ج6
إليها اُخرى» إمّا أن يُراد منه إضافتها إليها متّصلةً، فكان المرادمن اليقين والشكّ في قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» اليقين بعدم إتيانالرابعة والشكّ في إتيانها، فكان مفاده الاستصحاب، إلاّ أنّ هذخلاف المذهب الحقّ، فلابدّ من أن يكون صادراً تقيّةً، ولا يجوز الاستدلال بمصدر كذلك.
إن قلت: نعم، يمكن القول بأنّه عليهالسلام أراد بقوله: «قام فأضاف إليها اُخرى»الاتّصال تقيّةً، ولكن قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» صدر لبيان قاعدة كلّيّةواقعيّة، فيكون دليلاً على الاستصحاب، ولا مانع من جواز التمسّك به، لعدمصدوره تقيّةً.
قلت: هذا خلاف الظاهر، إذ الظاهر تطابق المعلول مع علّته في كونهما علىخلاف المذهب الحقّ أو على وفقه، وبعبارة اُخرى: بيان قاعدة كلّيّة مطابقةللواقع وتطبيقها على مورد تقيّةً بحيث كان المورد خارجاً عن تحتها واقعخلاف الظاهر.
وإمّا أن يُراد منه(1) إتيان ركعة منفصلة، فكان المراد من اليقين والشكّ فيقوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» اليقين بالبراءة والشكّ فيها، فيكون المراد منقوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءةبالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلّة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه، وقد اُريدمن اليقين في بعض الأخبار هذا النحو من العمل، كما في قوله عليهالسلام : «إذا شككتفابن على اليقين»(2).
واليقين بالبراءة لا يحصل بما فعله العامّة من إتيان المشكوكة
- (1) أي من قوله: «قام فأضاف إليها اُخرى». م ح ـ ى.
- (2) هذا هو موثّقة إسحاق بن عمّار الآتية في ص93.
(صفحه82)
متّصلة، لاحتمال تحقّق الزيادة المبطلة في الصلاة، بخلاف المذهب الحقّ،فإنّ الركعة المنفصلة مكمّلة لها لو كانت في الواقع ناقصة، وتحسبنافلة لو كانت كاملة، كما شهد به رواياتنا(1)، فكيف كان، يحصل اليقينبالبراءة.
وهذا ممّا عَلَّمَنا الإمام عليهالسلام بقوله للراوي: «ألا اُعلّمك شيئاً إذفعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟» وبعد قولالراوي في جوابه: «بلى» قال عليهالسلام : «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذفرغت وسلّمت فقم، فصلِّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكنعليك في هذه شيء، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمامما نقصت»(2).
هذا حاصل ما أفاده الشيخ الأعظم رحمهالله في الرسائل(3).
ونتيجته: عدم دلالة الرواية على الاستصحاب أصلاً، لكونها على الاحتمالالأوّل صدرت عن تقيّة، وعلى الاحتمال الثاني دلّت على وجوب إتيان ما شكّفيه منفصلاً، لتحصيل اليقين بالبراءة.
كلام صاحب الكفاية رحمهالله حول الرواية
ومنها: ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية، وهو أنّ المراد منقوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» هو اليقين بعدم الإتيان بالركعةالرابعة والشكّ في إتيانها، فتدلّ الرواية على استصحاب عدم الركعة المشكوكة،
- (1) راجع وسائل الشيعة 8 : 218 و 219، كتاب الصلاة، الباب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة،الحديث 8 ، والباب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 1 و 2.
- (2) وسائل الشيعة 8 : 213، كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.
- (3) راجع فرائد الاُصول 3: 62.
ج6
فيجب عليه الإتيان بها، ولكنّها لم تتعرّض لبيان إتيانها متّصلة أو منفصلة، بلهي مطلقة من هذه الجهة، ولكنّ إطلاقها يقيّد بالأخبار الدالّة على وجوبالبناء على الأكثر والإتيان بما يحتمل نقصه مفصولاً في الشكّ بين الأقلّوالأكثر.
فعلى هذا لا إشكال في دلالة الرواية على حجّيّة الاستصحاب(1).
هذا حاصل ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله .
نقد نظريّة صاحب الكفاية في معنى الرواية
واستشكل(2) عليه بأنّ الجمع بين دلالة الرواية على استصحاب عدمالركعة الرابعة وبين إطلاقها من جهة الإتيان بها متّصلةً أو منفصلةً ممّا لينبغي، لأنّ الاستصحاب يقتضي ترتّب آثار المستصحب كما لو كان متيقّناً،ولو كان عدم الإتيان بالركعة الرابعة متيقّناً لا يجوز الإتيان بها منفصلةً، فهكذاستصحابه، فاستصحاب عدم الركعة الرابعة مستلزم لوجوب الإتيان بهمتّصلةً، فكيف يمكن القول بإطلاق الرواية من هذه الجهة؟ بل هي على هذمضادّة للأخبار التي دلّت على وجوب صلاة الاحتياط.
