(صفحه208)
المعلول بانتفاء علّته كانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، غايته أنّه في الموضوعيدور بقاء الحكم أيضاً مدار بقاء الموضوع وفي العلّة يمكن أن يكون علّةللحدوث فقط، فالاستصحاب التعليقي لا يجري على كلّ حال(1)،إنتهى كلامه رحمهالله .
وجه الضعف أنّ النجاسة والحرمة الفعليّة تتوقّف على الغليان، لا النجاسةوالحرمة التعليقيّة، فإنّهما معلولتان لجعل الشارع لا للغليان، فإذا قال الشارع:«العنب إذا غلى يحرم وينجس» ثبتت الحرمة والنجاسة التعليقيّة وإن لم يغلبعدُ.
وفي كلام المحقّق النائيني رحمهالله مواضع اُخر للنظر أعرضنا عنها حذرا منالتطويل.
نظريّة الشيخ الأنصاري رحمهالله في المقام
والشيخ الأعظم رحمهالله حيث ذهب إلى رجوع القيود إلى المادّة أنكر جريانالاستصحاب التعليقي، لأنّ معنى الاستصحاب التعليقي هو استصحاب الحكمالتعليقي، وليس لنا حكم تعليقي على مبناه كي نستصحبه.
ولأجل ذلك سلك في المقام مسلكا آخر، وهو إجراء استصحاب تنجيزيينتج نتيجة الاستصحاب التعليقي حيث تمسّك باستصحاب سببيّة المعلّق عليهللمعلّق، أو استصحاب الملازمة بينهما، فنقول: الغليان سبب لحرمة العنبالمغليّ، وبعد صيرورته زبيبا نشكّ في بقاء السببيّة، فيجري استصحابها، أونقول: حرمة العنب لازم لغليانه، وبعد صيرورته زبيبا نشكّ في بقاء الملازمةبينهما، فيجري استصحابها(2).
- (1) فوائد الاُصول 4: 467، التعليقة 1.
ج6
هذا حاصل ما أفاده الشيخ رحمهالله في الرسائل.
البحث حول نظريّة الشيخ الأنصاري رحمهالله في المسألة
أقول: قد عرفت أنّ في كون السببيّة ونحوها مجعولةً شرعا ثلاثة أقوال(1):
الأوّل: ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من عدم إمكان جعلها أصلاً، فعليه ليجري استصحاب السببيّة ونحوها كما لا يجري الاستصحاب التعليقي علىزعمه.
الثاني: ما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» ـ وهو الحقّ ـ منإمكان جعلها بنحو الاستقلال، بل وقوعه كذلك في لسان الشرع، فإنّ قولهتعالى: «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» ظاهر في جعل البيع سببا للملكيّة، فإنّ الحلّيّة فيهظاهرة في الحكم الوضعي لا التكليفي، أي أمضى اللّه البيع وجعله سببللملكيّة.
وعليه فلا إشكال في جريان استصحاب السببيّة ونحوها إلاّ أنّ قولنا: «إنجائك زيد فأكرمه» وقول الشارع: «العنب يحرم إذا غلى» ظاهر في جعلالحكم التكليفي، لا الوضعي، ولا كليهما، وأمّا لو كانت لنا قضيّة شرطيّةشرعيّة ظاهرة في جعل الشرط سببا للمشروط فلا مانع من جرياناستصحابه عند الشكّ في بقائه.
وأورد عليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» بأنّ استصحاب السببيّةمثبت، إذ لا أثر له إلاّ ترتّب المسبّب عند وجود السبب، وهو حكم العقل،مثلاً لو كان غليان العنب سببا لحرمته فعند تحقّق الغليان يحكم العقل بترتّب
- (1) فرائد الاُصول 3: 221.
(صفحه210)
الحرمة عليه، فكيف يستصحب السببيّة عند الشكّ فيها لأجل أثر عقلي، أوشرعي مترتّب عليه؟!
ويمكن الجواب عنه بأنّ المستصحب إذا كان من المجعولات الشرعيّة فقدعرفت(1) أنّه يترتّب عليه آثاره العقليّة والشرعيّة المترتّبة عليها، كما يترتّبعليها الآثار الشرعيّة بلا واسطة، ألا ترى أنّا لو استصحبنا وجوب صلاةالجمعة يترتّب عليه وجوب الإطاعة مع كونه حكما عقليّا؟
الثالث: ما ذهب إليه الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله من كون السببيّة وأمثالهمجعولةً تبعا للتكاليف، فلا يمكنه إجراء استصحابها مع قوله رحمهالله برجوع القيد فيالقضيّة الشرطيّة دائما إلى المادّة، لا إلى الهيئة، يعني رجوعه إلى الموضوع، لإلى الحكم، إذ لا منشأ لانتزاع السببيّة بناءً على رجوع القيد إلى المادّة، فإنّالمولى إذا قال: «إن جائك زيد فأكرمه» ثمّ صار العبد شاكّا في بقاء وجوبإكرامه عقيب مجيئه لأنّه كان صديقا للمولى عند صدور الحكم ثمّ زالصداقته، لم يكن المجيء شرطا لوجوب الإكرام على مذهب الشيخ رحمهالله كيينتزع سببيّته له ويجري استصحابها عند الشكّ في بقائها.
