(صفحه290)
الاثنين، فزمان اليقين هو يوم السبت، وزمان الشكّ هو ما بعده، وهما متّصلانكما هو واضح.
وعلم من مطاوي ما ذكرنا أنّ المراد باتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين كونالمورد مصداقا لقوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» والمراد بعدمه عدم كونهمصداقا له، والمراد بعدم إحرازه الشكّ في كونه مصداقاً له، ونحن استظهرنا هذالأخير من كلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
اضطراب كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في ذلك
ولكن وقع التهافت في كلام سيدّنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» حيث فسّرالاتّصال بصدق نقض اليقين بالشكّ(1) أوّلاً، ثمّ ذكر كلام المحقّق الخراساني رحمهالله (2)وذكر له احتمالين لم يكن واحد منهما منطبقا على ما استظهرناه من كلامه، بلأحدهما هو الاحتمال الذي ذكرناه آنفا وقلنا بأنّه خلاف ظاهر كلامه، والثانياحتمال آخر غيرهما.
وظاهره أنّ عدم إحراز الاتّصال مغاير لما ادّعاه صاحب الكفاية، وهوالشكّ في صدق نقض اليقين بالشكّ، وإلاّ فلم يكن للإعراض عن تفسير كلامهبما استظهرناه منه وجه.
بل نقل(3) عن شيخه العلاّمة الحائري رحمهالله كلاما يصرّح بتغايرهما وتلقّاهبالقبول.
ثمّ احتمل(4) عند البحث عمّا إذا كان تاريخ أحدهما معلوما أن يكون مراد
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 193.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 196.
- (3) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 197.
- (4) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 199.
ج6
المحقّق الخراساني رحمهالله من عدم إحراز الاتّصال عدم إحراز كونه من مصاديقنقض اليقين بالشكّ.
وهذا الكلام كما ترى مضطرب كمال الاضطراب، لاستلزامه القطع بكونعدم إحراز الاتّصال عبارةً عن عدم إحراز نقض اليقين بالشكّ مرّة، والقطعبتغايرهما اُخرى، واحتمال اتّحادهما ثالثةً.
وحاصل جميع ما تقدّم في هذه الصورة الرابعة: أنّ الأثر لو كان لعدم أحدالحادثين في زمان الآخر يجري الاستصحاب، وأمّا لو كان عدم كلّ منهما فيزمان الآخر موضوعا للأثر فالاستصحابان يتعارضان ويتساقطان.
هذا تمام الكلام في مجهولي التاريخ.
صور ما إذا كان تاريخ أحدهما معلوم
وأمّا إذا كان تاريخ أحد الحادثين معلوما فله أيضاً صور كثيرة عين متقدّم في مجهولي التاريخ طابق النعل بالنعل.
وحكم ثلاث صور منها ـ أعني ما إذا كان الأثر مترتّبا على الوجودالخاصّ، من المتقدّم أو المتأخّر أو المقارن، بنحو مفاد كان التامّة، أو عليه بنحومفاد كان الناقصة، أو على عدمه بنحو مفاد ليس الناقصة المعبّر عنه بالعدمالنعتي في زمان الآخر ـ حكم مجهولي التاريخ، فلا نطيل الكلام بتكرار البحثهاهنا.
إنّما الإشكال فيما إذا كان الأثر مترتّبا على عدمه بنحو مفاد ليس التامّةالمعبّر عنه بالعدم المحمولي في زمان الآخر.
كلام صاحب الكفاية في المسألة
(صفحه292)
فالمحقّق الخراساني رحمهالله فصّل في هذه الصورة بين ما إذا كان الأثر مترتّبا علىعدم مجهول التاريخ وبين ما إذا كان مترتّبا على عدم معلومه، فقال بجريانالاستصحاب في الأوّل دون الثاني.
أمّا الجريان في الأوّل فلإحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.
توضيحه: أنّا إذا علمنا بعدم الكرّيّة وعدم الملاقاة يوم السبت مثلاً وعلمنبحدوث الملاقاة يوم الاثنين، وفي الثلاثاء علمنا أيضاً بتحقّق الكرّيّة، لكننشكّ في أنّها هل حدثت يوم الأحد حتّى يكون الماء معتصما حين الملاقاة، أويوم الثلاثاء حتّى لا يكون كذلك، فزمان الشكّ هو يوم الاثنين الذي علمحدوث الملاقاة فيه، فلا فرق بين أن نعبّر عنه بزمان الملاقاة أو بيوم الاثنين،وحيث إنّا قلنا بجريان الاستصحاب فيما إذا لو حظ تقدّم الحادث وتأخّرهبالإضافة إلى أجزاء الزمان فلا إشكال في استصحاب عدم الكرّيّة إلى زمانالملاقاة، لأنّ الشكّ في بقائه إلى زمان الملاقاة عبارة اُخرى عن الشكّ في تقدّمالكرّيّة على يوم الاثنين وتأخّرها عنه، فيجري استصحاب عدمها إلى يومالاثنين الذي هو عبارة اُخرى عن زمان الملاقاة.
