(صفحه262)
لسان روايات مانعيّة ما لا يؤكل لحمه هو مانعيّتها لها، من دون فرق بينهما،فكيف يمكن دعوى كون الوضوء شرطا للمصلّي دون الصلاة؟!
هذا مضافا إلى أنّ شرطيّته للمصلّي لا يكون لها معنى محصّل، لأنّه إن اُريدأنّه شرط للمصلّي بما هو مصلّي فمعناه أنّه شرط للصلاة، وإن اُريد أنّه شرطلذات المصلّي فلا يمكن تصوّره، إذ لا معنى للقول بأنّ الوضوء شرط لزيد مثلاً،على أنّه لو كان كذلك للزم صحّة الصلاة مع عدم الطهارة ولو عمدا، ولم يلتزمبه أحد.
جواب الإمام الخميني«مدّ ظلّه» عن الإشكال
وقال سيدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» دفعا لإشكال المثبتيّة ما حاصله:أنّ الميزان في التخلّص عن الأصل المثبت أن يصير المستصحب مندرجا تحتكبرى شرعيّة، فإذا استصحبت الطهارة الخبثيّة أو الحدثيّة يصير الموضوعمندرجا تحت الكبرى المستفادة من قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور»(1)، فإنّالمستفاد منه أنّ الصلاة متحقّقة بالطهور بعد حفظ سائر الجهات.
وبعبارة اُخرى: لا إشكال في استصحاب الوضوء مثلاً، لأنّه وإن لم يكنحكما شرعيّا إلاّ أنّه ذو أثر شرعي، وهو قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لأنّمعناه أنّ الصلاة تتحقّق مع الطهور، فتحقّق الصلاة مع الطهور أثر شرعيمترتّب على استصحاب الوضوء(2).
ثمّ أورد على نفسه أنّ مثل قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» إنّما هو في مقام جعلشرطيّة الطهور للصلاة أو الإرشاد إليها، لا في مقام الإخبار عن أمر خارجي،
- (1) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1 و 6.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 189.
ج6
وهو تحقّق الصلاة إذا كانت مع الطهور(1).
وهذا الإيراد متين لا جواب عنه، وإن كان«مدّ ظلّه» أراد أن يجيب عنه.
وبالجملة: كلام سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» مع اضطرابه لا يدفع إشكال المثبتيّة فيالمقام.
التحقيق في جواب الإشكال
والحقّ في الجواب أن يقال: إنّ إشكال المثبتيّة ناشٍ عن الالتزام بلزوم كونالمستصحب أثراً شرعيّا أو ذا أثر شرعي، ولا وجه للالتزام به، لعدم ورودآية أو رواية على ذلك(2)، وإنّما التزموا به لأنّ الاستصحاب الذي جعلهالشارع حجّةً لابدّ من أن يكون مرتبطا بالشارع بما هو شارع، فما لا يكونحكما شرعيّا ولا ذا أثر شرعي ـ كالجدار ـ لا يجري الاستصحاب فيه، لعدمكونه مربوطا بالشارع، فتمام الملاك في صحّة الاستصحاب وعدمها هو كونهمربوطا بالشارع وعدمه، وكما يحصل الارتباط بكون المستصحب أثراً شرعيّأو ذا أثر شرعي قد يحصل بأمر ثالث أيضاً، واستصحاب الشرط إنّما يجريلتوسعة دائرة الشرطيّة، فهو مرتبط بالشارع.
توضيح ذلك: أنّ قوله عليهالسلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» يدلّ على كون الطهارةشرطا للصلاة، وظاهره أنّ الشرط منحصر في الطهارة الواقعيّة القطعيّة وليشمل الطهارة الاستصحابيّة، فإذا ضممنا إليه قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»كان شارحا له وموسّعا لدائرة الشرط ليشمل الطهارة الاستصحابيّة.
والحاصل: أنّ الاستصحاب تارةً يجري لكون المستصحب حكما شرعيّا،
- (2) ولذا صرّح بعدم لزوم كون المستصحب أثراً شرعيّا أو ذا أثر شرعي بعض من التزم به، كالمحقّقالخراساني رحمهالله ، فإنّ في كلامه تضادّا كما سيجيء الإشارة إليه في الصفحة 272. منه مدّ ظلّه.
(صفحه264)
واُخرى لكونه ذا أثر شرعي، وثالثةً لأمر آخر، كتوسعة دائرة الشرط فيالمقام، وبكلّ واحد منها يحصل ارتباطه بالشارع ويخرج عن كونه مثبتا.
ويمكن أن يقال: بعض الشروط ـ مثل الطهارة عن الحدث التي كانت موردالصحيحة الاُولى، وطهارة الثوب عن الخبث التي كانت مورد الصحيحةالثانية ـ حكم شرعي وضعي، فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه مع قطعالنظر عن الجواب الذي ذكرناه آنفا.
لا يقال: مورد الصحيحة الاُولى هو الوضوء، لا الطهارة، فلا يكون حكمشرعيّا وضعيّا.
فإنّه يقال: لا يتصوّر الشكّ في بقاء الوضوء، لأنّ الغسلتين والمسحتينانعدمت قطعا، فلا يتصوّر الشكّ فيها حتّى يجري استصحابها، فالمراد بالوضوءإنّما هو الطهارة الحاصلة منه التي تكون باقيةً إلى عروض أحد النواقض.
