في الاستصحاب التعليقي
الاستصحاب التعليقي
التنبيه الخامس: هل يجري الاستصحاب التعليقي مطلقا، أو لا يجريكذلك، أو يجري فيما إذا كان التعليق في الحكم دون الموضوع، أو فيما إذا كانالتعليق شرعيّا دون غيره؟ وجوه، بل أقوال:
ولا بدّ قبل بيان ما هو الحقّ في المسألة من تحرير محلّ النزاع، فنقول:
إنّ محلّ النزاع في الاستصحاب التعليقي ـ كما قال سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه»(1) في مقامين: أ ـ أنّ تعليقيّة الحكم أو الموضوع هل توجب خللاً في أركانالاستصحاب وشرائط جريانه أم لا؟ ب ـ أنّه على فرض جريانالاستصحاب التعليقي هل يكون مفيدا ومنتهيا إلى العمل أم لا؟ لابتلائهبالمعارضة دائما.
فلابدّ من تركيز البحث على هاتين الجهتين.
وأمّا قضيّة بقاء الموضوع وعدمه فهي خارجة عن محطّ البحث وموردالإبرام والنقض، فما قيل من أنّ العنب إذا صار زبيبا لا يجري استصحابحرمته على تقدير الغليان، لكونهما موضوعين مختلفين، خارج عن محلّالنزاع، إذ بقاء الموضوع شرط في الاستصحابات التنجيزيّة أيضاً، ولا يبحث
- (1) راجع الرسائل، مبحث الاستصحاب: 164.
(صفحه200)
في المقام إلاّ عن أنّ نفس التعليقيّة هل توجب عدم جريان الحرمة التعليقيّة أملا؟ وأمّا أنّ العنب والزبيب هل هما شيئان أو شيء واحد والعنبيّة والزبيبيّةحالتان له فللبحث عنه محلّ آخر.
إذا عرفت محلّ النزاع فلابدّ من تقديم أمرين حتّى يتّضح ما هو الحقّ فيالمسألة:
الوجوه المحتملة في التعليقات الشرعيّة
الأوّل: أنّ التعليقات الواقعة في لسان الشارع ـ كقوله: «إذا كان الماء قدر كرّلم ينجّسه شيء»(1) وقوله: «إذا غلى العصير العنبي يحرم»(2) ـ تحتمل ثبوتلاُمور: منها: أن يكون التعليق للحكم كما قال به المشهور في الواجبالمشروط من أنّ القيد راجع إلى الهيئة لا إلى المادّة، فإذا قلنا: «إن جائك زيدفأكرمه» يكون المجيء قيدا للوجوب لا للإكرام، ومنها: أن يكون تعليقللموضوع كما قال به الشيخ رحمهالله في الواجب المشروط من أنّ القيد راجع إلىالمادّة لا إلى الهيئة، فعلى الأوّل يكون المجعول في مثال العصير حرمته علىتقدير الغليان، وفي مثال كرّيّة الماء الاعتصام على تقدير الكرّيّة، وعلى الثانييكون المجعول فيهما هو الحرمة المتعلّقة بالعصير المغليّ والاعتصام المتعلّق بالماءالبالغ حدّ الكرّ، ومنها: أن يجعل سببيّة المعلّق عليه للمعلّق، فيكون مفادالقضيّتين أنّ الغليان سبب للحرمة والكرّيّة سبب للاعتصام، ومنها: أن يجعلالملازمة بين الكرّيّة والاعتصام وبين الحرمة والغليان من دون أن يكون بينهمتقدّم وتأخّر، بخلاف السببيّة، فإنّ السبب مقدّم على المسبّب رتبةً.
- (1) وسائل الشيعة 1: 158، كتاب الطهارة، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 2.
- (2) ورد مضمونه في وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة والأشربة، الباب 3 من أبواب الأشربةالمحرّمة، الحديث 4.
ج6
لا يقال: لا يتصوّر جعل السببيّة والملازمة.
فإنّه يقال: ما لا يمكن جعله هو السببيّة والملازمة التكوينيّة، وأمّا السببيّةوالملازمة الاعتباريّة التشريعيّة فلا إشكال في إمكان جعلهما الشرعي، فهذالقائل(1) خلط بين التكوين والتشريع كما تقدّم في مبحث الأحكام الوضعيّة.
والحاصل: أنّ التعليق يحتمل ثبوتا أربعة اُمور: جعل الحكم معلّقا علىشيء، وجعله متعلّقا بموضوع معلّق عليه، وجعل السببيّة للمعلّق عليه، وجعلالملازمة بينه وبين المعلّق.
نعم، تسمية الأخيرين تعليقا في غير محلّه، لأنّ الشارع إذا قال: «الغليانسبب للحرمة» أو «ملازم لها» كان قضيّة تنجيزيّة لا تعليقيّة كما هو واضح،فالفرضان الأخيران خارجان عن محلّ النزاع، لعدم التعليق فيهما.
اختصاص النزاع بالتعليقات الشرعيّة
الثاني: أنّ التعليق قد يكون في كلام الشارع ويعبّر عنه بالتعليق الشرعي،كما إذا قال: «إذا غلى العنب يحرم» و«إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» وقدلا يكون في كلامه، لكنّ العقل بعد ملاحظته يحكم بالتعليق، ويعبّر عنهبالتعليق العقلي، كما إذا ورد أنّ «العنب المغليّ حرام» وأنّ «الماء البالغ حدّالكرّيّة لا ينجّسه شيء» و أنّ «الماء البالغ مساحته ثلاثة أشبار ونصف طولوعرضا وعمقا كرّ» ثمّ العقل بعد ملاحظة هذا الكلام يحكم بأنّ العنب إذا غلىيحرم، وأنّ الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شيء، ويحكم أيضاً على الماء البالغثلاثة أشبار في أبعاده الثلاثة بأنّه إذا زيد عليه نصف شبر في كلّ من أبعادهيصير كرّا، لكنّه ليس من التعليق الشرعي، بل هو تعليق يدركه العقل من
- (1) هو المحقّق النائيني كما تقدّم في ص132.