نعم، لو كان عدم كلّ منهما في زمان الآخر موضوعا للأثر لتعارضالاستصحابان وتساقطا، كما في مجهولي التاريخ.
إذا كان الأثر مترتّبا على وجود الحالتين المتضادّتين، وشكّ في المتقدّم منهما،كما لو تيقّن الحدث والطهارة وشكّ في المتقدّم منهما، فاختلفوا في حكمه:
وذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى عدم جريان الاستصحاب أصلاً، لعدمإحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين، لأنّا إذا أردنا استصحاب الطهارة مثلنحتمل وقوع الحدث بعدها، فيكون من قبيل نقض اليقين باليقين، ووقوعهقبلها، فيكون من قبيل نقض اليقين بالشكّ، فلم يحرز كونه مصداقا لدليلالاستصحاب، وكذلك إذا أردنا استصحاب الحدث، فلا يجري الاستصحابفي المقام، لاختلال أركانه، فلابدّ من تحصيل الطهارة، لقاعدة الاشتغال(1).
كلام المحقّق الحلّي والإمام الخميني في المقام
وقال المحقّق في المعتبر: نحكم على ضدّ الحالة السابقة عليهما، فإن كانتطهارة نحكم بكونه محدثا، وإن كانت حدثا نحكم بكونه متطهّرا(1).
واختاره سيّدنا الاُستاذ الإمام«مدّ ظلّه» في مجهولي التاريخ، وفصّل فيما إذا كانتاريخ أحدهما معلوما بأنّه إن كان معلوم التاريخ هو ضدّ الحالة السابقةفكالمحقّق، وإلاّ فكالمشهور، وإن ينطبق المسألتان نتيجةً أحيانا(2).
ومنه يعلم أنّ للمسألة صورتين:
إحداهما: ما إذا لم يعلم الحالة السابقة، ففيها قولان: قول المشهور بجريانالاستصحابين وتساقطهما بالتعارض، وقول المحقّق الخراساني رحمهالله بعدم الجريان،لاختلال أركانه، ونتيجة القولين في هذه الصورة واحدة، وهي لزوم تحصيلالطهارة، لقاعدة الاشتغال، وإن كان ملاكه على ما ذهبنا إليه تعارضالاستصحابين، وعلى ما ذهب إليه المحقّق الخراساني عدم جريانهما.
الثانية: ما إذا علم الحالة السابقة، وفيها ثلاثة أقوال: قول المشهور، وقولالمحقّق الخراساني، وقول المحقّق الحلّي بالحكم على ضدّ الحالة السابقة.
بيان الحقّ في موارد الجهل بتاريخ الحالتين المتضادّتين
ولابدّ قبل التحقيق في المسألة من ذكر اُمور مقدّمةً:
أ ـ أنّ البحث فعلاً في مجهولي التاريخ، وأمّا ما إذا كان تاريخ أحدهما معلومفسيأتي البحث فيه.
ب ـ أنّ البحث فيما إذا كانت الحالة السابقة على الحالتين مساوية في الأثرمع إحدى الحالتين العارضتين، فإن كان الحدث العارض حدثا أصغر مثل
- (1) المعتبر في شرح المختصر 1: 170.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 200.
(صفحه296)
كان السابق أيضاً كذلك، وإن كان حدثا أكبر كان السابق أيضاً أكبر.
نعم، لا يعتبر الوحدة النوعيّة، فإن كان السابق بولاً والعارض نوما مثلكفى.
ج ـ أنّهم اتّفقوا في أنّ الحدث أمر واحد له أسباب كثيرة، وإذا تعاقب اثنانمنها أو أكثر كان الأثر الفعلي للمتقدّم منها، فإذا كان متطهّرا ثمّ خرج منهالبول ثمّ الريح من دون أن يتوضّأ بينهما كان البول ناقضا للطهارة السابقةوموجبا عليه طهارة جديدة، وأمّا الريح فلا يكون له أثر فعلي هاهنا. نعم، لهاقتضاء التأثير، بمعنى أنّه لو حدث عقيب الطهارة لكان مؤثّرا.
لا يقال: دعوى الاتّفاق على ذلك ممنوعة، لأنّهم اختلفوا في أنّ القاعدة فيالأسباب المتعاقبة هل هي التداخل أو عدمه؟
فإنّه يقال: نعم، ولكنّهم اتّفقوا في خصوص الطهارة والحدث أنّ التأثيرالفعلي لا يكون إلاّ للسبب الأوّل.
إذا عرفت هذا فنقول:
الحقّ ما ذهب إليه المحقّق رحمهالله في المعتبر، لأنّ المكلّف إذا كان محدثا في أوّلالنهار فعلم بحدوث طهارة وحدث بين النهار وشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهميكون استصحاب الطهارة المتيقّنة مما لا إشكال فيه، ولا يجري استصحابالحدث، أمّا الحدث السابق فلكونه مقطوع الزوال، وأمّا اللاحق فلأنّ أمرهدائر بين حدوثه قبل الطهارة وبعدها، وعلى الاحتمال الأوّل لا تأثير له أصلاً،وإنّما هو مؤثّر على الاحتمال الثاني، والعلم الإجمالي لا يكون منجّزا إلاّ فيما إذكان مؤثّرا على جميع أطرافه، مثلاً إذا كان لنا إنائان: أحدهما نجس، والآخرطاهر، ثمّ تيقّنّا بوقوع قطرة من الدم في أحدهما إجمالاً يجري استصحابطهارة ما كان طاهرا، لعدم تأثير العلم الإجمالي لو وقعت في الإناء النجس.