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في معنى الرواية
ومنها: ما أفاده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»، وهو أنّ اللام في«اليقين» و«الشكّ» للجنس، فقوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» نهي عن نقضجنس اليقين بجنس الشكّ، فيعمّ كلّ يقين وكلّ شكّ، ولعدم نقضه به فيما نحن
- (2) المستشكل هو المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في «مصباح الاُصول» 3: 63. م ح ـ ى.
(صفحه84)
فيه مصداقان: أحدهما: ما أفاده المحدّث الكاشاني رحمهالله ، يعني عدم إبطالالركعات المحرزة بسبب الشكّ في الرابعة، والثاني: استصحاب عدم الإتيانبالرابعة، أعني عدم نقض اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة بسبب الشكّ فيإتيانها.
ولقوله عليهالسلام : «لا يُدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر»أيضاً مصداقان فيما نحن فيه: أحدهما: ما أفاده المحدّث الكاشاني رحمهالله ، وهوعدم الاكتفاء بالركعة المشكوك فيها من غير تدارك، وثانيهما: ما ذكر فيالاحتمال الثاني، أعني عدم إتيان الركعة المضافة المشكوك فيها متّصلةبالركعات المحرزة.
هذا إذا لم نقل بظهور النهي عن الإدخال والاختلاط في الفصل الاختياري،وإلاّ يكون له مصداق واحد.
وعلى هذا تكون الرواية مع تعرّضها للمذهب الحقّ ـ أي الإتيان بالركعةمنفصلةً ـ تتعرّض لعدم إبطال الركعات المحرزة ولاستصحاب عدم الركعةالمشكوك فيها، وتكون على هذا من الأدلّة العامّة لحجّيّة الاستصحاب.
هذا حاصل ما أفاده سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه»، وادّعى أنّه أظهر الاحتمالات فيالرواية، ثمّ ذكر له مرجّحات:
الأوّل: أنّه لا يستلزم التفكيك بين الجمل المشتملة على الشكّ واليقين بأنيُراد منهما في جملة معنى وفي اُخرى معنىً آخر، بل المراد منهما على ما ذهبنإليه هو طبيعة اليقين والشكّ في الجمل كلّها، فالرواية محمولة على بيان قواعدكلّيّة: هي عدم نقض اليقين بالشكّ، وعدم إدخال الشكّ في اليقين، ونقضالشكّ باليقين، وعدم الاعتداد بالشكّ في حال من الأحوال، وهي قواعد كلّيّةيفهم منها حكم المقام، لانطباقها عليه، بخلاف سائر الاحتمالات، فإنّها تستلزم
ج6
التفكيك بين الجمل المشتملة على الشكّ واليقين، بأن يُراد في جملة من اليقينوالشكّ نفسهما، وفي جملة يراد من اليقين اليقين بالركعات المحرزة أو عدمالركعة الرابعة، وفي جملة يُراد بالشكّ المشكوك فيها، أي الركعة المضافة، وفيالاُخرى الركعة المشكوك في إتيانها كما يظهر بالتأمّل في الجمل والاحتمالات،ألا ترى أنّه على ما ذهب إليه المحدّث الكاشاني رحمهالله اُريد من الشكّ في قوله: «لينقض اليقين بالشكّ» نفسه واُريد منه في قوله: «لا يُدخل الشكّ في اليقين»المشكوك، وهذا التفكيك خلاف الظاهر.
الثاني: أنّ لازمه حفظ ظهور اللام في الجنس وعدم حملها على العهد،وحفظ ظهور اليقين بإرادة نفس الحقيقة، لا الخصوصيّات والأفراد.
الثالث: أنّ الظاهر من قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» في سائر أخبارالباب هو عدم رفع اليد عن اليقين بمجرّد الشكّ، والاستصحاب أحد مصاديقهذه الكلّيّة، ووحدة السياق تقتضي أن يكون في هذه الرواية أيضاً بهذالمعنى(1).
هذا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» لبيان مرجّحات مختاره، وكلامه من أوّلهإلى آخره كلام دقيق.
نقد ما أفاده الإمام«مدّ ظلّه» في معنى الرواية
لكن مع ذلك يرد عليه أنّ قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» لو كان لهمصداقان: أحدهما: ما ذهب إليه المحدّث الكاشاني، والثاني: الاستصحاب،فلابدّ من أن يكون اليقين بالنسبة إلى الأوّل بمعنى المتيقّن، حيث إنّه عبارة عنالركعات المحرزة، وبالنسبة إلى الثاني بمعنى نفس اليقين، لما قلنا سابقاً(2) في
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 106.