ج6
لم يكن متيقّنا، وكذلك الثاني، لأنّ عدم اتّصاف موت زيد بتقدّمهعلى موت عمرو أيضاً لم يكن متيقّنا إلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع،إذ عدم الاتّصاف بالتقدّم سابقا إنّما هو لأجل عدم تحقّق الموت، ولا يجريالاستصحاب في هذا النوع من السالبة، لعدم اتّحاد القضيّتين، فإنّ القضيّةالمتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع، والمشكوكة ـ التي نريد إثباتها بالاستصحاب سالبة بانتفاء المحمول، وإن كان لفظهما واحداً، حيث نقول: لم يكن موتزيد متقدّما على موت عمرو، والآن نشكّ في كونه متقدّما عليه، فلفظالقضيّتين واحد، إلاّ أنّ الاُولى سالبة بانتفاء الموضوع، والثانية بانتفاء المحمول،كما هو واضح.
هذا حاصل ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام مع توضيح منّا(1).
وهو متين، إلاّ أنّه ينافي ما ذهب إليه في مبحث العامّ والخاصّ، فإنّه قالهناك: إذا ورد الدليل بأنّ النساء يحضن إلى الخمسين إلاّ القرشيّة، فهي تحيضإلى الستّين، يجري استصحاب عدم القرشيّة لنفي حكم المخصّص(2)، مع أنّالقضيّة المتيقّنة ـ وهو عدم قرشيّة المرأة ـ سالبة بانتفاء الموضوع، فكيفتستصحب لإثبات السالبة بانتفاء المحمول؟!
وبالجملة: ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله فيما نحن فيه صحيح متين،لا ما ذهب إليه في مبحث العامّ والخاصّ، وناقشنا في كلامه هناك أيضاً،فراجع(3).
المسألة الثالثة من صور مجهولي التاريخ: ما إذا كان الأثر لعدم أحدهما فيزمان حدوث الآخر مع أخذه موضوعا بنحو مفاد ليس الناقصة(4)، الذي
- (3) راجع ص317 ـ 327 من الجزء الثالث.
- (4) ظاهر هم أنّ «ليس» قسم واحد، وهو ليس الناقصة فقط، لكن كونها مقابلةً لـ «كان» يوجب أن تكون هيأيضاً على قسمين، فإذا قلنا: «ليس زيد» تكون تامّة، كما أنّ «كان» في قولنا: «كان زيد» تامّة، وإذا قلنا: «ليسزيد صائما» تكون ناقصة، كما أنّ «كان» في قولنا: «كان زيد صائما» ناقصة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه278)
يعبّر عنه بالعدم النعتي(1)، في مقابل مفاد ليس التامّة الذي يعبّر عنه بالعدمالمحمولي.
ولا يجري الاستصحاب في هذه الصورة أيضاً؛ لانتفاء القضيّة المتيقّنةإلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع التي عرفت عدم جريان الاستصحابفيها.
المسألة الرابعة من صور مجهولي التاريخ: ما إذا كان الأثر لعدم الحادث فيزمان حدوث الآخر مع أخذه موضوعا بنحو مفاد ليس التامّة الذي يعبّر عنهبالعدم المحمولي.
وهذا على قسمين: لأنّه إمّا أن يكون عدم كلّ منهما في زمان حدوث الآخرموضوعا للأثر، أي يكون عدم هذا الحادث في زمان حدوث الآخر موضوعلأثر، وعدم ذاك الحادث كذلك موضوعا لأثر آخر، وإمّا أن يكون عدمأحدهما كذلك فقط موضوعا له.
نظريّة صاحب الكفاية والشيخ الأنصاري في المقام
قال المحقّق الخراساني والشيخ الأعظم الأنصاري بعدم جريانالاستصحاب في القسم الأوّل، إلاّ أنّهما اختلفا في وجهه، فقال الشيخ: وجههأنّ الاستصحاب وإن أمكن أن يجري في عدم كلّ منهما في زمان حدوثالآخر، إلاّ أنّهما يتساقطان لأجل التعارض(2).
- (1) كما إذا كان الأثر مترتّبا على كون موت زيد غير متقدّم على موت عمرو، وبتعبير آخر: كان الأثر مترتّبعلى عدم كون موت زيد متّصفا بالتقدّم على موت عمرو. م ح ـ ى.
- (2) فرائد الاُصول 3: 249.
ج6
وقال المحقّق الخراساني رحمهالله : وجهه عدم تماميّة أركان الاستصحاب(1).
ولا ثمرة بين القولين في هذا القسم، لكن تظهر الثمرة في القسم الثاني، أعنيما إذا كان الأثر مترتّبا على عدم أحدهما فقط في زمان حدوث الآخر، ولهأمثلة كثيرة:
منها: ما إذا علم حدوث الكرّيّة والملاقاة وشكّ في المتقدّم منهما،فعدم الكرّيّة في زمان حدوث الملاقاة موضوع للأثر وهو الانفعالوالتنجّس، وأمّا العكس ـ أعني عدم الملاقاة في زمان حدوث الكرّيّة ـ فلا أثرله أصلاً.
ومنها: ما إذا علم موت الوالد وإسلام الولد، وشكّ في المتقدّم منهما، فإنّعدم إسلام الولد في زمان موت الوالد موضوع للأثر، وهو المنع من الإرث،بخلاف العكس، إذ لا أثر لعدم موت الوالد في زمان إسلام الولد.
