(صفحه86)
جواب الشيخ الأعظم ـ القائل باختصاص حجّيّة الاستصحاب بالشكّ فيالرافع ـ من عدم تسليم كون اليقين في أخبار الاستصحاب بمعنى المتيقّن، بلهو بمعناه، وإسناد النقض بلحاظ إضافته وتعلّقه بالخارج، فإنّ له بهذا اللحاظإبراماً واستحكاماً، كالحبل المبرم.
والحاصل: أنّ المراد باليقين في قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» على مذهب إليه المحدّث الكاشاني هو المتيقّن، والمراد به على الاستصحاب هو نفساليقين، ولا يجوز إرادتهما معاً وإن قلنا بكون اللام للجنس، لعدم الجامع بينهما.
كلام المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في معنى الحديث
ومنها: ما أفاده بعض الأعلام، وهو أنّ المراد من اليقين في قوله: «لا ينقضاليقين بالشكّ» هو اليقين بعدم الركعة الرابعة، فهو دليل على حجّيّةالاستصحاب.
إن قلت: إنّ الاستصحاب يقتضي لزوم اتّصال الرابعة إلى الركعات الماضية،وهذا مخالف للمذهب الحقّ.
قلت: لزوم الاتّصال إنّما كان فيما إذا كان عدم إتيان الرابعة متيقّناً، وأمّلو كان إتيانها مشكوكاً ولم يؤتَ بها لزم الانفصال.
وبالجملة: موضوع الاتّصال هو العلم بعدم إتيان الرابعة، وموضوعالانفصال ـ أعني صلاة الاحتياط ـ مركّب من جزئين: أحدهما: الشكّ فيإتيان الرابعة، والثاني: عدم إتيانها، والشاهد على كون عدم الإتيان بها جزءًلموضوع صلاة الاحتياط أنّه لو صار بعد الصلاة قاطعاً بكونها كاملة لا تجبعليه صلاة الاحتياط، فعلم من هذا أنّ مجرّد الشكّ في إتيان الرابعة لم يكف
ج6
لوجوب صلاة الاحتياط، بل هو أحد جزئي الموضوع، والجزء الآخر هونفس عدم الإتيان بها، والموضوع بكلا جزئيه في المقام موجود، أمّا الشكّ فيإتيان الرابعة فواضح، وأمّا عدم الإتيان بها فلأجل الاستصحاب، وبعبارةاُخرى: تحقّق الجزء الأوّل وجداني، والثاني تعبّدي يقتضيه الاستصحاب،فيترتّب حكمه، وهو وجوب الانفصال.
وحينئذٍ كان مفاد قوله: «لا يُدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهمبالآخر» انفصال الركعة، أعني إتيانها بنحو صلاة الاحتياط، ولا إشكال فيه.
والحاصل: أنّ الرواية تدلّ على حجّيّة الاستصحاب، وتدلّ أيضاً علىالمذهب الحقّ(1).
نقد نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» حول الرواية
ويرد عليه إشكالان:
أ ـ أنّه«مدّ ظلّه» استشكل آنفاً(2) على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله في معنىالرواية بأنّ الجمع بين استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة وبين إطلاقالرواية من جهة الإتيان بها متّصلة أو منفصلة ممّا لا ينبغي، لأنّ الاستصحابيقتضي الاتّصال، فأين الإطلاق؟!
هذا ما أورده على المحقّق الخراساني، وهو ينافي ما اختاره هنا في معنىالرواية، لعدم تصوّر الجمع بين كون الاستصحاب تمام الموضوع لاتّصالالركعة المشكوكة وبين كونه جزء الموضوع لانفصالها.
ب ـ أنّ الشكّ موضوع الاستصحاب، لأنّ الاستصحاب المستفاد من قوله:
(صفحه88)
«لا ينقض اليقين بالشكّ» حكم مترتّب على اليقين والشكّ، فلا يكون الشكّفي رتبة الاستصحاب، بل هو مقدَّم عليه، لأجل تقدّم الموضوع على حكمه،فكيف يمكن أن يكونا في رتبة واحدة حتّى يصحّ كون كلّ منهما جزءً لموضوعصلاة الاحتياط؟
وبعبارة اُخرى: يلزم أن يكون الشكّ مقدَّماً على الاستصحاب من حيثكونه موضوعاً له، وفي عرضه من حيث كونهما جزئين لموضوع يترتّب عليهانفصال الركعة.
