ج6
نظريّة المحدّث الكاشاني رحمهالله فيه
منها: أنّ قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» يعني به لا يبطل الركعاتالمحرزة بسبب الشكّ في الزائدة بأن يستأنف الصلاة، بل يعتدّ بالمتيقّنة، و«ليُدخل الشكّ في اليقين» أي لا يعتدّ بالمشكوك فيها بأن يضمّها إلى المحرزةويتمّ بها الصلاة من غير تدارك، «ولا يخلط أحدهما بالآخر» عطف تفسيرللنهي عن الإدخال، «ولكنّه ينقض الشكّ باليقين» أي الشكّ في الركعة الزائدة،بأن لا يعتدّ بها، بل يأتي بالزيادة على الإيقان، «ويتمّ على اليقين» أي يبنيعلى المتيقّن فيها(1).
هذا ما أفاده المحدّث الفيض الكاشاني رحمهالله حول الحديث.
وعليه لم يتعرّض قوله عليهالسلام : «ولا يُدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهمبالآخر» لذكر فصل الركعة ووصلها في الفرعين، ولم يتعرّض أيضاً قوله: «لينقض اليقين بالشكّ» للاستصحاب كما هو واضح، فعلى هذا الاحتمال لا تكونالرواية دالّة على الاستصحاب.
ومنها: أنّ قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» يكون بالمعنى الذيذكره المحدّث الكاشاني رحمهالله ، ولكن قوله: «لا يدخل الشكّ في اليقين» وقوله:«لا يخلط أحدهما بالآخر» يعني بهما فصل الركعتين أو الركعة المضافةللاحتياط، بأن يُراد بهما عدم إدخال المشكوك فيها في المتيقّنة وعدم خلطأحدهما بالآخر، فيكون المراد بالشكّ واليقين: المشكوك فيها والمتيقّنة، أيأضاف الركعتين إلى الركعتين المحرزتين والركعة إلى الثلاث المحرزة، لكنلا يُدخل المشكوك فيها في المتيقّنة ولا يخلط إحداهما بالاُخرى، بأن يأتي
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 104، نقلاً عن المحدّث الفيض الكاشاني رحمهالله .
(صفحه80)
بالركعة والركعتين منفصلة لا متّصلة، لئلاّ يتحقّق الاختلاط وإدخال المشكوكفيها في المتيقّنة.
ولا يخفى أنّ هذا الاحتمال أظهر من الاحتمال الأوّل، حيث إنّ الظاهر منالنهي عن الإدخال والخلط أنّهما تحت اختيار المصلّي، فيمكن له الإدخالوالخلط وتركهما، والركعة المشكوك فيها إمّا هي داخلة بحسب الواقع فيالمتيقّنة أو لا، وليس إدخالها فيها وخلطها بها باختياره(1)، بخلاف الركعة التييريد إضافتها إليها، فإنّ له الإدخال والخلط، بإتيانها متّصلة، وعدمها، بإتيانهمنفصلة.
لا يقال: إنّ هذا الاحتمال مخالف لظهور الصدر في أنّ الركعة أو الركعتينلابدّ أن يؤتى بها متّصلة.
فإنّه يقال: ظهور الذيل في الانفصال محكّم على ظهور الصدر في الاتّصال،فإنّهما من قبيل القرينة وذي القرينة، ولا شكّ في تقدّم ظهور القرينة علىظهور ذيها، بل لا ينعقد للكلام ظهور أصلاً ما لم يتمّ الكلام، فكأنّه قال: «قامفأضاف إليها اُخرى من غير اختلاط الركعة المضافة المشكوك في كونهالرابعة أو الخامسة بالركعات المتيقّنة».
وعلى هذا الاحتمال أيضاً لا تكون الرواية دليلاً على الاستصحاب.
ما أفاده الشيخ الأنصاري رحمهالله في معنى الحديث
ومنها: ما احتمله الشيخ الأعظم قدسسره ، وهو أنّ قوله عليهالسلام : «قام فأضاف
- (1) ولأجل هذا نحتاج إلى القول بأنّ مراد المحدّث الكاشاني رحمهالله أنّ قوله عليهالسلام : «لا يُدخل الشكّ في اليقين وليخلط أحدهما بالآخر» يكون نهياً عن البناء على أنّ المشكوك فيها دخلت في المتيقّنة واختلطت بهواقعاً، يعني يكون نهياً عن البناء على الأكثر، وهذا خلاف ظاهر الرواية، لأنّ متعلّق النهي هو نفسالإدخال والخلط، لا البناء على الدخول والاختلاط. منه مدّ ظلّه.
ج6
إليها اُخرى» إمّا أن يُراد منه إضافتها إليها متّصلةً، فكان المرادمن اليقين والشكّ في قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» اليقين بعدم إتيانالرابعة والشكّ في إتيانها، فكان مفاده الاستصحاب، إلاّ أنّ هذخلاف المذهب الحقّ، فلابدّ من أن يكون صادراً تقيّةً، ولا يجوز الاستدلال بمصدر كذلك.