ففي هذا القسم يجري الاستصحاب بناءً على ما ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، لانتفاءالتعارض هاهنا، ولا يجري على مذهب المحقّق الخراساني قدسسره .
وينبغي ذكر مقدّمتين ليتّضح كلامه في الكفاية:
اعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين في الاستصحاب
الاُولى: أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب اتّصال زمان الشكّ بزماناليقين(2)، لعدم صدق الشكّ في البقاء لو كان منفصلاً عنه، فإذا قطعنا بالطهارة،ثمّ بالحدث، ثمّ شككنا فيهما لا يجري إلاّ استصحاب الحدث، لانفصال الشكّفيهما عن اليقين بالطهارة واتّصاله باليقين بالحدث.
- (2) المراد من الشكّ واليقين هاهنا المتيقّن والمشكوك، لجواز تحقّق الشكّ واليقين في باب الاستصحابفي آن واحد، بل قد يكون حصول الشكّ قبل حصول اليقين. منه مدّ ظلّه.
(صفحه280)
عدم جواز التمسّك بالدليل في شبهته المصداقيّة
الثانية: أنّهم وإن اختلفوا في جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّةللمخصّص، فقال صاحب العروة بالجواز، وكثير من المحقّقين بعدمه، إلاّ أنّهماتّفقوا على عدم جواز التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقيّة لنفسه، سواء كانعامّا أو غير عامّ، فلا يجوز التمسّك بقوله: «أكرم العلماء» فيما إذا شكّ في عالميّةزيد، ولا بقوله: «لا تشرب الخمر» فيما إذا شكّ في خمريّة مايع، فلا بدّ في جوازالتمسّك بقوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» من إحراز صدق نقض اليقين بالشكّ،وأمّا إذا شككنا في مورد أنّه هل هو من مصاديقه أم لا؟ وبعبارة اُخرى: إذشككنا في أنّ زمان الشكّ هل هو متّصل بزمان اليقين أم لا؟ فلا يجوز التمسّكبدليل الاستصحاب، لأنّه شبهة مصداقيّة له، وقد عرفت اتّفاقهم على عدمجواز التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقيّة لنفسه.
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في المسألة
إذا عرفت هاتين المقدّمتين فاعلم أنّ حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله فيالمقام أنّه لم يحرز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.
ولابدّ من توضيح كلامه في ضمن مثال:
إذا علمنا بعدم كرّيّة ماء الحوض مثلاً يوم السبت، ثمّ علمنا بصيرورته كرّوملاقاته للنجس، لكن شككنا في أنّ الكرّيّة حدثت يوم الأحد والملاقاة يومالاثنين أو بالعكس، فزمان اليقين بعدم كرّيّته هو يوم السبت وزمان الشكّ فيهـ الذي اُريد استصحابه إليه لترتيب الأثر ـ هو زمان الملاقاة المردّد بين الأحدوالاثنين، إذ الأثر يترتّب على عدم الكرّيّة في زمان الملاقاة، وحيث إنّه مردّد
ج6
بين هذين اليومين فإن كان في الواقع يوم الأحد فزمان الشكّ متّصل بزماناليقين، وأمّا إن كان يوم الاثنين فلا، لانفصاله عنه بيوم الأحد الذي هو زمانالكرّيّة لا محالة، فلم يحرز كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوث الكرّيّة بهذالشكّ من قبيل نقض اليقين بالشكّ.
نعم، إذا لوحظ إضافته إلى أجزاء الزمان فلا إشكال في استصحابه، لأنّنعلم بعدم الكرّيّة يوم السبت ونشكّ في بقائه يوم الأحد، فزمان الشكّ متّصلبزمان اليقين، إلاّ أنّه خلاف الفرض، لأنّ المفروض أنّ موضوع الأثر هو عدمالكرّيّة في زمان الملاقاة، لا عدمها يوم الأحد(1).
هذا حاصل كلامه رحمهالله لإثبات اختلال أركان الاستصحاب في المقام.
نقد نظريّة صاحب الكفاية رحمهالله في المسألة
وفيه: أنّ ما نحن فيه لا يكون من قبيل الشبهة المصداقيّة؛ لأنّها لا تتصوّرإلاّ فيما إذا كان عنوان الدليل منطبقا على أحد طرفي الاحتمال، فإنّ الشكّ فيعالميّة زيد ينحلّ إلى احتمال عالميّته واحتمال عدمها، وعلى الأوّل ينطبق عليهقوله: «أكرم العالم» بخلاف ما نحن فيه، إذ بناءً على احتمال حدوث الملاقاة فييوم الاثنين في المثال الملازم لحدوث الكرّيّة يوم الأحد يكون رفع اليد عناليقين من قبيل نقض اليقين باليقين لا بالشكّ، وبناءً على احتمال حدوثها فييوم الأحد الملازم لحدوث الكرّيّة يوم الاثنين يكون رفع اليد عنه من قبيلنقضه في زمان بقائه لا في زمان الشكّ في البقاء حتّى يصدق عليه نقض اليقينبالشكّ، فلا مجال لتصوير الشبهة المصداقيّة في المقام.
وبهذا ظهر أساس الإشكال في كلامه، وهو أنّه يتحصّل من هذين اليقينين