إن قلت: لعلّه قال بمقالة المحقّق النائيني رحمهالله من كون الموضوع في مثل هذهالقضيّة مركّبا من جزئين، وهما الشرط والمشروط، فكأنّه قال: «زيد الجائييجب إكرامه» والموضوع يكون بمنزلة العلّة للحكم، فلا إشكال في انتزاعالسببيّة.
قلت: هذا لا يختصّ بالقضايا التعليقيّة، فإنّ نسبة الموضوع إلى الحكم فيالقضايا التنجيزيّة أيضاً كنسبة العلّة إلى المعلول، فإنّ الخمر في قول الشارع:«الخمر حرام» علّة للحرمة، فكيف خصّ رحمهالله استصحاب السببيّة إلى القضاي
ج6
التعليقيّة ولم يقل بجريانها في القضايا التنجيزيّة؟
وبالجملة: لا يمكن الجمع بين إنكار الواجب المشروط والحرامالمشروط والقول بكون السببيّة وأمثالها منتزعة عن التكليف وإجراءاستصحابها عند الشكّ في بقائها كما جمع الشيخ الأعظم رحمهالله بين هذه الاُمورالثلاثة.
ثمّ استشكل المحقّق النائيني رحمهالله عليه بوجه آخر، وهو أنّه لا يمكن تحقّقالشكّ في بقاء السببيّة عند تمام الموضوع أصلاً، لأنّها مقطوع البقاء حينئذٍ، فلمجال لاستصحابها، وإن أراد الشكّ لأجل احتمال النسخ فهو غير الاستصحابالتعليقي(1).
وأجاب عنه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» بأنّ غليان العنب مثلوإن كان سببا في حرمته ولا شكّ في بقاء الحكم عند تمام الموضوع،ضرورة عدم الشكّ في حرمة العصير العنبي المغليّ، إلاّ أنّ الشكّ في العصيرالزبيبي، وليس منشأه الشكّ في نسخ الحكم الأوّل، بل في أنّ العنبيّةهل هي واسطة في الثبوت أو العروض(2)؟ وبعبارة اُخرى: إنّ سببيّةالغليان للحرمة هل هي مجعولة بنحو تدور مدار العنبيّة أم لا؟ وفي مثلهلا يكون الشكّ في النسخ، ولعمري إنّ هذا بمكان من الوضوح، تدبّر(3)،إنتهى كلامه«مدّ ظلّه».
- (1) فوائد الاُصول 4: 472.
- (2) الواسطة في الثبوت: هي علّة ثبوت العرض حقيقةً لمعروضه، سواء كان العرض قائما بها أيضاً، كالناروالشمس العلّتين لثبوت الحرارة للماء، أم لا، كالحركة التي هي علّة لعروض الحرارة على الجسم.
والواسطة في العروض: هي التي يقوم بها العرض حقيقةً، وينسب إلى ذيها عناية ومسامحة من قبيلوصف الشيء بحال متعلّقه، كالسفينة الواسطة في نسبة الحركة إلى الجالس فيها، فإنّ الحركة صفةللسفينة حقيقةً، ويتّصف بها من جلس فيها بالعناية والمجاز. م ح ـ ى.
- (3) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 169.
(صفحه212)
و حاصله: أنّ منشأ الشكّ هو أنّ عنوان «العنب» ـ فيما إذا قال الشارع:«العنب إذا غلى يحرم» ـ هل اُخذ بنحو الموضوعيّة، أي كان واسطة فيالعروض وتمام الحيثيّة الدخيلة في الحكم بحيث يكون الحكم حدوثا وبقاءًتابعا له، فينتفي الحكم عند تبدّل عنوان «العنب» إلى عنوان «الزبيب»، أوبنحو العلّيّة والواسطة في الثبوت التي تؤثّر في حدوث الحكم لا في بقائه، فيبقىالحكم حتّى فيما إذا تبدّل العنبيّة إلى الزبيبيّة.
البحث حول معارضة الاستصحاب التعليقي مع التنجيزي
قد اُورد على جريان الاستصحاب التعليقي بأنّه معارض دائما باستصحابتنجيزي، فإذا عرض الغليان على العصير الزبيبي كان استصحاب الحرمةالمعلّقة على الغليان أثره الحرمة الفعليّة بعد الغليان، وهو معارض باستصحابالحلّيّة الثابتة للعصير قبل الغليان، لأنّه إذا غلى يشكّ في حلّيّته وحرمته،فيتعارض الأصلان.
كلام الشيخ الأنصاري رحمهالله في الجواب عن الإشكال
فأجاب عنه الشيخ الأعظم قدسسره بحكومة الاستصحاب التعليقي علىالاستصحاب التنجيزي(1)، ولم يذكر وجهها.
ما أفاده صاحب الكفاية رحمهالله في المسألة
فقال المحقّق الخراساني رحمهالله في تعليقته على الرسائل في بيان وجه الحكومة ممحصّله: أنّ الشكّ في الإباحة بعد الغليان مسبّب عن الشكّ في حرمته المعلّقة
- (1) فرائد الاُصول 3: 223.