حقّ القول حول الرواية
والذي يخطر ببالي في معنى الرواية: أنّها ظاهرة في المذهب الحقّ وليس فيهتقيّة أصلاً، والشاهد على هذا ما أشرنا إليه من أنّه عليهالسلام لو كان في مقام التقيّةلوجب عليه الاكتفاء في الجواب بقدر الضرورة، فكيف ذكر الإمام عليهالسلام الفرعالثاني ـ وهو الشكّ بين الثلاث والأربع ـ ثمّ أجاب عنه أيضاً تقيّة مع عدمكونه مرتبطاً بسؤال زرارة؟! فهذا دليل على كونه عليهالسلام في مقام بيان الحكمالواقعي، لا في مقام التقيّة.
وأمّا قوله عليهالسلام : «يركع ركعتين إلخ» عقيب سؤال زرارة لا يكون ظاهراً فيالتقيّة أصلاً، بل ظاهر في المذهب الحقّ، لظهور قوله: «بفاتحة الكتاب» في تعيّنالفاتحة، وقول الشافعي وأحمد بتعيّنها في جميع الركعات لا يوجب ظهورها فيالتقيّة، لأنّها كانت متعيّنة أيضاً في صلاة الاحتياط.
وكذلك قوله: «قام فأضاف إليها اُخرى» لا يكون أيضاً ظاهراً في الاتّصالتقيّةً وإن قلنا بظهوره فيه سابقاً(1) تبعاً للقوم، وذلك لأنّ الظاهر تعيّن الفاتحة
ج6
فيها بقرينة تعيّنها في الركعتين في الفرع الأوّل، وهذا يقتضيه وحدة السياق،هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ لقوله: «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث»مصاديق: واحد منها عروض الشكّ عليه حال كونه قائماً، فما معنى قوله: «قامفأضاف إليها اُخرى»؟ وهل هذا إلاّ الأمر بتحصيل الحاصل لو كان القيامبمعناه المعروف؟
فمن هنا نستكشف أنّ القيام هاهنا ليس بمعناه المعروف، بل بمعنى الفراغ منالصلاة والشروع في عمل آخر، وهو صلاة الاحتياط.
وأمّا قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ ولا يُدخل الشكّ في اليقين ولا يخلطأحدهما بالآخر» اُريد بكلّ من هذه الجمل الثلاث جريان الاستصحابوإفادة حجّيّته.
والشاهد على هذا ورود التعبير بالجملة الثانية في بعض أخبارالاستصحاب، فإنّه عليهالسلام كتب في جواب السؤال عن اليوم الذي يشكّ فيه منرمضان هل يصام أم لا؟: «اليقين لا يدخل فيه الشكّ، صم للرؤية وأفطرللرؤية»(1).
هذا أوّلاً.
وثانياً: لو كان قوله: «لا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر»لبيان قاعدة اُخرى غير الاستصحاب للزم الفصل بين قوله: «لا ينقض اليقينبالشكّ» وبين قوله: «ولكنّه ينقض الشكّ باليقين» وهما مرتبطانبالاستصحاب، بالأجنبيّ، بخلاف ما إذا كان جملة «لا يدخل» و«لا يخلط»
- (1) وسائل الشيعة 10: 255، كتاب الصوم، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.
(صفحه90)
لبيان حجّيّة الاستصحاب، فإنّهما لم تكونا أجنبيّتين.
وحينئذٍ كان الشكّ في جميع الجمل بمعنى واحد، وهكذا اليقين، فلا يلزمتفكيك الجمل المشتملة عليهما بالنسبة إلى معناهما.
وجه انفصال صلاة الاحتياط
بقي سؤال الجمع في الرواية بين استصحاب عدم الركعة المشكوكة وبينالحكم بإتيانها منفصلةً.
والجواب عنه أنّه تعبّد، يعني أصل وجوب الإتيان بها يستفاد مناستصحاب عدم إتيانها، وأمّا لزوم كونها منفصلةً فهو تعبّد محض، وإن كانمقتضى الاستصحاب هو الاتّصال لو لم يكن هذا التعبّد.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ الرواية ظاهرة في حجّيّة الاستصحاب معكونها ظاهرة في بيان المذهب الحقّ أيضاً.