ج6
استصحاب نجاسة الفرش بالنسبة إلى ترتّب نجاسة ملاقيه، لأنّه مثبت.
وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ استصحاب كلّي النجاسة في العباء الذيكان أحد طرفيه نجساً وغسل طرفه الأسفل لا يثبت أنّ ملاقاة كلا طرفيالعباء ملاقاة للنجاسة إلاّ بالاستلزام العقلي؛ لأنّ المحرز بالوجدان هو ملاقاةالعباء، لا ملاقاة النجس، فيكون أصلاً مثبتاً(1).
هذا حاصل ما أجاب به سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» عن الشبهة مع توضيح منّا.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
وقرّر المحقّق النائيني رحمهالله هذا الجواب ببيان علمي، وهو أنّه لو كان طرفمعيّن من العباء نجساً يجري الاستصحاب في مفاد «كان الناقصة» لأنّا نقول:هذا الموضع من العباء كان نجساً، والآن نشكّ في بقاء نجاسته، فيستصحبويترتّب عليه نجاسة ملاقيه بلا واسطة عقليّة(2).
وأمّا الاستصحاب المدّعى في المقام فلا يمكن جريانه في مفاد «كانالناقصة» بأن يشار إلى طرف معيّن من العباء ويقال: إنّ هذا الطرف كان نجسوشكّ في بقائها، فالاستصحاب يقتضي نجاسته، وذلك لأنّ أحد طرفي العباءمقطوع الطهارة، والطرف الآخر مشكوك النجاسة من أوّل الأمر، فليس لنيقين بنجاسة طرف معيّن يشكّ في بقائها ليجري الاستصحاب فيها.
نعم، يمكن إجرائه في مفاد «كان التامّة» بأن يقال: إنّ النجاسة في العباءكانت موجودة وشكّ في ارتفاعها، فالآن كما كانت، إلاّ أنّه لا تترتّب نجاسةالملاقي على هذا الاستصحاب إلاّ على القول بالأصل المثبت، لأنّ الحكم
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 129.
- (2) وذلك لأنّ نجاسة الملاقى ثابتة بالاستصحاب، والملاقاة تحقّقت بالوجدان، فيترتّب الأثر عليه، وهونجاسة الملاقي. م ح ـ ى.
(صفحه156)
بنجاسة الملاقي يتوقّف على نجاسة ما لاقاه وتحقّق الملاقاة خارجاً، ومنالظاهر أنّ استصحاب وجود النجاسة في العباء لا يثبت ملاقاة النجس إلعلى القول بالأصل المثبت، ضرورة أنّ الملاقاة ليست من الآثار الشرعيّة لبقاءالنجاسة، بل من الآثار العقليّة، وعليه فلا تثبت نجاسة الملاقي للعباء(1)،إنتهى كلامه.
البحث حول ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله
وأورد على هذا الجواب أحد(2) تلامذته مناقشةً ظاهرة على زعمه، وهيأنّه يمكن جريان الاستصحاب في مفاد «كان الناقصة» مع عدم تعيين موضعالنجاسة، بأن نشير إلى الموضع الواقعي، ونقول: خيط من هذا العباء كان نجسوالآن كما كان، أو نقول: طرف من هذا العباء كان نجساً والآن كما كان، فهذالخيط أو الطرف محكوم بالنجاسة للاستصحاب، والملاقاة ثابتة بالوجدان، إذالمفروض تحقّق الملاقاة مع طرفي العباء، فيحكم بنجاسة الملاقي لا محالة(3)،إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
لكنّه مردود بأنّ الترديد في موضع النجاسة هو الموجب لكون الأصل مثبتكما عرفت، فلا ينفعه إمكان جريان الاستصحاب في مفاد «كان الناقصة»بنحو الترديد.
كلام آخر للمحقّق النائيني رحمهالله حول الشبهة العبائيّة
وللمحقّق النائيني رحمهالله جواب آخر من الشبهة، وهو أنّ الاستصحاب
- (1) مصباح الاُصول 3: 111، نقلاً عن المحقّق النائيني رحمهالله .
- (2) هو العلاّمة السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي«مدّ ظلّه».
- (3) مصباح الاُصول 3: 112.
ج6
الجاري في مثل العباء ليس من استصحاب الكلّي في شيء؛ لأنّ استصحابالكلّي إنّما هو فيما إذا كان الكلّي المتيقّن مردّداً بين فرد من الصنف الطويل وفردمن الصنف القصير، كالحيوان المردّد بين البقّ والفيل على ما هو المعروف،بخلاف المقام، فإنّ التردّد فيه في خصوصيّة محلّ النجس مع العلم بخصوصيّةالفرد، والتردّد في خصوصيّة المكان أو الزمان لا يوجب كلّيّة المتيقّن، فليسالشكّ حينئذٍ في بقاء الكلّي وارتفاعه حتّى يجري الاستصحاب فيه، بل الشكّفي بقاء الفرد الحادث المردّد من حيث المكان.
وذكر لتوضيح مراده مثالين: الأوّل: ما إذا علمنا بوجود زيد في الدار،فانهدم الطرف الشرقي منها، فلو كان زيد فيه فقد مات بانهدامه، ولو كان فيالطرف الغربي فهو حيّ، فحياة زيد وإن كان مشكوكاً فيها، إلاّ أنّه لا مجال معهلاستصحاب الكلّي، والمقام من هذا القبيل بعينه، الثاني: ما إذا كان لزيد درهمواشتبه بين ثلاثة دراهم مثلاً، ثمّ تلف أحد الدراهم، فلا معنى لاستصحابالكلّي بالنسبة إلى درهم زيد، فإنّه جزئي واشتبه بين التالف والباقي(1)،إنتهى كلامه رحمهالله .
