ج6
فيها بقرينة تعيّنها في الركعتين في الفرع الأوّل، وهذا يقتضيه وحدة السياق،هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ لقوله: «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث»مصاديق: واحد منها عروض الشكّ عليه حال كونه قائماً، فما معنى قوله: «قامفأضاف إليها اُخرى»؟ وهل هذا إلاّ الأمر بتحصيل الحاصل لو كان القيامبمعناه المعروف؟
فمن هنا نستكشف أنّ القيام هاهنا ليس بمعناه المعروف، بل بمعنى الفراغ منالصلاة والشروع في عمل آخر، وهو صلاة الاحتياط.
وأمّا قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ ولا يُدخل الشكّ في اليقين ولا يخلطأحدهما بالآخر» اُريد بكلّ من هذه الجمل الثلاث جريان الاستصحابوإفادة حجّيّته.
والشاهد على هذا ورود التعبير بالجملة الثانية في بعض أخبارالاستصحاب، فإنّه عليهالسلام كتب في جواب السؤال عن اليوم الذي يشكّ فيه منرمضان هل يصام أم لا؟: «اليقين لا يدخل فيه الشكّ، صم للرؤية وأفطرللرؤية»(1).
هذا أوّلاً.
وثانياً: لو كان قوله: «لا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر»لبيان قاعدة اُخرى غير الاستصحاب للزم الفصل بين قوله: «لا ينقض اليقينبالشكّ» وبين قوله: «ولكنّه ينقض الشكّ باليقين» وهما مرتبطانبالاستصحاب، بالأجنبيّ، بخلاف ما إذا كان جملة «لا يدخل» و«لا يخلط»
- (1) وسائل الشيعة 10: 255، كتاب الصوم، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.
(صفحه90)
لبيان حجّيّة الاستصحاب، فإنّهما لم تكونا أجنبيّتين.
وحينئذٍ كان الشكّ في جميع الجمل بمعنى واحد، وهكذا اليقين، فلا يلزمتفكيك الجمل المشتملة عليهما بالنسبة إلى معناهما.
وجه انفصال صلاة الاحتياط
بقي سؤال الجمع في الرواية بين استصحاب عدم الركعة المشكوكة وبينالحكم بإتيانها منفصلةً.
والجواب عنه أنّه تعبّد، يعني أصل وجوب الإتيان بها يستفاد مناستصحاب عدم إتيانها، وأمّا لزوم كونها منفصلةً فهو تعبّد محض، وإن كانمقتضى الاستصحاب هو الاتّصال لو لم يكن هذا التعبّد.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ الرواية ظاهرة في حجّيّة الاستصحاب معكونها ظاهرة في بيان المذهب الحقّ أيضاً.
ج6
موثّقة إسحاق بن عمّار
ومنها: موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام أنّه قال: «إذشككت فابنِ على اليقين» قال: قلت: هذا أصل؟ قال: «نعم»(1).
البحث حول مفهوم الحديث
ذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام «مدَّ ظلّه العالي» إلى أنّ الرواية وردتفي الشكّ في ركعات الصلاة(2).
لكنّ الظاهر أنّ مضمونها أصل كلّي جارٍ في جميع أبواب الفقه، وهوالاستصحاب، وذلك لظهور الرواية في فعليّة الشكّ واليقين معاً مع وحدةالمتعلّق(3)، فمفادها عين مفاد قوله في الأخبار السابقة: «لا ينقض اليقينبالشكّ» وإن كان التعبير مختلفاً، حيث كان أحدهما بلسان الأمر بالبناء علىاليقين في ظرف الشكّ، والآخر بلسان النهي عن نقض اليقين بالشكّ.
إن قلت: لو دلّت هذه الرواية على الاستصحاب فلابدّ من الالتزام باتّصال
- (1) وسائل الشيعة 8 : 212، كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 107.
- (3) وهذا هو الاستصحاب، ولا ينطبق على قاعدة اليقين، لعدم كون المكلّف متيقّناً في ظرف كونه شاكّاً فيتلك القاعدة، فليس الشكّ واليقين فعليّين معاً فيها. منه مدّ ظلّه.
