فقال بعض الأعلام: أمّا الشهرة فالظاهر عدم كونها من المرجّحات، فإنّالمذكور في المقبولة هو الأخذ بـ «المجمع عليه» والمراد به الخبر الذي أجمعالأصحاب على نقله، فالمراد به الخبر المعلوم صدوره من المعصوم عليهالسلام بقرينةقوله عليهالسلام ـ بعد الأمر بالأخذ بالمجمع عليه ـ : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»وقوله عليهالسلام ـ بعد ذلك ـ : «إنّما الاُمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع، وأمر بيّن غيّهفيجتنب، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى اللّه... إلخ» فإنّ الإمام عليهالسلام طبّق الأمر
البيّن رشده على الخبر المجمع عليه.
إن قلت: لو كان المراد بـ «المجمع عليه» الخبر الذي أجمع الأصحاب علىنقله وليس المراد به الشهرة فلم جعل الإمام عليهالسلام في مقابله الخبر الشاذّ ووصفهبأنّه ليس بمشهور عند الأصحاب؟
قلت: المراد بالشهرة التي فرض كون الخبر الشاذّ فاقدا لها معناها اللغوي،أي الوضوح، لا معناه الاصطلاحي، فالخبر الذي أجمع الأصحاب على نقلههو الواضح، وغيره هو الشاذّ الذي ليس بواضح.
ولا ينافي ما ذكرنا فرض الراوي الشهرة في كلتا الروايتين بعد أمره عليهالسلام بالأخذ بالمجمع عليه، فإنّ الشهرة كما قلنا بمعنى الوضوح، ومنه قولهم: «شهرفلان سيفه» و«سيف شاهر» فمعنى كون الروايتين مشهورتين أنّهما بحيث قدرواهما جميع الأصحاب وعلم صدورهما عن المعصوم عليهالسلام .
ولا منافاة بين القطع بصدور الخبرين وبين تعارضهما، لإمكان صدورأحدهما للتقيّة وأمثالها(1).
هذا حاصل كلام بعض الأعلام«مدّ ظلّه» في المقام مع توضيح منّا.
نقد ما أفاده المحقّق الخوئي في المسألة
ويرد عليه أنّ آخر كلامه يبطل سائر فقراته، لأنّه فرض في آخر كلامهكون الروايتين المتعارضتين مجمعا عليهما ومعلوما صدورهما عن المعصوم عليهالسلام إلاّ أنّ صدور أحدهما لغير بيان حكم اللّه، فلا ينفى احتمال الريب عن الخبرالمجمع عليه المقطوع الصدور ولا يكون بيّن الرشد، فلا يصحّ الاستدلاللإثبات كون «المجمع عليه» بمعنى الخبر الذي أجمع الأصحاب على صدوره
- (1) مصباح الاُصول 3: 412.
ج6
بقوله عليهالسلام : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» أو بقوله عليهالسلام : «إنّما الاُمور ثلاثة: أمربيّن رشده فيتّبع إلخ».
إن قلت: قوله عليهالسلام : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» معناه «لا ريب فيصدوره» لا في وجوب العمل على طبقه.
قلت: كلاّ، فإنّه عليهالسلام أمر بوجوب الأخذ بالمجمع عليه وعلّله بأنّه لا ريبفيه، فيكون معناه «لا ريب في وجوب الأخذ به والعمل على طبقه».
وبالجملة: لا يمكن أن يكون كلّ من الخبرين المتعارضين أمرا بيّنا رشدهومن مصاديق قوله عليهالسلام : «لا ريب فيه».
بيان ما هو الحقّ في معنى «المجمع عليه»
فـ «المجمع عليه» يكون بمعنى الشهرة في الفتوى كما قال به سيّدنا الاُستاذالأعظم الإمام«مدّ ظلّه العالي»(1).
لا يقال: كيف يمكن أن يتحقّق في كلّ من الخبرين المتعارضين الشهرةالفتوائيّة؟
فإنّه يقال: إنّ الشهرة ـ كما تقدّم في كلام بعض الأعلام ـ بمعنى الوضوح، لبمعنى ذهاب الأكثر إليه، ولا إشكال في إمكان أن يكون في مسألة قولانمختلفان مشهوران بهذا المعنى، كما إذا ذهب نصف العلماء إلى نجاسة ماء البئربوقوع الميتة مثلاً فيه ونصفهم إلى عدم نجاسته به.
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» حول «المجمع عليه»
فالحقّ ما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ من أنّ «المجمع عليه» يكون بمعنى
- (1) راجع الرسائل، مبحث التعادل والترجيح: 70.