وبالجملة: يمكن دفع الإشكال عن مورد الصحيحتين بأنّ الطهارة عنالحدث والخبث حكم شرعي وضعي، فلا مانع من استصحابها.
لكنّ الجواب الصحيح الذي يقطع الإشكال من أصله هو ما قدّمناه(1) آنفا،لأنّ البحث في جميع الشروط، لا في الطهارة عن الحدث والخبث خاصّة، معأنّ بعضها ـ كالاستقبال ـ أمر خارجي تكويني، لا حكم شرعي.
كلام المحقّق الخوئي في حلّ الإشكال
وقال بعض الأعلام دفعا للإشكال: والذي ينبغي أن يقال في دفعه أنّ
- (1) لا يقال: كيف جعلتم استصحاب وجود الشرط الذي هو من الاُصول شارحا وحاكما على دليل الشرطيّةالذي هو من الأمارات؟!
فإنّه يقال: الحاكم هو دليل الاستصحاب، أعني قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» لا نفس الاستصحاب،فالحاكم أيضاً أمارة، كالمحكوم. منه مدّ ظلّه.
ج6
الإشكال المذكور إنّما نشأ ممّا هو المعروف بينهم من أنّه يعتبر في الاستصحابأن يكون المستصحب بنفسه مجعولاً شرعيّا أو موضوعا لمجعول شرعي،فيتوجّه حينئذٍ الإشكال في جريان الاستصحاب في الشرط، لعدم كونهمجعولاً بالجعل التشريعي، وليس له أثر جعلي.
والتحقيق في الجواب: أنّه لا ملزم لاعتبار ذلك، فإنّه لم يدلّ عليه دليل منآية أو رواية، وإنّما المعتبر في جريان الاستصحاب كون المستصحب قابلللتعبّد، ومن الظاهر أنّ الحكم بوجود الشرط قابل للتعبّد، ومعنى التعبّد به هوالاكتفاء بوجوده التعبّدي وحصول الامتثال، فإنّ لزوم إحراز الامتثال وإنكان من الأحكام العقليّة، إلاّ أنّه معلّق على عدم تصرّف الشارع بالحكمبحصوله، كما في قاعدتي الفراغ والتجاوز، فإنّه لو لا حكم الشارع بجوازالاكتفاء بما أتى به المكلّف فيما إذا كان الشكّ بعد الفراغ، أو بعد التجاوز، لحكمالعقل بوجوب الإعادة، لإحراز الامتثال من باب وجوب دفع الضرر المحتمل،لكنّه بعد تصرّف الشارع وحكمه بجواز الاكتفاء بما أتى به ارتفع موضوعحكم العقل، لكونه مبنيّا على دفع الضرر المحتمل، ولا يكون هناك احتمالضرر، فكذا الحال في المقام، فإنّ معنى جريان الاستصحاب في الشرط هوالاكتفاء بوجوده الاحتمالي في مقام الامتثال بالتعبّد الشرعي، فلا محذور فيهأصلاً، وتكون حال الاستصحاب حال قاعدة الفراغ والتجاوز في كون كلّمنهما تصرّفا من الشارع، غاية الأمر أنّ الاستصحاب لا يختصّ بمقامالامتثال، فيجري في ثبوت التكليف تارةً، وفي نفيه اُخرى، وفي مقامالامتثال ثالثةً، بخلاف قاعدة الفراغ والتجاوز، فإنّها مختصّة بمقام الامتثال(1)،إنتهى كلامه.
- (1) مصباح الاُصول 3: 174.
(صفحه266)
نقد نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المقام
وهذا الكلام وإن كان صدره الذي ذكره تمهيدا للجواب صحيحا، إلاّ أنّ مذهب إليه من أنّ معنى التعبّد بوجود الشرط هو الاكتفاء بوجوده التعبّدي فيمقام الامتثال ليس بصحيح، لأنّ التعبّد بوجود الشرط في خصوص مقامالامتثال من غير أن يكون له دخل بمقام الجعل لا يكون معقولاً، إذ معناه أنّقوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» لا يوسّع دائرة الطهور بحسب مقام الجعلبحيث يشمل الطهور الاستصحابي، بل يوسّع دائرته بحسب مقام الامتثالفقط، ومقتضاه أن يكون المراد بالطهور في قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور»خصوص الطهور الواقعي، مع حكمه في قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»بكفاية الطهور الاستصحابي في مقام الامتثال، والجمع بينهما غير معقول.
وكذا الكلام في قاعدتي الفراغ والتجاوز، لأنّا إذا شككنا بعد الفراغ منالصلاة في إتيان الركوع وعدمه لا يمكن للشارع أن يحكم بصحّة الصلاة فيمقام الامتثال من دون أن يتصرّف في مقام الجعل، إذ معناه أنّ صلاة من شكّفي إتيان الركوع بعد الفراغ مقبولة مع أنّ الركوع يكون جزءا وركنا مطلقحتّى مع الشكّ في إتيانه بعد الفراغ، والجمع بينهما محال، لأنّ جزئيّته المطلقةتقتضي بطلانها لو كانت في الواقع بلا ركوع، فكيف يحكم بمقبوليّتهوصحّتها؟!
فلابدّ من أن تكون قاعدة الفراغ شارحة لدليل الجزئيّة، بأنّ الركوع ليكون جزءاً للصلاة بالنسبة إلى من شكّ في إتيانه بعد الفراغ منها.
فالحقّ هو الجواب المختار المتقدّم ذكره.
القول في استصحاب بقاء المانع أو عدمه