(صفحه178)
أحدهما: أنّ الشكّ في البقاء لا يعتبر في جريان الاستصحاب.
إن قلت: فلم عرّفته بإبقاء ما كان؟
قلت: هذا التعريف مختصّ بالاُمور القارّة ولا يشمل جميع مواردالاستصحاب، فلا إشكال في عدم صدقه في الزمان والزمانيّات المتصرّمة.
ثانيهما: أنّ الشكّ في البقاء وإن لم يتصوّر حقيقةً عند العرف في الزمانونحوه من الاُمور غير القارّة، إلاّ أنّه يتصوّر عند هم مسامحةً، وهذا كافٍ فيجريان الاستصحاب، فإنّ الشكّ في البقاء المعتبر فيه أعمّ من الحقيقيوالمسامحي.
هذا حاصل ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري رحمهالله (1).
بيان الحقّ في المسألة
والتحقيق يقتضي البحث في مقامين: أ ـ أنّه هل يعتبر الشكّ في البقاء أم لا؟ب ـ أنّه على فرض الاعتبار هل يجري الاستصحاب في الزمان وسائرالمتصرّمات أم لا؟
البحث حول توقّف الاستصحاب على الشكّ في البقاء
أمّا المقام الأوّل: فالحقّ فيه أنّ الشكّ في البقاء معتبر في الاستصحابومستفاد من الأدلّة، وذلك لأنّ أخبار الباب وإن لم تصرّح عليه، إلاّ أنّمقتضى الكبرى المجعولة وهي قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» أنّاليقين الفعلي لا ينقض بالشكّ الفعلي، ولازمه أن يكون هنا شكّ فعلي متعلّق
- (1) هذا بناءً على ما نقله عنه الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في الرسائل، مبحث الاستصحاب: 151، لكنّ الشيخ رحمهالله ردّه بقوله: «إلاّ أنّ هذا المعنى على تقدير صحّته والإغماض عمّا فيه». راجع فرائدالاُصول 3: 204. م ح ـ ى.
ج6
بعين ما تعلّق به اليقين الفعلى، ولا يتصوّر ذلك إلاّ بأن يكون الشكّ في بقاء معلم وجوده سابقا، إذ تعلّق اليقين والشكّ الفعليّين بالشيء الواحد حتّى منحيث الزمان محال كما هو واضح.
فقوله عليهالسلام : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لكأن تنقض اليقين بالشكّ أبدا» يدلّ على الشكّ في بقاء الطهارة، فكيف يقال: ليستفاد ذلك من الأخبار؟!
جريان الاستصحاب في الزمان ومثله
وأمّا المقام الثاني: فالحقّ أنّ الاستصحاب يجري في الزمان ومثلهـ كالحركة ـ إذ البقاء يتصوّر فيهما عرفا وعقلاً.
أمّا عرفا: فلأنّا لا نريد باستصحاب الزمان استصحاب نفس عنوان«الزمان» أو الجزء الذي انقضى منه، فإنّ الأوّل متيقّن البقاء والثاني متيقّنالارتفاع، على أنّه ليس لهما أثر شرعي، بل المراد من الزمان في المقام ما جعلاسما لمجموعة من أجزاء الزمان، كعنوان «اليوم» و«الليل» و«الاُسبوع»و«الشهر» و«السنة»، ولا ريب في أنّ العرف يرون أنّ «اليوم» مثلاً إذا وجديكون باقيا إلى الليل، و«الليل» يكون باقيا إلى اليوم، فلا إشكال في صدقالبقاء عرفا على استمرار النهار والليل، وكذا الحركات، فإذا تحرّك شيء تكونحركته موجودةً باقيةً عرفا إلى انقطاعها بالسكون.
وأمّا عقلاً: فلأنّ الحركة القطعيّة ـ التي هي عبارة عن كون الشيء بين المبدوالمنتهى، بحيث له نسبة إلى حدود المسافة المفروضة التي كلّ واحد منها فعليّةللقوّة السابقة وقوّة للفعليّة اللاحقة، من حدّ يتركه ومن حدّ يستقبله ـ وجودمستمرّ متدرّج وإن كان نحو وجودها متصرّما متقضّيا، فما دام المتحرّك
(صفحه180)
متحرّكا تكون الحركة متحقّقةً باقيةً بعين شخصيّتها المتدرّجة، ولكلّ موجودنحو وجود خاصّ به يكون عدمه بعدم هذا الوجود، لا الوجود الغير اللائقبه، فالحركة والزمان يكون نحو وجودهما اللائق بهما هو الوجود المتصرّمالمتجدّد، لا الوجود الثابت، فالحركة القطعيّة أمر ممتدّ مستمرّ باقٍ بالامتدادالتصرّمي والاستمرار التغيّري والبقاء التجدّدي.
وأمّا الحركة التوسّطيّة ـ التي هي عبارة عن كون الشيء في كلّ آنفي حدّ(1) أو مكان(2) ـ فهي مجرّد تصوّر ولا وجود لها في الخارج، لأنّهتستلزم الجزء اللا يتجزّي وتتالي الآنات ولا يمكن الالتزام بهما كما حقّقفي محلّه.
