ج6
والظاهر جريان الاستصحاب في هذا القسم أيضاً، لأنّا نقطع في المثالبدخول الروحاني في الدار ونشكّ في بقائه، فيعمّه قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقينبالشكّ».
واُورد عليه بأنّ الموضوع ـ أعني نقض اليقين بالشكّ ـ لابدّ من أن يكونمحرزا كي يجري الاستصحاب، ولا يجوز التمسّك بقوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقينبالشكّ» في موارد الشكّ في الموضوع، لأنّه تمسّك بالعامّ في الشبهه المصداقيّة له،وهو لا يجوز بلا إشكال ولا خلاف، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّه بعدخروج زيد عن الدار لو لم نحكم بوجود الروحاني فيها يحتمل أن يكون رفعاليد عن اليقين بوجود الروحاني فيها نقض اليقين بالشكّ، ويحتمل أن يكوننقض اليقين باليقين، لأنّه لو كان عنوان «الروحاني» متحقّقا في ضمنعمرولكان رفع اليد عن اليقين به نقض اليقين بالشكّ، وأمّا لو كان متحقّقا فيضمن زيد لكان نقض اليقين باليقين، للعلم بخروجه من الدار، فلا يكونموضوع أخبار الاستصحاب محرزًا في المقام، فلا يجوز التمسّك بها، كما أنّه إذقال المولى: «أكرم كلّ عالم» لا يجوز التمسّك به لوجوب إكرام زيد المشكوكعالميّته، لأنّه تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة له.
ويمكن الجواب عنه بأنّ العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام علىقسمين:
قسم له واقع خارجي لا يرتبط بالذهن، سواء علمنا به أم بضدّه أم لمنعلم، كالعالميّة، وقسم ليس له واقع وراء الذهن، كاليقين والظنّ والشكّ،والشكّ في المصداق يعقل في الأوّل دون الثاني، إذ يمكن أن نشكّ في عالميّة زيدولا يمكن أن نشكّ في كوننا متيقّنين بالشيء الفلاني، فلا يمكن تصوّر الشبهةالمصداقيّة للعامّ فيما نحن فيه، لأنّ الشكّ في أنّ رفع اليد عن اليقين بوجود
(صفحه176)
الروحاني في الدار هل هو نقض اليقين بالشكّ أو باليقين يستلزم الشكّ في أنّالصفة الحاصلة لنا بالنسبة إليه هل هي اليقين بخروجه أو الشكّ، وهو غيرمعقول.
هذا مطلب كلّي نافع في جميع الموارد.
وأمّا في المقام فليس لنا بالنسبة إلى الكلّي ـ وهو الروحاني ـ إلاّ الشكّ فيالبقاء والخروج، وما هو متيقّن الخروج إنّما هو زيد بجميع تشخّصاته، ولابدّفي استصحاب الكلّي من ملاحظته مع قطع النظر عن ملاحظة الفرد الذياحتمل انطباقه عليه.
فالحاصل: أنّ الاستصحاب جارٍ في القسم الرابع من الكلّي أيضاً.
هذا تمام الكلام في هذا التنبيه.
وقد تعرّض الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله (1) وسيّدنا الاُستاذ الأعظمالإمام«مدّ ظلّه»(2) هاهنا البحث عن جريان استصحاب عدم التذكية، لكنّا حيثقدّمنا البحث عنه في تنبيهات البرائة(3) فلا نكرّره.
- (1) فرائد الاُصول 3: 197.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 136 ـ 150.
- (3) تقدّم البحث حول «أصالة عدم قابليّة التذكية» في ص498 ـ 507 من الجزء الرابع. م ح ـ ى.
ج6
في استصحاب المتصرّمات
استصحاب المتصرّمات
التنبيه الرابع: أنّهم اختلفوا في جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيّاتالمتصرّمة، كالحركة والتكلّم.
واستدلّ من أنكر جريانه بأنّ الشكّ في البقاء المعتبر في الاستصحاب ليتصوّر فيها، لكونها من الاُمور غير القارّة التي توجد وتنعدم شيئا فشيئا.
نظريّة المحقّق الحائري والشيخ الأنصاري في المسألة
وأجاب عنه المحقّق الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي رحمهالله حسبما نقل عنهسيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» بأنّ الشكّ في البقاء لا يعتبر في الاستصحاب، فإنّ الميزانفيه هو مفاد الأخبار، والمعتبر فيها هو صدق نقض اليقين بالشكّ، وهو صادقفي التدريجيّات وغيرها، ضرورة أنّها ـ ما لم تنقطع ـ وجود واحد حقيقي، وإنكان متصرّما، فلو شكّ في تحقّق الحركة أو الزمان بعد العلم بتحقّقه فقد شكّفي تحقّق عين ما كان متحقّقا سابقا(1).
