(صفحه320)
اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ العقلاء في إجراء الاُصول لا ينظرون إلى أمثال هذهالتقدّمات والتأخّرات الرتبيّة، مضافا إلى إمكان أن يقال: إنّ لزوم كونالمتعارضين في الرتبة الواحدة في التعارض بالعرض(1) في حيّز المنع، فإنّ العلمالإجمالي بوقوع خلاف ظاهر إمّا في العامّ الفوقاني أو في العامّ التحتاني موجبلسقوط الأصلين العقلائيّين لدى العقلاء(2)، انتهي كلامه في الوجه الأوّلوجوابه.
هل المسألة من مصاديق الدوران بين الأقلّ والأكثر أم لا؟
الثاني: قوله: ويمكن أن يُقال: إنّه بعد ورود قوله: «أكرم العلماء في كل يوم»الذي هو الحجّة على مفاده إذا ورد دليل على عدم وجوب إكرام زيد وكانالمتيقّن منه هو عدمه يوم الجمعة مثلاً فرفع اليد عن العموم أو الإطلاق فيغير يوم الجمعة رفع اليد عن الحجّة من غير حجّة لدى العقلاء، فالمورد منقبيل دوران التخصيص أو التقييد بين الأقلّ والأكثر، فلابدّ من الاكتفاءبالأقلّ في رفع اليد عن الحجّة الفعليّة، والعلم الإجمالي المدّعى كالعلم الإجماليبين الأقل والأكثر المنحلّ عند العقلاء، وبالرجوع إلى الوجدان وبناء العقلاءيظهر صدق ما ادّعيناه.
لكنّه أيضاً محلّ إشكال بل منع، لأنّ مورد الأقلّ والأكثر إنّما هو فيما علمورود التخصيص على أحد العامّين وشكّ في الأقلّ والأكثر في أفراده، وأمّا معالعلم بورود التخصيص آنا(3) في الفوقاني أو التحتاني فلا، لأنّ أفراد كلّ منهم
- (1) كما في المقام، فإنّه لا مانع ذاتا من بقاء العموم الأفرادي والأزماني كليهما على ظاهرهما لو لا العلمالإجمالي. م ح ـ ى.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 213.
- (3) «إمّا» صحّ ظاهراً. م ح ـ ى.
ج6
تباين أفراد الآخر، فلا معنى للأقلّ والأكثر(1).
إنتهى كلامه في الوجه الثاني وجوابه أيضاً.
بيان مجرى الاُصول اللفظيّة
الثالث: قوله: والتحقيق عدم جريان إلخ.
وحاصله: أنّ أصالة العموم الأفرادي تجري، بخلاف أصالة العموم أوالإطلاق الزمانيّين، وذلك لأنّ الاُصول اللفظيّة إنّما تجري فيما إذا شك في المراد،لا في كيفيّة الاستعمال، فإذا قال: «أكرم العلماء» وشكّ في وجوب إكرام زيدالعالم قطعا يتمسّك بأصالة العموم، وأمّا إذا علم أنّه لا يجب إكرام زيد إمّلكونه غير عالم، فخروجه عن العلماء بنحو التخصّص، وإمّا لكونه فاسقا معالعلم بكونه عالما، فخروجه بنحو التخصيص، فلا مجال للتمسّك بأصالةالعموم لإثبات كونه غير عالم، فالاُصول اللفظيّة التي هي اُصول عقلائيّة لتجري عندهم إلاّ فيما إذا ترتّب عليها أثر عملي.
إذا عرفت ذلك فنقول في المقام: لا يترتّب على أصالة العموم أو الإطلاقالزمانيّين أثر عملي، لأنّ جريانهما لإدخال يوم الجمعة الذي علم خروجه غيرمعقول، ولو اُجريا لإثبات لازمهما وهو ورود التخصيص على العمومالأفرادي(2) فهو باطل، لأنّ إثبات هذا اللازم ليس أثرا عمليّا لهما، بخلافأصالة العموم الأفرادي، فإنّ أثرها هو وجوب إكرام زيد يوم السبت وم
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 213.
- (2) توضيحه: أنّ يوم الجمعة مثلاً الذي علم خروجه إن كان خروجه تخصيصا للعموم الأفرادي، وهو علىتقدير كون زيد غير واجب الإكرام في يوم السبت وما بعده أيضاً، فالعموم الأزماني أو الإطلاق يكونباقيا على ظاهره، وإن كان خروج زيد في يوم الجمعة بنحو كان واجب الإكرام في يوم السبت وما بعدهكان تخصيصا للعموم الأزماني أو تقييدا للإطلاق، فجريان الأصل فيهما يستلزم ورود التخصيص علىالعموم الأفرادي. م ح ـ ى.
