لقد أجاد المحقّق الخراساني رحمهالله حيث جعل هذا المبحث من مقاصدعلم الاُصول ـ حيث قال: المقصد الثامن: في تعارض الأدلّةوالأمارات(1) ـ ، لا خاتمةً له، كما صنع بعضهم، فإنّه من مهمّات بحثالاُصول، لشدّة ارتباطه بالفقه، ولقد أجاد أيضاً حيث جعل عنوانه «تعارضالأدلّة والأمارات»(2) لا «التعادل والترجيح»(3)،(4) فإنّ البحث هاهنا فيالخبرين المتعارضين، إلاّ أنّهما قد يكونان متعادلين، وقد يكون أحدهما ذامزيّةعلى الآخر.
وهذا العنوان، أعني «تعارض الأدلّة والأمارات» لا يختصّ بالخبرينالمتعارضين، إلاّ أنّهم خصّوا البحث بهما لوجهين:
أحدهما: أنّ أساس فقه الشيعة هو الأخبار، لأنّ الدليل على أكثر المسائلالفقهيّة منحصر بها.
الثاني: أنّ الأخبار العلاجيّة إنّما وردت في الخبرين المتعارضين.
فلابدّ من عقد البحث في تعارض الأخبار واختصاص الكلام به.
فنقول: إنّ الأخبار العلاجيّة تدور مدار عنوانين:
أ ـ الخبران المتعارضان، كما في مقبولة عمر بن حنظلة(1).
ب ـ الخبران المختلفان، كما في سائر الروايات، فالكلام في باب التعارضيدور مدارهما، ومفادهما واحد عند العرف الذي نظره هو الميزان في تشخيصالموضوعات مصداقا ومفهوما.
ويعمّ البحث التعارض عرضا كالتعارض حقيقةً، لأنّ العرف كما يرىالتعارض والاختلاف بين الخبرين الدالّ أحدهما على وجوب صلاة الجمعةوالآخر على عدم وجوبها، يرى التعارض والاختلاف أيضاً بين الخبرينالدالّ أحدهما على وجوبها والآخر على وجوب صلاة الظهر مع العلم بعدموجوب كليهما في يوم الجمعة، فإنّ الخبرين وإن لم يمتنع اجتماعهما ذاتا، إلاّ أنّالعلم بكذب أحدهما يوجب التعارض والاختلاف بينهما عرفا.
فما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله من «أنّ التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلّةبحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضادّ حقيقةً أو
- (1) لم يعبّر في المقبولة بـ «الخبرين المتعارضين» نعم، في مرفوعة زرارة: «يأتي عنكم الخبران أو الحديثانالمتعارضان». فلاحظ المقبولة في الكافى 1: 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10،والمرفوعة في مستدرك الوسائل 17: 303، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.م ح ـ ى.
(صفحه378)
عرضا»(1) صحيح متين.في حكم العامّ والخاصّ الواردين في مقام التقنين
حكم العامّ والخاصّ الواردين في مقام التقنين
ثمّ إنّ التعارض والتنافي لدى العرف في الكلامين الصادرين من المتكلّمينمختلف، فإنّ الكلام قد يصدر من مصنّفي الكتب ومتعارف الناس في محاوراتهمالعاديّة ممّا لم يتعارف فيها إلقاء العمومات والمطلقات ثمّ بيان المخصّصاتوالمقيّدات وقرائن المجازات بعدها، وقد يكون صادرا من مقنّني القوانينومشرّع الشرايع ممّا يتعارف فيها ذلك، فإنّك ترى في القوانين العرفيّة إلقاءالكلّيّات في فصل وبيان حدودها ومخصّصاتها في فصول اُخر، فمحيط التقنينوالتشريع غير محيط الكتب العلميّة والمحاورات العرفيّة المتداولة، ولهذا ترىأنّ فيلسوفا أو اُصوليّا لو ادّعى قاعدة كلّيّة في فصل ثمّ ادّعى خلافها في بعضالموارد يقال: تناقض في المقال، وهكذا الفقهاء، لأنّ المتون الفقهيّة والرسائلالعمليّة وضعت لنقل الشرع لا للتشريع.
ولكنّ العرف والعقلاء لا يرون التناقض في محيط التقنين والتشريع بينالعامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد، مع أنّ تحقّق التناقض بين الإيجاب الكلّيوالسلب الجزئي وكذا العكس أمر واضح ضروري، لكن لمّا شاع وتعارف فيوعاء التقنين ومحيط التشريع ذلك لا يعدّونه تناقضا.
ولأجل هذا نفى اللّه تعالى وقوع الاختلاف في القرآن بقوله: «وَلَوْ كَانَ مِنْعِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفًا كَثِيرًا»(2) مع أنّ فيه العامّ والخاصّ والمطلقوالمقيّد ولم يستشكل أحد بوقوع الاختلاف فيه من هذه الجهة.