ج6
القرآن بها، لعدم تحقّق التواتر فيها في جميع الطبقات، وتحريف التوراة والإنجيلقطعا، ألا ترى أنّ فيهما نسبة الزنا وشرب الخمر إلى الأنبياء العظام؟! ونحوذلك من الأباطيل الواضحة.
سلّمنا عدم تحريفهما، لكنّهما لا يكونان معجزة، فإنّ معجزة موسىوعيسى عليهماالسلام أشياء اُخر غير التوراة والإنجيل، فالطريق إلى العلم بنبوّتهممنحصر بالقرآن الذي لم يحرّف مع كونه معجزة.
ولا يقول بتحريفه إلاّ من في قلبه مرض أو من ليس له اطّلاع عليه.
وبالجملة: لابدّ في الاستصحاب من اليقين بالحدوث، وطريقه في المقاممنحصر في القرآن، والتمسّك به لاستصحاب النبوّة السابقة أمر يلزم أيضاً منوجوده عدمه.
فلا يتمكّن الكتابي أيضاً من استصحاب نبوّة النبيّ السابق لإلزام المسلمينعليها.
ولعلّ المراد بقول الرضا عليهالسلام : «إنّا نؤمن بنبوّة كلّ موسى وعيسى أقرّ بنبوّةنبيّنا صلىاللهعليهوآله وكافر بنبوّة كلّ من لم يقرّ بذلك»(1) هذا الجواب الأخير المتقدّم منّا،أي طريق العلم بنبوّتهما إنّما هو القرآن.
وعلى هذا فلا وجه لإيراد الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله عليه بأنّ هذالجواب بظاهره مخدوش، لأنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم ليس كلّيّحتّى يصحّ الجواب المذكور، بل شخص واحد وجزئي حقيقي اعترفالمسلمون وأهل الكتاب بنبوّته، فعلى المسلمين إثبات نسخها(2).
نعم، ما احتملناه في معنى الحديث خلاف ظاهر كلامه عليهالسلام .
- (1) هذا مضمون كلامه عليهالسلام لا عينه. راجع عيون أخبار الرضا 1: 157، والاحتجاج 2: 417. م ح ـ ى.
- (2) فرائد الاُصول 3: 261.
(صفحه306)
ج6
في حكم الخاصّ فيما بعد زمان تخصيصه
حكم الخاصّ فيما بعد زمان تخصيصه
التنبيه الحادي عشر: أنّه إذا كان لنا عامّ بحسب الأفراد والأزمان كلتيهما، ثمّخرج عنه بعض الأفراد في بعض الأزمنة، فشكّ في حكم هذا الفرد بالنسبةإلى ما بعد ذلك الزمان، فهل يرجع إلى العموم، أو إلى استصحاب حكمالمخصّص؟
مثال ذلك، أن يقول المولى: «أكرم العلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدالعالم يوم الجمعة» فشككنا في وجوب إكرامه يوم السبت.
نظريّة الشيخ الأنصاري رحمهالله في المسألة
فصّل الشيخ رحمهالله في الرسائل بين ما إذا كان العموم الأزماني استغراقيّا وبينما إذا كان مجموعيّا، ففي الأوّل لابدّ من الرجوع إلى العامّ، لأنّ لزيد في المثالفي كلّ يوم وجوب إكرام مستقلّ، خرج منه يوم الجمعة، والشكّ في خروجيوم السبت من قبيل الشكّ في تخصيص الزائد، ومرجعه العموم، وفي الثانيلابدّ من الأخذ باستصحاب حكم المخصّص، لأنّ لزيد ـ على هذا ـ وجوبإكرام واحد مستمرّ في طول الزمان، فإذا انقطع في زمان فإثباته بعد ذلكالزمان يحتاج إلى دليل غير العامّ الذي انقطع حكمه، فلابدّ من استصحابحكم المخصّص(1).
(صفحه308)
هذا حاصل ما أفاده الشيخ رحمهالله .
