في المقام إلاّ عن أنّ نفس التعليقيّة هل توجب عدم جريان الحرمة التعليقيّة أملا؟ وأمّا أنّ العنب والزبيب هل هما شيئان أو شيء واحد والعنبيّة والزبيبيّةحالتان له فللبحث عنه محلّ آخر.
لا يقال: لا يتصوّر جعل السببيّة والملازمة.
فإنّه يقال: ما لا يمكن جعله هو السببيّة والملازمة التكوينيّة، وأمّا السببيّةوالملازمة الاعتباريّة التشريعيّة فلا إشكال في إمكان جعلهما الشرعي، فهذالقائل(1) خلط بين التكوين والتشريع كما تقدّم في مبحث الأحكام الوضعيّة.
والحاصل: أنّ التعليق يحتمل ثبوتا أربعة اُمور: جعل الحكم معلّقا علىشيء، وجعله متعلّقا بموضوع معلّق عليه، وجعل السببيّة للمعلّق عليه، وجعلالملازمة بينه وبين المعلّق.
نعم، تسمية الأخيرين تعليقا في غير محلّه، لأنّ الشارع إذا قال: «الغليانسبب للحرمة» أو «ملازم لها» كان قضيّة تنجيزيّة لا تعليقيّة كما هو واضح،فالفرضان الأخيران خارجان عن محلّ النزاع، لعدم التعليق فيهما.
اختصاص النزاع بالتعليقات الشرعيّة
الثاني: أنّ التعليق قد يكون في كلام الشارع ويعبّر عنه بالتعليق الشرعي،كما إذا قال: «إذا غلى العنب يحرم» و«إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» وقدلا يكون في كلامه، لكنّ العقل بعد ملاحظته يحكم بالتعليق، ويعبّر عنهبالتعليق العقلي، كما إذا ورد أنّ «العنب المغليّ حرام» وأنّ «الماء البالغ حدّالكرّيّة لا ينجّسه شيء» و أنّ «الماء البالغ مساحته ثلاثة أشبار ونصف طولوعرضا وعمقا كرّ» ثمّ العقل بعد ملاحظة هذا الكلام يحكم بأنّ العنب إذا غلىيحرم، وأنّ الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شيء، ويحكم أيضاً على الماء البالغثلاثة أشبار في أبعاده الثلاثة بأنّه إذا زيد عليه نصف شبر في كلّ من أبعادهيصير كرّا، لكنّه ليس من التعليق الشرعي، بل هو تعليق يدركه العقل من
- (1) هو المحقّق النائيني كما تقدّم في ص132.
(صفحه202)
القضيّة المنجّزة.
والتعليق العقلي خارج عن محلّ البحث، لأنّه لا يكون حكما شرعيّا ولموضوعا ذا أثر شرعي، أمّا عدم كونه حكما شرعيّا فلأنّ الحكم الشرعي هوحرمة العنب المغليّ مثلاً لا حرمته على تقدير الغليان، وأمّا عدم كونه ذا أثرشرعي فلأنّ الأثر الوارد في كلام الشارع هو الحرمة وموضوعها العنب المغليّ،فالتعليق العقلي خارج عن محلّ النزاع، لعدم كونه حكما شرعيّا ولا ذا أثرشرعي كي يستصحب.
فالتفصيل بين التلعيق الشرعي والعقلي والقول بجريان الاستصحاب فيالأوّل دون الثاني ليس تفصيلاً في المسألة واقعا.
بيان الحقّ في المسألة
إذا عرفت هاتين المقدّمتين فاعلم أنّ الملاك في أخبار الاستصحاب هوفعليّة اليقين والشكّ، لا فعليّة المتيقّن، فعلى هذا لا مانع من جريانالاستصحاب التعليقي، لأنّ الشارع إذا قال: «العنب إذا غلى يحرم» ثمّ شككنفي حرمة الزبيب على تقدير الغليان فلنا يقين فعلي متعلّق بحرمة العنب علىتقدير الغليان وشكّ فعلي متعلّق بها كذلك بعد أن صار زبيبا.
ودعوى أنّ الحكم المعلّق على شيء لا وجود له قبل وجود المعلّق عليه، فمدام الغليان لم يتحقّق لا حرمة أصلاً، فلا يكون لنا قضيّة متيقّنة، فاسدةٌ، لأنّالحكم الفعلي يتوقّف على تحقّق المعلّق عليه، لا التعليقي، فإنّه يوجد بنفسصدور الحكم من قبل الشارع من غير تأخير.
إن قلت: الاستصحاب في المقام مثبت، لأنّ الأثر المترتّب على استصحابالحرمة على تقدير الغليان لا يكون إلاّ الحرمة التنجيزيّة بعد تحقّق الغليان،