب لهما ورفع التعارض بينهما، لما وجدنا موردا تعارضفيه استصحابان، إذ في كلّ مورد من موارد التعارض لا يمكن الجمع بينهما، وليلتزم المحقّق الخراساني رحمهالله بذلك.
جواب المحقّق النائيني عن شبهة الفاضل النراقي
- (1) أي لحاظ القيديّة التي هي حكم العقل والظرفيّة التي هي حكم العرف. م ح ـ ى.
(صفحه192)
ومنها: ما في تقريرات المحقّق النائيني رحمهالله من عدم جريان استصحاب العدمالأزلي مطلقا ولو لم يجر استصحاب الوجود، لأنّ العدم الأزلي هو العدمالمطلق، وانتقاضه إنّمايكون بحدوث الحادث، وإذا ارتفع بعد الحدوث لم يكنالعدم الثاني هو العدم الأزلي، والعدم المقيّد بقيد خاصّ من الزمان أو الزمانيمتقوّم بوجود القيد، ولا يعقل تقدّمه على قيده، فإذا وجب الجلوس إلى الزوالفالعدم الأزلي انتقض إلى الوجود قطعا، فإذا فرض ارتفاع الوجوب بعدالزوال لأخذه قيدا فعدم الوجوب بعد الزوال لا يكون العدم الأزلي، لكونهمقيدّا بـ «بعد الزوال»، والعدم المقيّد غير العدم المطلق المعبّر عنه بالعدمالأزلي، فالمستصحب بعد الزوال ليس هو العدم المطلق، بل هو العدم المقيّدبـ «بعد الزوال»، وهو متقوّم بما بعد الزوال، فلا يمكن استصحابه إلاّ إذا آن بعدالزوال وثبت العدم، ففي الآن الثاني يستصحب، والمفروض غير ذلك؛ لأنّالعدم يكون مشكوكا فيه حتّى في الآن الأوّل بعد الزوال، فالعدم الأزليالمطلق قد انتقض بالوجوب قبل الزوال، والعدم المقيّد لم يكن قبل الزوالمتحقّقا.
وبعبارة اُخرى: العدم المطلق تبدّل اليقين به إلى اليقين بنقيضه، فنقضه ليكون نقضا بالشكّ، بل بيقين آخر، والعدم المقيّد بـ «بعد الزوال» لم يكن قبلالزوال متيقّنا إلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، لكنّ السالبة بانتفاء الموضوعلا تكون قضيّة في الحقيقة.
نعم، لا مانع من استصحاب عدم جعل الوجوب للموضوع المقيّد، لكنّهمثبت، لأنّ عدم وجوب الجلوس المقيّد بما بعد الزوال لازم عقلي لعدم جعلالوجوب له.
وبعبارة اُخرى: عدم الجعل ليس له أثر إلاّ بلحاظ المجعول، وإثبات عدم