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
وقال المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية: لابدّ من ملاحظة المخصّص أيضاً، فإنّالزمان قد يؤخذ فيه ظرفا وقد يؤخذ قيدا، فللمسألة أربع صور:
الاُولى: ما إذا كان العموم مجموعيّا واُخذ الزمان في الخاصّ ظرفا، فالمرجعهو استصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالته، لعدم دلالة للعامّ علىحكمه، لعدم دخوله على حدة في موضوعه، وإنّما كان داخلاً في موضوعهبحسب استمرار حكمه، وقد انقطع الاستمرار بعد مجيء الخاصّ، فإذا شككنفي وجوب إكرام زيد يوم السبت لا يجوز التمسّك بالعامّ، لانقطاع استمرارحكمه بالدليل الدالّ على عدم وجوب إكرامه يوم الجمعة، ولا بالخاصّ، لأنّمورده يوم الجمعة فقط، فلابدّ من التمسّك بذيل الاستصحاب، ونتيجته عدمالوجوب يوم السبت.
هذا إذا كان التخصيص من الوسط، بأن قال ليلة الخميس مثلاً: «أكرمالعلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدا العالم يوم الجمعة» وأمّا إذا كانالخاصّ مخصّصا للعامّ من الأوّل فلابدّ بعد زمان الخاصّ من الرجوع إلىالعامّ، فلو قال ليلة الجمعة: «أكرم العلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدا العالميوم الجمعة» لوجب إكرامه يوم السبت بحكم العامّ، وذلك لأنّ الخاص غيرقاطع لحكم العامّ، فإنّ أوّل زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالة الخاصّ،فلا يكون إثبات الحكم بعده محتاجا إلى دليل غير دليل العامّ.
مثال ذلك في الشرعيّات قوله تعالى: «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»(1) فإنّه عامّ مجموعي
- (1) فرائد الاُصول 3: 274.
ج6
بحسب الزمان، وقد خصّص تارةً بخيار المجلس، واُخرى بخيار الغبن، فإذشككنا في بقاء خيار المجلس بعد الافتراق(1)، فلابدّ من الرجوع إلى عموم«أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ».
لأنّ خيار المجلس كان ثابتا من أوّل البيع، وأمّا إذا شككنا في بقاء خيارالغبن(2) فلا يجوز فيه الرجوع إلى العموم إذا علمنا بالغبن بعد يوم مثلاً وقلنبكون مبدأ الخيار زمان الالتفات إليه؛ لأنّ البيع كان لازما بحكم العامّ قبلالالتفات إلى الغبن، فانقطع استمراره بمجرّد الالتفات، فهاهنا يجرياستصحاب الخيار، ولا يجوز التمسّك بالعامّ.
الثانية: ما إذا كان العموم استغراقيّا واُخذ الزمان في الخاصّ قيدا، فالمرجعهو العامّ بلا كلام، ولا يجري استصحاب حكم الخاصّ وإن فرضنا عدم جوازالتمسّك بالعامّ، وذلك لتغاير القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة، فإنّ القضيّة المتيقّنةهي عدم وجوب إكرام زيد يوم الجمعة، والمشكوكة هي عدمه يوم السبت.
الثالثة: ما إذا كان العامّ مجموعيّا واُخذ الزمان في الخاصّ قيدا، فلا موردللاستصحاب، ولا مجال أيضاً للتمسّك بالعامّ، فلابدّ من الرجوع إلى سائرالاُصول، ففي المثال يجري أصالة البراءة من وجوب الإكرام يوم السبت.
الرابعة: ما إذا كان العامّ استغراقيّا واُخذ الزمان في الخاصّ ظرفا، فلابدّ منالتمسّك بالعامّ، ولكنّه لو فرض عدم دلالة العامّ لكان الاستصحاب مرجعا(3).
هذا حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
- (1) هذا مع قطع النظر عن النصّ الدالّ على لزوم البيع بعد الافتراق، وهو قوله عليهالسلام : «فإذا افترقا وجب البيع».وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4. م ح ـ ى.
- (2) وذلك مثل أن يقع البيع ثمّ علم بالغبن بعد يوم، لكنّه لم يفسخ فورا، ثمّ شكّ في بقاء الخيار، لاحتمالكونه فوريّا. م ح ـ ى.