(صفحه112)
للخصوصيّات في الحكم، فقوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» وإن كان شاملاً للشيءالمشكوك، إلاّ أنّه بعنوان أنّه «شيء» لا بعنوان أنّه «مشكوك» إذ كونهمشكوكاً من الخصوصيّات الصنفيّة، وقد ذكرنا عدم دخلها في الحكم المستندإلى العامّ، فلا يكون هناك حكم ظاهري، لأنّ موضوعه هو الشيء بما هومشكوك فيه، فلا يكون في المقام إلاّ الحكم الواقعي الوارد على جميع الأشياءالمعلومة أو المشكوك فيها.
بل يمكن أن يُقال: إنّ الحكم المذكور في قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» ليكون شاملاً للشيء المشكوك فيه أصلاً، لأنّ عموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء» قدخصّص بمخصّصات كثيرة دالّة على نجاسة بعض الأشياء، كالكلب والكافروالبول وسائر النجاسات، والمايع المردّد بين الماء والبول مثلاً لا يمكن التمسّكلإثبات طهارته بعموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» لكونه من قبيل التمسّكبالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص، فالشيء المشكوك فيه لا يكون داخلفي عموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» لا من حيث الحكم الظاهري، لأنّالموضوع هو الشيء، لا المشكوك فيه، ولا من حيث الحكم الواقعي، لكونهمشكوكاً بالشبهة المصداقيّة(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله في الوجه الثالث.
نقد كلامه هذ
وهو وإن كان بياناً جيّداً بحسب الظاهر، إلاّ أنّه يرد على صدره أنّ المحقّقالخراساني رحمهالله لم يتمسّك بعموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء» للحكم الظاهري، بل
- (1) أجود التقريرات 4: 59. أقول: ما وجدت ذيل كلامه في «أجود التقريرات» ولا في «فوائد الاُصول» فلعلّشيخنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» استحصله من طريق آخر غيرهما. م ح ـ ى.
ج6
بإطلاق «شيء» الشامل لجميع حالاته ومن جملتها كونه مشكوكاً فيه،فقوله رحمهالله : «إذا استند الحكم إلى العامّ الشامل للخصوصيّات الصنفيّةوالخصوصيّات الفرديّة، فلا محالة يكون الحكم مستنداً إلى الجامع بينالخصوصيّات» وإن كان صحيحاً متيناً، إلاّ أنّه لا يكون دليلاً على عدم تماميّةكلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
ويرد على ذيله أيضاً أنّه لا مانع من التمسّك بالعامّ المخصّص في الشبهاتالحكميّة، وإن لم يجز في الشبهات الموضوعيّة؛ لأجل كونه تمسّكاً بالعامّ فيالشبهة المصداقيّة، فعلى هذا وإن لم يجز التمسّك بقوله عليهالسلام : «كلّ شيءٍ نظيف»لإثبات طهارة المائع المردّد بين الماء والبول، إلاّ أنّه لا إشكال في التمسّك به فيمإذا شككنا في أنّ المذي مثلاً طاهر أم لا، لأنّه من قبيل الشكّ في تخصيصالأكثر، ولا مانع من التمسّك بالعامّ فيه.
ثمّ إنّ هذه الإشكالات التي أوردها سيّدنا الاُستاذ والمحقّق النائيني أكثرهكان ناظراً إلى ما في الحاشية.
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية
وأمّا ما في الكفاية ـ وهو أن يكون المراد الطهارة الواقعيّة والاستصحاب فيرد عليه أنّ قوله عليهالسلام : «حتّى تعلم» إمّا أن يكون قيداً للموضوع أوللمحمول، فعلى الأوّل كان قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»بمعنى «كلّ شيء حتّى تعلم نجاسته طاهر» وعلى الثاني كان بمعنى أنّ «الأشياءطاهرة ما لم تعلم نجاستها» أي ما دامت مشكوكاً فيها، وعلى أيّ تقدير يكونمفاده قاعدة الطهارة فقط.
نعم، لو كان في الكلام تقدير، وكان قوله عليهالسلام : «حتّى تعلم» متعلّقاً بمحذوف
(صفحه114)
وكان التقدير هكذا: «كلّ شيء طاهر، وطهارته مستمرّة حتّى تعلم أنّه نجس»لكان الكلام دالاًّ على الطهارة الواقعيّة والاستصحاب، ولكنّ التقدير بجعلالجملة الواحدة جملتين خلاف الأصل ولا موجب للالتزام به.
فالحاصل: أنّ روايات الحلّ والطهارة دالّة على خصوص قاعدة الطهارةوالحلّيّة ولا ربط لها بالحكم الواقعي ولا بالاستصحاب أصلاً.
لكن لا حاجة لنا في المقام إليها، فإنّ ما تقدّم من سائر روايات الباب يكفيلإثبات حجّيّة الاستصحاب.
وقد عرفت عدم تماميّة التفصيلين اللذين ذكرهما الشيخ الأعظم رحمهالله ، فإنّ متقدّم من الأخبار تدلّ على اعتبار الاستصحاب مطلقاً، سواء كان مورده ممّثبت بدليل العقل أو بغيره من الأدلّة الثلاثة الاُخر، وسواء كان من قبيل الشكّفي المقتضي أو من قبيل الشكّ في الرافع.
ج6
(صفحه116)
في اختصاص اعتبار الاستصحاب يختصّ بالأحكام التكليفيّة
هل اعتبار الاستصحاب يختصّ بالأحكام التكليفيّة؟
ثمّ اعلم أنّ الفاضل التوني رحمهالله ذهب إلى تفصيلٍ آخر، وهو حجّيّته فيالأحكام التكليفيّة دون الوضعيّة.
الكلام حول الوضعيّات
ولا بأس بصرف الكلام بهذه المناسبة إلى الأحكام الوضعيّة، فنقول:
اعلم أنّ الأحكام التكليفيّة هي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهةوالإباحة بالمعنى الأخصّ، وتسمية هذه الخمسة تكليفاً إنّما هي من بابالتغليب، ضرورة أنّه ليس في الإباحة كلفة ومشقّة.
والوجوب: هو البعث إلى الشيء لا علم الشارع بكونه ذا مصلحة ملزمة،ألا ترى أنّ المولى ما لم يأمر بإكرام العلماء مثلاً لا يكون إكرامهم واجباً علىالعبد وإن كان عالماً بأنّ في إكرامهم مصلحة ملزمة، والحرمة أيضاً عبارة عنزجر الشارع عن الشيء لا العلم بكونه ذا مفسدة ملزمة، وهكذا سائرالأحكام التكليفيّة.
والأحكام الوضعيّة ما اعتبره الشارع وقرّره سوى هذه الأحكام الخمسةالتكليفيّة.
وقيل: إنّها ثلاثة: السببيّة والشرطيّة والمانعيّة، وقيل: خمسة، بضميمة العلّيّة