إن قلت: نعم، يمكن القول بأنّه عليهالسلام أراد بقوله: «قام فأضاف إليها اُخرى»الاتّصال تقيّةً، ولكن قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» صدر لبيان قاعدة كلّيّةواقعيّة، فيكون دليلاً على الاستصحاب، ولا مانع من جواز التمسّك به، لعدمصدوره تقيّةً.
قلت: هذا خلاف الظاهر، إذ الظاهر تطابق المعلول مع علّته في كونهما علىخلاف المذهب الحقّ أو على وفقه، وبعبارة اُخرى: بيان قاعدة كلّيّة مطابقةللواقع وتطبيقها على مورد تقيّةً بحيث كان المورد خارجاً عن تحتها واقعخلاف الظاهر.
وإمّا أن يُراد منه(1) إتيان ركعة منفصلة، فكان المراد من اليقين والشكّ فيقوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» اليقين بالبراءة والشكّ فيها، فيكون المراد منقوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءةبالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلّة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه، وقد اُريدمن اليقين في بعض الأخبار هذا النحو من العمل، كما في قوله عليهالسلام : «إذا شككتفابن على اليقين»(2).
واليقين بالبراءة لا يحصل بما فعله العامّة من إتيان المشكوكة
- (1) أي من قوله: «قام فأضاف إليها اُخرى». م ح ـ ى.
- (2) هذا هو موثّقة إسحاق بن عمّار الآتية في ص93.
(صفحه82)
متّصلة، لاحتمال تحقّق الزيادة المبطلة في الصلاة، بخلاف المذهب الحقّ،فإنّ الركعة المنفصلة مكمّلة لها لو كانت في الواقع ناقصة، وتحسبنافلة لو كانت كاملة، كما شهد به رواياتنا(1)، فكيف كان، يحصل اليقينبالبراءة.
وهذا ممّا عَلَّمَنا الإمام عليهالسلام بقوله للراوي: «ألا اُعلّمك شيئاً إذفعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟» وبعد قولالراوي في جوابه: «بلى» قال عليهالسلام : «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذفرغت وسلّمت فقم، فصلِّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكنعليك في هذه شيء، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمامما نقصت»(2).
هذا حاصل ما أفاده الشيخ الأعظم رحمهالله في الرسائل(3).
ونتيجته: عدم دلالة الرواية على الاستصحاب أصلاً، لكونها على الاحتمالالأوّل صدرت عن تقيّة، وعلى الاحتمال الثاني دلّت على وجوب إتيان ما شكّفيه منفصلاً، لتحصيل اليقين بالبراءة.
كلام صاحب الكفاية رحمهالله حول الرواية
ومنها: ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية، وهو أنّ المراد منقوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» هو اليقين بعدم الإتيان بالركعةالرابعة والشكّ في إتيانها، فتدلّ الرواية على استصحاب عدم الركعة المشكوكة،
- (1) راجع وسائل الشيعة 8 : 218 و 219، كتاب الصلاة، الباب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة،الحديث 8 ، والباب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 1 و 2.
- (2) وسائل الشيعة 8 : 213، كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.
- (3) راجع فرائد الاُصول 3: 62.
ج6
فيجب عليه الإتيان بها، ولكنّها لم تتعرّض لبيان إتيانها متّصلة أو منفصلة، بلهي مطلقة من هذه الجهة، ولكنّ إطلاقها يقيّد بالأخبار الدالّة على وجوبالبناء على الأكثر والإتيان بما يحتمل نقصه مفصولاً في الشكّ بين الأقلّوالأكثر.
فعلى هذا لا إشكال في دلالة الرواية على حجّيّة الاستصحاب(1).
هذا حاصل ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله .
نقد نظريّة صاحب الكفاية في معنى الرواية
واستشكل(2) عليه بأنّ الجمع بين دلالة الرواية على استصحاب عدمالركعة الرابعة وبين إطلاقها من جهة الإتيان بها متّصلةً أو منفصلةً ممّا لينبغي، لأنّ الاستصحاب يقتضي ترتّب آثار المستصحب كما لو كان متيقّناً،ولو كان عدم الإتيان بالركعة الرابعة متيقّناً لا يجوز الإتيان بها منفصلةً، فهكذاستصحابه، فاستصحاب عدم الركعة الرابعة مستلزم لوجوب الإتيان بهمتّصلةً، فكيف يمكن القول بإطلاق الرواية من هذه الجهة؟ بل هي على هذمضادّة للأخبار التي دلّت على وجوب صلاة الاحتياط.
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في معنى الرواية
ومنها: ما أفاده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»، وهو أنّ اللام في«اليقين» و«الشكّ» للجنس، فقوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» نهي عن نقضجنس اليقين بجنس الشكّ، فيعمّ كلّ يقين وكلّ شكّ، ولعدم نقضه به فيما نحن
- (2) المستشكل هو المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في «مصباح الاُصول» 3: 63. م ح ـ ى.