ج6
تصرف قدرتك في أحدهما حتّى تكون عاجزا بالنسبة إلى الآخر، فتكونمعذورا.
بخلاف الواجب التخييري، فإنّ من أفطر في شهر رمضان يجب عليه عتقرقبة أو إطعام ستّين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين تخييرا بينها، وإن تركالجميع لا يستحقّ إلاّ عقوبة واحدة.
فلا يمكن استنتاج الوجوب التخييري من دليل الاستصحاب في صورةالتعارض قياسا على باب التزاحم، لمنع الوجوب التخييري في المقيس عليه.
فالمحذور في جريان الاستصحاب في صورة التعارض وكذا في باب التزاحمهو أصل دليلهما، لا إطلاقه.
فالحاصل: أنّ مقتضى القاعدة في الاستصحابين المتعارضين هو التساقط.هذا كلّه حال الاستصحاب مع الأمارات والاُصول.
البحث حول تعارض الاستصحاب مع بعض القواعد الفقهيّة
بقي الكلام في حاله مع بعض قواعد اُخر فقهيّة، كقاعدة اليد والتجاوزوالفراغ وأصالة الصحّة في عمل الغير والقرعة.في تعارض الاستصحاب مع بعض القواعد الفقهيّة
والشيخ الأعظم بسط الكلام في هذه القواعد(1)، لكنّها حيث كانت قواعدفقهيّة فمحلّ التفصيل فيها هو الفقه، فلابدّ هاهنا من الاكتفاء بالبحث عنتعارضها مع الاستصحاب تبعا للمحقّق الخراساني رحمهالله (2).
تعارض الاستصحاب مع قاعدة اليد
- (1) فرائد الاُصول 3: 320 ـ 386.
(صفحه368)
فنقول: لا إشكال في تقدّم قاعدة اليد على الاستصحاب، سواء قلنا بكونهأمارة ـ كما هو الظاهر ـ أو أصلاً عقلائيّا أمضاه الشارع.
أمّا على الأوّل فواضح، لما عرفت من ورود الأمارات على الاُصول.
وأمّا على الثاني فلأنّ النسبة بينهما وإن كانت عموما من وجه، إلاّ أنّه لابدّهاهنا من تخصيص الاستصحاب بقاعدة اليد لوجهين:
الأوّل: قيام الإجماع على العمل بقاعدة اليد مطلقاً، حتّى فيما يعارضهالاستصحاب.
الثاني: أنّه لو خرج مورد الاجتماع عن قاعدة اليد ودخل تحتالاستصحاب لما بقي تحتها إلاّ موارد نادرة جدّا، لجريان استصحاب عدمالملكيّة في أكثر موارد اليد، فكلّ شيء وجدناه تحت يد شخص وشككنا فيملكيّته له يجري فيه استصحاب عدمها إلاّ في موارد قليلة(1) لا يعقل تشريعهذه القاعدة لأجلها، سيّما أنّ تشريعها علّل في الأخبار بأنّه «لو لا ذلك لما قامللمسلمين سوق»(2) فإنّ هذا التعليل يرشدنا إلى تقدّمها على الاستصحاب فيموارد الاجتماع، إذ لو عكس الأمر لما قام أيضاً للمسلمين سوق.
وأمّا الاستصحاب فله موارد كثيرة غير موارد اليد، فإنّ قاعدة اليد تختصّبالشكّ في الملكيّة من الشبهات الموضوعيّة فيما إذا كان المال تحت يد شخص،فيختصّ الاستصحاب بجميع الشبهات الحكميّة والشبهات الموضوعيّة غير
- (1) مثل أن يكون شيء تحت يد شخص وعلمنا ملكيّته سابقا وعدم ملكيّته كذلك، لكنّا شككنا في أنّالملكيّة كانت متقدّمة على عدمها أو بالعكس، فيجري الاستصحاب في كليهما ويتساقطان بالتعارضوتبقى قاعدة اليد سليمة عن المعارض، ومثل أن يكون تحت يده ولم نعلم بعدم ملكيّته له سابقا، بلاحتملنا كونه ملكا له من أوّل وجوده، لاحتمال كونه بنفسه مولّدا له، مثل البقول، فلا يجري هاهناستصحاب عدم ملكيّته بناءً على ما اخترناه من عدم جريانه في القضايا السالبة بانتفاء الموضوع.منه مدّ ظلّه.
- (2) وسائل الشيعة 27: 292، كتاب القضاء، الباب 25 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 2.
ج6
الملكيّة، كالشكّ في بقاء الخمريّة والطهارة ونحوهما والشبهات الملكيّة التيلم تثبت فيها يد على المال، كالشكّ في كون شيء مطروح على الأرض ملكلزيد مثلاً، فلا محذور في تقدّم اليد على الاستصحاب في مورد الاجتماع،بخلاف العكس.
تعارض الاستصحاب مع قاعدة التجاوز والفراغ وأصالة الصحّة
وأمّا قاعدة التجاوز والفراغ(1) وأصالة الصحّة في عمل الغير فكلّ منهأخصّ من الاستصحاب، فلابدّ من تخصيصه بها، سواء قلنا بكونها منالأمارات، كما هو الظاهر من قوله عليهالسلام : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حينيشكّ»(2) أو من الاُصول العقلائيّة المعتبرة شرعا أيضاً.