ويظهر ذلك من الشيخ الأنصاري رحمهالله أيضاً، حيث تفصّى عن الإشكالبأحد الوجهين:
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 150.
(صفحه178)
أحدهما: أنّ الشكّ في البقاء لا يعتبر في جريان الاستصحاب.
إن قلت: فلم عرّفته بإبقاء ما كان؟
قلت: هذا التعريف مختصّ بالاُمور القارّة ولا يشمل جميع مواردالاستصحاب، فلا إشكال في عدم صدقه في الزمان والزمانيّات المتصرّمة.
ثانيهما: أنّ الشكّ في البقاء وإن لم يتصوّر حقيقةً عند العرف في الزمانونحوه من الاُمور غير القارّة، إلاّ أنّه يتصوّر عند هم مسامحةً، وهذا كافٍ فيجريان الاستصحاب، فإنّ الشكّ في البقاء المعتبر فيه أعمّ من الحقيقيوالمسامحي.
هذا حاصل ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري رحمهالله (1).
بيان الحقّ في المسألة
والتحقيق يقتضي البحث في مقامين: أ ـ أنّه هل يعتبر الشكّ في البقاء أم لا؟ب ـ أنّه على فرض الاعتبار هل يجري الاستصحاب في الزمان وسائرالمتصرّمات أم لا؟
البحث حول توقّف الاستصحاب على الشكّ في البقاء
أمّا المقام الأوّل: فالحقّ فيه أنّ الشكّ في البقاء معتبر في الاستصحابومستفاد من الأدلّة، وذلك لأنّ أخبار الباب وإن لم تصرّح عليه، إلاّ أنّمقتضى الكبرى المجعولة وهي قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» أنّاليقين الفعلي لا ينقض بالشكّ الفعلي، ولازمه أن يكون هنا شكّ فعلي متعلّق
- (1) هذا بناءً على ما نقله عنه الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في الرسائل، مبحث الاستصحاب: 151، لكنّ الشيخ رحمهالله ردّه بقوله: «إلاّ أنّ هذا المعنى على تقدير صحّته والإغماض عمّا فيه». راجع فرائدالاُصول 3: 204. م ح ـ ى.
ج6
بعين ما تعلّق به اليقين الفعلى، ولا يتصوّر ذلك إلاّ بأن يكون الشكّ في بقاء معلم وجوده سابقا، إذ تعلّق اليقين والشكّ الفعليّين بالشيء الواحد حتّى منحيث الزمان محال كما هو واضح.
فقوله عليهالسلام : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لكأن تنقض اليقين بالشكّ أبدا» يدلّ على الشكّ في بقاء الطهارة، فكيف يقال: ليستفاد ذلك من الأخبار؟!
جريان الاستصحاب في الزمان ومثله
وأمّا المقام الثاني: فالحقّ أنّ الاستصحاب يجري في الزمان ومثلهـ كالحركة ـ إذ البقاء يتصوّر فيهما عرفا وعقلاً.
أمّا عرفا: فلأنّا لا نريد باستصحاب الزمان استصحاب نفس عنوان«الزمان» أو الجزء الذي انقضى منه، فإنّ الأوّل متيقّن البقاء والثاني متيقّنالارتفاع، على أنّه ليس لهما أثر شرعي، بل المراد من الزمان في المقام ما جعلاسما لمجموعة من أجزاء الزمان، كعنوان «اليوم» و«الليل» و«الاُسبوع»و«الشهر» و«السنة»، ولا ريب في أنّ العرف يرون أنّ «اليوم» مثلاً إذا وجديكون باقيا إلى الليل، و«الليل» يكون باقيا إلى اليوم، فلا إشكال في صدقالبقاء عرفا على استمرار النهار والليل، وكذا الحركات، فإذا تحرّك شيء تكونحركته موجودةً باقيةً عرفا إلى انقطاعها بالسكون.
وأمّا عقلاً: فلأنّ الحركة القطعيّة ـ التي هي عبارة عن كون الشيء بين المبدوالمنتهى، بحيث له نسبة إلى حدود المسافة المفروضة التي كلّ واحد منها فعليّةللقوّة السابقة وقوّة للفعليّة اللاحقة، من حدّ يتركه ومن حدّ يستقبله ـ وجودمستمرّ متدرّج وإن كان نحو وجودها متصرّما متقضّيا، فما دام المتحرّك