ثمّ أورد عليه بعض(2) الأعلام من تلامذته بأنّ هذا الجواب غير تامّ، فإنّالإشكال ليس في تسمية الاستصحاب الجاري في مسألة العباء باستصحابالكلّي، بل الإشكال إنّما هو في أنّ جريان استصحاب النجاسة لا يجتمع معالقول بطهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، سواء كان الاستصحاب من قبيلاستصحاب الكلّي أو الجزئي، فكما أنّه لا مانع من استصحاب حياة زيد فيالمثال الأوّل، كذلك لا مانع من جريان الاستصحاب في مسألة العباء.
- (1) مصباح الاُصول 3: 110، نقلاً عن المحقّق النائيني رحمهالله .
- (2) هو العلاّمة السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي«مدّ ظلّه».
(صفحه158)
وأمّا المثال الثاني فالاستصحاب فيه معارض بمثله، فإنّ أصالة عدم تلفدرهم زيد معارض بأصالة عدم تلف درهم غيره، ولو فرض عدم الابتلاءبالمعارض لا مانع من جريان الاستصحاب فيه، كما إذا اشتبه خشبة زيد مثلبين أخشاب لا مالك لها لكونها من المباحات الأصليّة، فتلف أحدها، فتجريأصالة عدم تلف خشبة زيد بلا معارض(1)، إنتهى كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المقام
وفيه: أنّ من ألقى الشبهة العبائيّة إنّما ألقاها لأجل سدّ جريان الاستصحابفي القسم الثاني من الكلّي، وهذا لا يتمّ إلاّ إذا كان مسألة العباء من قبيلاستصحاب الكلّي، وأمّا لو كان كما ذكره النائيني رحمهالله فلا ربط له بمسألةاستصحاب الكلّي، لأنّ عدم جريان الاستصحاب في جزئي خاصّ لجهةـ كمسألة العباء على فرض كونها من قبيل استصحاب الجزئي ـ لا يستلزمعدم جريانه في الكلّي ولا في سائر الجزئيّات، فقوله«مدّ ظلّه»: «إنّ الإشكال ليسفي تسمية الاستصحاب الجاري في مسألة العباء باستصحاب الكلّي» غير تامّ،فلا يرد على المحقّق النائيني رحمهالله هذا الإشكال.
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله حول الشبهة العبائيّة
ولكن يرد عليه أنّه إن أراد به استصحاب الفرد الخاصّ في مسألة العباءـ أي مع إضافته إلى الأسفل أو ا لأعلى ـ فلا إشكال في عدم جريانه، لأنّالأسفل مقطوع الطهارة والأعلى كان مشكوك النجاسة من أوّل الأمر، وليسلنا فيه قضيّة متيقّنة، وإن أراد به استصحاب الفرد المردّد فليس المقام منه، فإنّ
- (1) مصباح الاُصول 3: 111.
ج6
الفرد المردّد الذي يجري الاستصحاب فيه هو ما يكون مشكوك البقاء على كلّتقدير كما عرفت(1)، وإلاّ فلا تتّحد القضيّتان، ألا ترى أنّ القضيّة المتيقّنة فيالمقام تكون نجاسة أعلى العباء أو أسفله على الإجمال، بخلاف المشكوكة، فإنّلا نشكّ في نجاسة أحدهما على الإجمال بعد غسل الأسفل، بل نشكّ في نجاسةالأعلى فقط، للقطع بطهارة الأسفل.
نعم، لو شككنا في تطهير العباء بعد العلم الإجمالي بنجاسة أعلاه أو أسفلهلكان من قبيل استصحاب الفرد المردّد، لكنّه خارج عمّا نحن فيه.
وأمّا تنظير المقام بما إذا علمنا بوجود زيد في الدار، فانهدم الطرف الشرقيمنها، فجوابه أوّلاً: أنّه لا إشكال في جريان استصحاب الكلّي في هذا المثالأيضاً، لأنّا بعد دخول زيد في الدار علمنا بوجود الإنسان فيها، وبعد انهدامالجانب الشرقي شككنا في بقائه، فيستصحب، فيجري في المثال استصحابالكلّي أيضاً كما يجري فيه استصحاب الفرد، لأنّك عرفت(2) أنّه لو كان للكلّيأثر شرعي لا يغني استصحاب الفرد عن استصحابه.
وثانياً: أنّ مسألة العباء تفارق هذا المثال من حيث المورد، إذ مسألة العباءتكون ذات أثر شرعي على كلّ تقدير، لأنّ النجس ـ سواء كان هو الأسفل أوالأعلى ـ يجب غسله واجتنابه، فالمتيقّن أمرٌ كلّي له فردان، بخلاف المثال، فإنّالأثر يكون لكون زيد في الدار، لا لكونه في الطرف الشرقي أو الغربي منها،فالمتيقّن فيه أمر جزئي، وهو كون زيد في الدار.
وبعبارة اُخرى: إنّ الموضوع في مسألة العباء هو المتنجّس، وهو مردّد بينالأسفل والأعلى، ولكلّ منهما أثر شرعي خاصّ به، وتعدّد الأثر كاشف عن