(صفحه228)
الضروريّات ـ إن كان مراده الاستصحاب المصطلح، فهو غير تامّ، وإن كانمراده نتيجة الاستصحاب ولو من جهة الأدلّة الدالّة على الاستمرار، فهوخارج عن محلّ الكلام(1)، إنتهى كلامه.
نقد نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المسألة
ويرد عليه أنّ النسخ وإن كان بمعنى الدفع وانتهاء أمد الحكم، إلاّ أنّ منأدرك النبيّ صلىاللهعليهوآله وعمل بحكم في المدينة المنوّرة مثلاً ثمّ سافر إلى بلد بعيد عنهبحيث يشكل عليه زيارته صلىاللهعليهوآله ثمّ شكّ في نسخ ما كان يعمل به في المدينة ليكون له مرجع إلاّ استصحاب عدم النسخ، وليس الشكّ حينئذٍ شكّا فيثبوت التكليف في حقّه، بل في بقائه كما هو واضح.
فقوله: «إنّ استصحاب عدم النسخ ممّا لا أساس له» ممّا لا أساس له.
هذا بالنسبة إلى من أدرك زمان الحضور.
وأمّا بالنسبة إلينا فلو كان لنا خطاب عامّ لنا من حيث الأفراد ـ مثل«يَـآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»(2) ـ ولكنّا شككنا في استمرارهودوامه فلا مانع من جريان استصحاب عدم النسخ أيضاً، إذ الشكّ هاهنأيضاً في البقاء لا في الحدوث، فإنّ الخطاب عامّ على الفرض والقضيّة حقيقيّةلا خارجيّة.
فالحاصل: أنّ أصالة عدم النسخ جارية بالنسبة إلى أحكام شريعتنا، وأمّبالنسبة إلى أحكام الشرائع السابقة فلا، للإشكال المتقدّم ذكره الذي أفادهسيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه».
- (1) مصباح الاُصول 3: 148.
ج6
بقي هنا إشكالان آخران في استصحاب أحكام الشرائع السابقة:
كلام المحقّق النائيني حول المسألة
الأوّل: ما أورده المحقّق النائيني رحمهالله واعتمد عليه.
وحاصله: أنّ تبدّل الشريعة السابقة بالشريعة اللاحقة إن كان بمعنىنسخ جميع أحكام الشريعة السابقة ـ بحيث لو كان حكم في الشريعة اللاحقةموافقا لما في الشريعة السابقة، لكان الحكم المجعول في الشريعة اللاحقةمماثلاً للحكم المجعول في الشريعة السابقة لابقاءً له ـ فيكون مثل إباحة شربالماء الذي هو ثابت في جميع الشرائع مجعولاً في كلّ شريعة مستقلاًّ، غاية الأمرأنّها أحكام متماثلة، فعدم جريان الاستصحاب عند الشكّ في النسخ واضح،للقطع بارتفاع جميع أحكام الشريعة السابقة، فلا يبقى مجال للاستصحاب،نعم، يحتمل أن يكون المجعول في الشريعة اللاحقة مماثلاً للمجعول في الشريعةالسابقة، كما يحتمل أن يكون مخالفا له، وكيف كان، لا يحتمل بقاء الحكمالأوّل.
وإن كان تبدّل الشريعة بمعنى نسخ بعض أحكامها، لا جميعها، فبقاء الحكمالذي كان في الشريعة السابقة وإن كان محتملاً، إلاّ أنّه يحتاج إلى الإمضاء فيالشريعة اللاحقة، ولا يمكن إثبات الإمضاء باستصحاب عدم النسخ إلاّ علىالقول بالأصل المثبت(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله في المقام.
نقد ما أفاده النائيني رحمهالله في استصحاب أحكام الشريعة السابقة
- (1) فوائد الاُصول 4: 478.
(صفحه230)
ويرد عليه أنّ نسخ جميع أحكام الشريعة السابقة وإن كان مانعا عنجريان استصحاب عدم النسخ، إلاّ أنّ الالتزام به بلا موجب، فإنّه لا داعيإلى جعل إباحة شرب الماء مثلاً في الشريعة اللاحقة مماثلةً للإباحة التي كانتفي الشريعة السابقة.
وأمّا ما ذكره من أنّ بقاء حكم الشريعة السابقة يحتاج إلى الإمضاءفي الشريعة اللاحقة، فهو صحيح، إلاّ أنّ نفس أدلّة الاستصحاب كافيةفي إثبات الإمضاء، وليس التمسّك بها من قبيل التمسّك بالأصل المثبت،فإنّ الأصل المثبت إنّما هو فيما إذا وقع التعبّد بما هو خارج عن مفادالاستصحاب، وفي المقام نفس دليل الاستصحاب دليل على الإمضاء، فكما لوورد دليل خاصّ على وجوب البناء على بقاء أحكام الشريعة السابقة إلاّ فيمعلم النسخ فيه، يجب التعبّد به، فيحكم بالبقاء في غير ما علم نسخه، ويكونهذا الدليل الخاصّ دليلاً على الإمضاء، فكذا في المقام، فإنّ أدلّة الاستصحابتدلّ على وجوب البناء على البقاء في كلّ متيقّن شكّ في بقائه، سواء كان منأحكام الشريعة السابقة، أو من أحكام هذه الشريعة المقدّسة، أو منالموضوعات الخارجيّة، فلا إشكال في استصحاب أحكام الشريعة السابقة منهذه الجهة.
كلام صاحب الكفاية في استصحاب أحكام الشريعة السابقة
الثاني: ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله ثمّ أجاب عنه.
أمّا الإشكال: فحاصله: أنّا نعلم إجمالاً بنسخ كثير من الأحكام التي كانتثابتةً في الشريعة السابقة، ولا يجري الأصل في أطراف العلم الإجمالي، سيّما إذكان مخالفا له، سواء كان وجه عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي
ج6
لزوم التناقض في أدلّة الاُصول أو استلزامه المخالفة العمليّة على اختلاف فيه،كما عرفت في مبحث الاشتغال(1).
وأمّا الجواب: فهو أنّه مدفوع بأنّ محلّ الكلام إنّما هو بعد انحلال العلمالإجمالي بالظفر بموارد النسخ بمقدار المعلوم بالإجمال، فما زاد عليه فهومشكوك بالشكّ البدوي.
كما أنّا نعلم إجمالاً بورود التخصيص على عمومات كثيرة، ولكنّه لا يمنعمن التمسّك بالعموم في موارد الشكّ في التخصيص، لانحلال العلم الإجماليبالظفر بالمخصّص بمقدار المعلوم بالإجمال(2).
فلا إشكال في استصحاب أحكام الشريعة السابقة من هذه الجهة أيضاً.
فالعمدة في منعه هو ما ذكره سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه».
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ استصحاب عدم النسخ يجري بالنسبة إلىأحكام شريعتنا، ولا يجري بالنسبة إلى أحكام الشرائع السابقة.
هذا تمام الكلام في استصحاب عدم النسخ.
- (1) راجع ص51 وما بعدها من الجزء الخامس.
(صفحه232)