وأمّا عدم الجريان في الثاني فلعدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.
توضيحه: أنّا إذا علمنا بعدم الكرّيّة وعدم الملاقاة يوم السبت، وعلمنبحدوث الكرّيّة يوم الاثنين، وفي الثلاثاء علمنا أيضاً بتحقّق الملاقاة، لكننشكّ في أنّها هل حدثت يوم الأحد حتّى يكون الماء حين الملاقاة قليلاً منفعلبها أو الثلاثاء حتّى يكون حين الملاقاة كرّا معتصما، فلم يحرز اتّصال زمانالشكّ بزمان اليقين، لأنّ زمان الشكّ الذي هو زمان الملاقاة إن كان يوم الأحداتّصل بزمان اليقين الذي هو يوم السبت، وإن كان يوم الثلاثاء انفصل عنهبيوم الاثنين، وبعبارة اُخرى: إن كان زمان الملاقاة يوم الأحد فيكون المثال
ج6
مصداقا لدليل الاستصحاب، وإن كان يوم الثلاثاء فلا، لصدق نقض اليقينباليقين، لا بالشكّ، فالمثال من قبيل الشبهة المصداقيّة لدليل الاستصحاب.
فلا يجري الاستصحاب في هذا القسم على مبنى المحقّق الخراساني رحمهالله منإمكان تصوير الشبهة المصداقيّة في الوجدانيّات، ولا يجري أيضاً عند المحقّقالنائيني رحمهالله ، لأنّه تلقّى هذا المبنى بالقبول، حيث استشكل على السيّد صاحبالعروة كما عرفت(1).
ولا يخفى أنّ عبارة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام ناقصة جدّا، لأنّه اكتفى عندبيان العلّة بقوله: لانتفاء الشكّ فيه في زمان، وإنّما الشكّ فيه بإضافة زمانه إلىالآخر(2).
ولا يفهم مراده وهو عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين من هذهالعبارة كما ترى.
نظريّة الشيخ الأنصاري رحمهالله في المسألة ونقده
والشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله مع ذهابه في مجهولي التاريخ إلى جريانالاستصحاب ذهب هنا إلى عدمه، وعلّله بأنّ تاريخ حدوث الكرّيّة معلوم،فهي قبله متيقّن العدم وبعده متيقّن الوجود، فلم نشكّ فيها في زمان حتّىيجري الاستصحاب(3).
وفيه: أنّ العلم بالتاريخ يوجب معلوميّتها بالإضافة إلى أجزاء الزمان،لا بالإضافة إلى الحادث الآخر ـ أعني الملاقاة ـ والأثر مترتّب على الثاني،لا الأوّل.
- (3) فرائد الاُصول 3: 250.
(صفحه294)
فالحقّ هو جريانالاستصحاب في عدم معلوم التاريخ في زمان الآخر أيضاً.
نعم، لو كان عدم كلّ منهما في زمان الآخر موضوعا للأثر لتعارضالاستصحابان وتساقطا، كما في مجهولي التاريخ.
البحث حول تعاقب الحالتين المتضادّتين
ثمّ إنّهم ذكروا عقيب هذه المسألة الاُصوليّة فروض الحالتين المتضادّتين،ونحن أيضاً نذكرها، لكثرة الابتلاء بها، فنقول:
إذا كان الأثر مترتّبا على وجود الحالتين المتضادّتين، وشكّ في المتقدّم منهما،كما لو تيقّن الحدث والطهارة وشكّ في المتقدّم منهما، فاختلفوا في حكمه:
نظريّة المشهور وصاحب الكفاية في المسألة
ذهب المشهور إلى جريان استصحابهما وتساقطهما بالتعارض، فلابدّ له منتحصيل الطهارة، لأنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.
وذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى عدم جريان الاستصحاب أصلاً، لعدمإحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين، لأنّا إذا أردنا استصحاب الطهارة مثلنحتمل وقوع الحدث بعدها، فيكون من قبيل نقض اليقين باليقين، ووقوعهقبلها، فيكون من قبيل نقض اليقين بالشكّ، فلم يحرز كونه مصداقا لدليلالاستصحاب، وكذلك إذا أردنا استصحاب الحدث، فلا يجري الاستصحابفي المقام، لاختلال أركانه، فلابدّ من تحصيل الطهارة، لقاعدة الاشتغال(1).
كلام المحقّق الحلّي والإمام الخميني في المقام