فالحركة التوسّطيّة والآن السيّال ممّا لا وجود لهما، بل ما هو الموجود هوالحركة القطعيّة والزمان، لكن نحو وجودهما يكون بالامتداد التصرّميوالاستمرار التجدّدي، فالشكّ في البقاء يتصوّر في الزمان والحركة عرفوعقلاً، وإن كان تصوّره عند العرف كافيا في جريان الاستصحاب فيهما، إذالملاك في فهم كلمات الشارع ـ التي منها أخبار الاستصحاب ـ هو نظر العرف،لا العقل كما قلنا كرارا.
والمحقّق الخراساني رحمهالله عرّف الحركة القطعيّة بـ «كون الشيء في كلّ آن فيحدّ أو مكان» والتوسّطيّة بـ «كونه بين المبدأ والمنتهى» وجعل النزاع في الثانيةمنهما لا الاُولى(3).
لكن تعريفهما بهذين التعريفين عكس ما هو المشهور بين الفلاسفة(4).
- (1) هذا في غير الحركة الأينيّة، كالكمّيّة والكيفيّة والجوهريّة على القول بها. م ح ـ ى.
- (2) هذا في الحركة الأينيّة. م ح ـ ى.
- (4) راجع نهاية الحكمة: 255.
ج6
فالحقّ في تعريفهما ما تقدّم منّا آنفا.
وكيف كان، فلا إشكال في جريان الاستصحاب في الزمان والحركة منجهة اشتراطه بالشكّ في البقاء.
مناقشة الشيخ رحمهالله في استصحاب المتصرّمات
إنّما الإشكال فيما أفاده الشيخ الأعظم رحمهالله وتبعه غيره، من أنّ استصحاببقاء النهار أو الليل لا يثبت كون الجزء المشكوك فيه متّصفا بكونه من النهارأو من الليل حتّى يصدق على الفعل الواقع فيه أنّه واقع في الليل أو النهار إلعلى القول بالأصل المثبت(1).
وبالجملة: استصحاب بقاء الليل والنهار لا يثبت وقوع فعل المكلّف فيهما؛لأنّه لازم عقلي، مع أنّ الأثر للفعل الواقع فيهما، لأنّ الشارع حكم بوجوبالإمساك في النهار مثلاً.
ولأجل هذا الإشكال عدل الشيخ رحمهالله عن استصحاب الزمان إلىاستصحاب الحكم المترتّب عليه، كاستصحاب وجوب الإمساك المترتّب علىالنهار وجواز الأكل المترتّب على الليل، وكعدم تحقّق حكم الصوم والإفطارعند الشكّ في هلال رمضان أو شوّال(2).
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله عنه بوجه آخر، وهو التمسّك باستصحابمتعلّق الحكم، فيقال: إنّ الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار، والآنكما كان، فيجب(3).
نقد كلام الشيخ الأنصاري والمحقّق الخراساني رحمهماالله في المقام
- (1) فرائد الاُصول 3: 203.
- (2) فرائد الاُصول 3: 205.
(صفحه182)
ويرد على ما ذهب إليه الشيخ رحمهالله أنّ المشكوك هو بقاء الزمان، أعنيالنهار مثلاً، وأمّا الحكم، أعني وجوب الإمساك فيه، فلا شكّ فيه وإن انقضىالنهار، ألا ترى أنّك كلّما التفتَّ إلى نهار شر رمضان كان وجوب الإمساك فيهمتيقّنا لك؟ فكيف يمكن أن يتحقّق الشكّ في وجوب الإمساك في نهاررمضان؟
وبعبارة اُخرى: استصحاب الحكم لا يثبت موضوعه، لتأخّر الحكم عنموضوعه رتبةً، فكيف يمكن إثبات كون الإمساك في النهار باستصحابحكمه؟
وأمّا ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله فلا إشكال فيه بالنسبة إلى مسألةالإمساك، ولكنّه لا يجري في جميع الموارد، لأنّا إذا شككنا في بقاء النهار حتّىيجب علينا صلاة الظهر والعصر أداءً، أو عدم بقائه حتّى لا تجب كذلك، ليمكن استصحاب كون الصلاة في الوقت، لعدم وقوعها قبل زمان الشكّ أصلاً.
اللّهمّ إلاّ أن يتمسّك بذيل الاستصحاب التعليقي، بأن يقال: إنّ الصلاة لووقعت قبل هذا الآن لوقعت في الوقت، والآن كما كان، فتجب أداءً.
لكنّ التحقيق عدم جريان الاستصحاب التعليقي، سيّما إذا كان التعليق فيالموضوع لا الحكم، فما أفاده المحقّق الخراساني غير تامّ في جميع موارداستصحاب الزمان.
الحقّ في دفع الإشكال
ويمكن أن يجاب عن الإشكال بأنّ مورد الصحيحة الاُولى لزرارة نظير منحن فيه، لأنّ الإمام عليهالسلام استصحب الطهارة بقوله: «وإلاّ فإنّه على يقين منوضوئه، و لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» مع أنّه لا يثبت وقوع الصلاة في