(صفحه92)
الركعة المشكوكة في الشكّ في عدد ركعات الصلاة، وهو خلاف المذهب، فإنّأخبارنا تدلّ على وجوب البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكةمنفصلةً.
قلت: هذا الإشكال لا يختصّ بهذه الرواية، بل جارٍ في قوله عليهالسلام : «لا ينقضاليقين بالشكّ» الوارد في سائر أخبار الاستصحاب، فإن التزمت بكونالأخبار الدالّة على وجوب البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكة بنحوالانفصال مخصّصةً لقوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» التزمنا به هاهنا أيضاً،وإن ذهبت في حلّ الإشكال إلى وجه آخر ذهبنا نحن أيضاً إليه.
وبالجملة: بأيّ وجه تمسّكت للجمع بين أخبار صلاة الاحتياط وبينالأخبار السابقة الدالّة على الاستصحاب نحن أيضاً نتمسّك به للجمع بينهوبين هذه الرواية.
فعلى ما اخترناه من كونها قاعدة كلّيّة في جميع الأبواب لا إشكال فيدلالتها على حجّيّة الاستصحاب.
وأمّا على ما اختاره سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» من ظهورها في الشكّ في عددالركعات فإمّا أن يكون المراد من اليقين ما ذهب إليه الشيخ الأعظم رحمهالله أعني«اليقين بالبراءة» بالبناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط منفصلةً. وهذالمعنى خلاف الظاهر من وجهين:
أ ـ أنّ قوله: «إذا شككت» ظاهر في كلّ شكّ، فما الدليل على اختصاصهبالشكّ في عدد ركعات الصلاة؟!
ب ـ أنّ قوله: «فابن على اليقين» ظاهر في وجوب البناء عليه بمجرّد الشكّ،وهذا لا يلائم ما ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، إذ مفاده ـ بناءً عليه ـ تحصيل اليقينبالبراءة.
ج6
وبعبارة اُخرى: ظاهره وجوب البناء على اليقين الموجود بالفعل في زمنالشكّ، لا على اليقين الذي لم يتحقّق بعدُ.
وإمّا أن يكون المراد منه اليقين بعدم الركعة المشكوكة.
ويرد عليه الإشكال الأوّل، دون الثاني، فإنّ اختصاص اليقين في الحديثباليقين بعدم الركعة المشكوكة خلاف الظاهر، وإن كان ظهوره في وجوبالبناء على اليقين الموجود بالفعل في زمن الشكّ محفوظاً في هذا المعنى.
وعلى هذا فهي دالّة على الاستصحاب.
إلاّ أنّ مقتضى الاستصحاب لزوم اتّصال الركعة المشكوكة بالركعاتالمتيقّنة، وهو خلاف المذهب، فلابدّ إمّا من الالتزام بصدورها تقيّةً، فلا يجوزالتمسّك بها لحجّيّة الاستصحاب، لعدم كونها صادرةً لبيان الحكم الواقعي، وإمّمن القول بأنّها صادرة لبيان الحكم الواقعي، والجمع بينها وبين الأخبار الدالّةعلى وجوب الإتيان بالركعة المشكوكة منفصلةً بأنّ هذه الرواية تدلّ علىاستصحاب عدم الركعة المشكوكة، فيجب الإتيان بها، وأمّا كيفيّة إتيانها فتدلّعليها تلك الأخبار.
وبالجملة: لو لم يكن بأيدينا إلاّ قوله: «إذا شككت فابن على اليقين» لذهبنإلى اتّصال الركعة المشكوكة إلى الركعات المتيقّنة، إلاّ أنّا التزمنا بانفصالها،جمعاً بينه وبين ما دلّ على صلاة الاحتياط.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه حول الموثّقة أنّها على المختار تدلّ على حجّيّةالاستصحاب بلا إشكال، وأمّا على ما اختاره سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» فهي تدلّعليها أيضاً على الاحتمال الثالث في معناها، لا على الاحتمالين الأوّلين.