توضيح ذلك: أنّ مورد قاعدة التجاوز إنّما هو الشكّ حين الاشتغال بالعملفي إتيان شيء منه، كالشكّ في إتيان ركوع الركعة الثالثة حين الاشتغالبالرابعة، ومورد قاعدة الفراغ إنّما هو الشكّ في إتيان شيء من العمل بعد الفراغمنه، ولا ريب في جريان استصحاب عدم الإتيان به في كليهما، ومورد أصالةالصحّة في عمل الغير، أو في عمل نفسه بعد مضيّ زمان إنّما هو الشكّ في صحّةمعاملة صدرت من الغير أو من نفسه، والشكّ فيها ناشٍ عن الشكّ في إتيانشرط من شروط المعاملة(3)، ولا ريب في جريان استصحاب عدمه، وهويقتضي فسادها.
فالاستصحاب أعمّ من هذه القواعد الثلاث، فلابدّ من تخصيصه بها.
وبعبارة اُخرى: لو قدّم الاستصحاب عليها للزم لغويّتها رأسا، بخلاف
- (1) على تقدير كونه قاعدة مستقلّة غير قاعدة التجاوز. منه مدّ ظلّه.
- (2) وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الطهارة، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
- (3) كالبيع والنكاح وغيرهما من المعاملات. م ح ـ ى.
(صفحه370)
العكس، فإنّ قاعدة التجاوز والفراغ مختصّة بالشبهات الموضوعيّة في بعضالعبادات، كالصلاة والصوم ونحوهما، وأصالة الصحّة مختصّة بالشبهاتالموضوعيّة في باب المعاملات، فيختصّ الاستصحاب بجميع الشبهات الحكميّةوكثير من الشبهات الموضوعيّة، فلا محذور في تقدّم هذه القواعد علىالاستصحاب، بخلاف العكس.
تعارض الاستصحاب مع قاعدة القرعة
مجرى قاعدة القرعة
وأمّا القرعة فهي لكلّ أمر مشكل ومجهول ومشتبه على ما في أخبارها(1)،وهذه التعابير بظاهرها تعمّ جميع الشبهات، سواء كانت حكميّة أو موضوعيّة،فإنّ كلّها من مصاديق المشكل والمشتبه والمجهول، وقد اشتهر في ألسنةالمتأخّرين أنّ عمومات القرعة قد وردت عليها تخصيصات كثيرة بالغة حدّالاستهجان، لعدم جواز القرعة في الشبهات الحكميّة ولا في موارد الاُصولالعمليّة من الشبهات الموضوعيّة ولا في موارد القواعد الفقهيّة(2)، ولا ريب فيأنّ تخصيصها بهذه الموارد تخصيص للأكثر، وهو مستهجن، فيستكشف منهأنّها(3) كانت محفوفةً بقرائن وقيود لم تصل إلينا، فلا يجوز التمسّك بها إلاّ فيموارد عمل الأصحاب على طبقها.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ استلزام هذا المعنى للتخصيصات الكثيرة الموجبة
- (1) راجع وسائل الشيعة 27: 257، كتاب القضاء، الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى،وبحار الأنوار 88 : 234، كتاب الصلاة، باب الاستخارة بالرقاع، ذيل الحديث 7، وعوالي اللئالي 2: 112 و285، و3: 512.
- (2) ولا في مورد إحلاف المنكر إذا لم يكن للمدّعي بيّنة. منه مدّ ظلّه.
- (3) أي عمومات القرعة. م ح ـ ى.
ج6
للاستهجان يرشدنا إلى معنى آخر في عمومات القرعة، وهو ـ على ما أشارإليه المحقّق الخراساني رحمهالله ـ أنّها لكلّ أمر مشكل مشتبه مجهول بقول مطلق، لفي الجملة، فتختصّ بموارد كان حكمها الواقعي والظاهري مجهولاً(1)، فلا تعمّالشبهات الحكميّة أصلاً، إذ ما من شبهة حكميّة إلاّ وفي موردها أصل منالاُصول العمليّة، ولا موارد الاُصول العمليّة من الشبهات الموضوعيّة، ولموارد القواعد الفقهيّة، وهو واضح(2).
هذا توضيح ما أشار إليه المحقّق الخراساني رحمهالله .
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في مجرى قاعدة القرعة
وقال سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»: إنّ التتبّع في أخبار القرعة يوجبالقطع بأنّ مصبّ القرعة في الشريعة ليس إلاّ ما لدى العقلاء، وليس بنائهمعلى العمل بها إلاّ في موارد تزاحم الحقوق مع عدم الترجيح عندهم، سواءكان لها واقع معلوم عند اللّه، كتعيين مالك المال الذي ليس في يد واحد منالمتخاصمين بالقرعة، أو لا، كتقسيم الإرث والأموال المشتركة بها.
نعم، يبقى مورد واحد في أخبار القرعة ليس من باب تزاحم الحقوق، وهوقضيّة اشتباه الشاة الموطوئة في قطيع، فيقسّم القطيع نصفين ويقرع بينهما، ثمّيقسّم النصف الذي أصابته القرعة نصفين ويقرع بينهما ويكرّر ذلك حتّى يبقىواحدة أصابتها القرعة الأخيرة، فتذبح وتحرق(3).
فهذا لابدّ من الالتزام فيه بالتعبّد في المورد الخاصّ لا يتجاوز منه إلى
- (1) مثل أن يكون مال مردّدا بين زيد وعمرو من دون ثبوت يد أحدهما عليه ولا يكون لواحد منهما بيّنة أوتقوم البيّنة لكليهما. منه مدّ ظلّه.
- (3) الاختصاص: 96، والمناقب 4: 404.