(صفحه322)
بعده، وهو أثر عملي(1).
هذا حاصل كلامه«مدّ ظلّه» في جواب الإشكال، وإن لم يكن بهذا الوضوح.
وتحصّل من جميع ما ذكره أنّ الحقّ في جميع الموارد هو الرجوع إلى دليلالعامّ، لكنّ المرجع فيما إذا خرج فرد في الأثناء مع العلم بدخوله قبل زمانالخروج هو العموم أو الإطلاق الزمانيّان، وفيما إذا خرج في أوّل الزمان هوالعموم الأفرادي.
وهو كلام صحيح متين.
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 214.
ج6
في المراد بالشكّ في أدلّة الاستصحاب
المراد بالشكّ في أدلّة الاستصحاب
التنبيه الثاني عشر: أنّ الشكّ المقابل لليقين في أدلّة الاستصحاب ليس بمعنىالاحتمال المساوي بالنسبة إلى البقاء واللابقاء، بل هو خلاف اليقين، فيعمّ الظنّبالبقاء وبعدمه أيضاً.
وذلك أوّلاً: لأنّه معناه بحسب اللغة والعرف العامّ.
إن قلت: فكيف اُريد منه في قوله عليهالسلام : «متى ما شككت فخذ بالأكثر»(1)وسائر أخبار الشكوك في عدد ركعات الصلاة، الاحتمال المساوي فقط؟
قلت: هذا لأجل القرينة التي تدلّ على اعتبار الظنّ في عدد الركعات، فليضرّ بالمدّعى، وهو كونه لو خلّي وطبعه بمعنى غير اليقين لغةً وعرفا.
وثانيا: لأنّ ذلك مقتضى مقابلته باليقين في قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقينبالشكّ» حيث إنّ النهي عن نقض اليقين بالشكّ إنّما هو باعتبار كون اليقينمبرما ومستحكما وكون الشكّ غير مبرم، ولا يختصّ هذا بالشكّ المساويبالنسبة إلى البقاء واللابقاء، بل الظنّ بالبقاء وبعدمه أيضاً أمر غير مبرم، فليجوز نقض اليقين به أيضاً بمقتضى قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ».
وثالثا: لأنّ ذلك مقتضى قوله: «ولكن تنقضه بيقين آخر» حيث إنّ ظاهره
- (1) وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 1.
(صفحه324)
أنّه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وأنّه ليس إلاّ اليقين.
ورابعا: لأنّ مقتضى قوله: «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام» عقيب سؤالزرارة: «فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم» فإنّ من حاله كذلك فهو يظنّبتحقّق النوم، فقوله عليهالسلام : «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام» ورد في مورد الظنّبارتفاع الحالة السابقة، سلّمنا إمكان كونه على حال حرّك في جنبه شيء وهولا يعلم مع عدم تحقّق الظنّ بالنوم، بل قد يظنّ به من هذا الحال وقد لا يظنّ،إلاّ أنّ ترك الإمام عليهالسلام الاستفصال يفيد الإطلاق، فقوله: «لا، حتّى يستيقن أنّهقد نام» يدلّ على جريان استصحاب الوضوء مطلقا، سواء حصل له الظنّبالنوم من عدم علمه بتحرّك شيء في جنبه أم لا.
فالحاصل: أنّ المراد بالشكّ في أدلّة الاستصحاب هو خلاف اليقين.
وقد عرفت سابقا(1) أنّ المراد باليقين فيها هو الحجّة، لا خصوص القطع،لقلّة تحقّق القطع بالأحكام وموضوعاتها جدّا لو لم نقل بعدم تحقّقه،فاختصاص اليقين فيها بالقطع يستلزم كونها قليل المورد، بل بلا مورد.
على أنّ مورد الصحيحة الاُولى هو الوضوء، ومورد الصحيحة الثانيةطهارة الثوب، وهما ممّا لا طريق إلى القطع به، فإنّ تحقّق الوضوء صحيحا معجميع شرائطه من دون إعمال قاعدة أو أصل أو بيّنة ممّا لا طريق إليه، وهكذالثوب، لأنّ احتمال تحقّق ذرّات النجس في الماء الذي غسل به وإن كان بحرممّا لا دافع له، فأين اليقين بالوضوء وبطهارة الثوب؟
فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ مفاد قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» لتنقض الحجّة باللاحجّة.
هذا بناءً على ما اخترناه من أنّ «اليقين» في أخبار الباب يكون بمعناه، وأمّ