يكون في سعة الدائرة وضيقها مع كون كلّ منهما كلّيّاً، فلا يمكن أن يكون شيءجزئيّاً ومع ذلك كان منتشراً.
لا يقال: الفرد المردّد أيضاً لا يكون مشخّصاً، فكيف قلت بأنّ الفرديّة فيهتستلزم جزئيّته وتشخّصه؟!
فإنّه يقال: الفرد المردّد وإن كان عندنا مردّداً إلاّ أنّه مشخّص واقعاً، بخلاف«صاع من الصبرة» فإنّه لا تشخّص فيه أصلاً.
أقسام استصحاب الكلّي
والمتيقّن السابق إذا كان كلّيّاً وشكّ في بقائه فله أقسام:
القسم الأوّل من استصحاب الكلّي
الأوّل: أن يتحقّق الكلّي في ضمن فرد من أفراده ثمّ شكّ فيه من جهة الشكّفي بقاء ذلك الفرد، فالظاهر في هذا القسم جريان الاستصحاب في كلّ واحدٍمن الفرد والكلّي، لأنّ كلاًّ منهما متيقّن الحدوث ومشكوك البقاء، إلاّ أنّه لحاجة لنا إلى جريان كليهما دائماً.
توضيح ذلك: أنّ الأثر الشرعي لو كان للفرد ـ كما إذا قال المولى: «أكرمزيداً الذي في الدار» ـ فلابدّ من استصحاب الفرد لأجل ترتيب وجوبالإكرام عليه، ولا يغني عنه استصحاب الكلّي ـ أعني وجود الإنسان في الدار وترتيب هذا الأثر على الفرد، لكونه من قبيل الأصل المثبت، لأنّ بقاء الكلّييستلزم عقلاً كونه في ضمن هذا الفرد، لانحصاره به فرضاً، فاستصحاب الكلّيلأجل إثبات الفرد وترتيب أثره عليه مثبت.
ولو كان الأثر للكلّي ـ كما إذا قال المولى: «أكرم الإنسان الذي في الدار» فلابدّ من استصحاب الكلّي، ولا يغني عنه استصحاب الفرد، لأنّ وجود الكلّيالطبيعي وإن كان عين وجود أفراده عند المنطقيّين والفلاسفة إلاّ أنّهما متغايران
ج6
عرفاً، والملاك في المقام نظر العرف، لأنّ المخاطب في الأخبار هو العرف، فالمتّبعفي فهم الأخبار الدالّة على الاستصحاب وتشخيص مصاديقها نظره لا نظرالمنطقيّين والفلاسفة، فاستصحاب الفرد لا يوجب ترتيب الأثر على الكلّي.
ولو كان كلّ منهما ذا أثر شرعي مختصّ به فلابدّ من استصحاب الكلّيوالفرد كليهما وترتيب آثار كلّ منهما عليه.
نعم، لو كانا مشتركين في أثر واحد فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيكلّ منهما وترتيب هذا الأثر عليه.
فما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله من جريان الاستصحاب في الكلّي والفردفي هذا القسم(1) لا يتمّ على إطلاقه.
هذا تمام الكلام في القسم الأوّل من استصحاب الكلّي.
القسم الثاني من استصحاب الكلّي
الثاني: ما إذا علمنا بوجود الكلّي في ضمن فرد مردّد بين متيقّنالارتفاع ومتيقّن البقاء، كما إذا علمنا بوجود إنسان في الدار مع الشكّ في كونهزيداً أو عمراً، مع العلم بأنّه لو كان زيداً لخرج قطعاً، ولو كان عمراً لبقي يقيناً،ومثاله في الشرعيّات ما إذا رأينا رطوبةً مشتبهةً بين البول والمنيّ فتوضّأنا،فنعلم أنّه لو كان الحدث الموجود هو الأصغر فقد ارتفع، ولو كان هو الأكبرفقد بقي.
ولا إشكال في عدم جريان استصحاب الفرد في هذا القسم، لعدم الشكّفيه، لأنّه لو كان بولاً فقد ارتفع قطعاً ولو كان منيّاً فقد بقي يقيناً، فلا يمكناستصحاب البول ولا المنيّ.