ج6
الحرمة التعليقيّة قبله، ولا شكّ أيضاً في أنّ الاستصحاب السببي يرفعبأثره(1) الشكّ الذي هو موضوع الاستصحاب المسبّبي تعبّدا، لأنّ الترتّبوإن كان عقليّا، إلاّ أنّ الحكم الفعلي الذي يرتفع به الشكّ شرعيكما عرفت، فالتعبّد ببقاء السبب أثره الشرعي هو التعبّد بحكم المسبّب، وهومعنى الحكومة.
والحاصل: أنّ الاستصحاب التعليقي كما هو جارٍ في نفسه، لا يعارضهالاستصحاب التنجيزي، فلا يكون جريانه وعدمه سواء، لحكومته عليه، كمقال الشيخ الأعظم رحمهالله وسيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه».
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية
وأمّا كلامه رحمهالله في الكفاية(2) دفعا لإشكال المعارضة: ففيه: أنّ القائل بها ليقول باستصحاب الحلّيّة المغيّاة قبل الغليان ومعارضته لاستصحاب الحرمةالمعلّقة قبله، حتّى يقال: لا منافاة بين الحكمين إذا كانا مقطوعين، فضلاً عنكونهما ثابتين بالاستصحاب، بل هو يقول بجريان استصحاب الحلّيّة المطلقةبعد الغليان ومعارضته لاستصحاب الحرمة المعلّقة قبله، ولا شكّ في تنافيهموتعارضهما بدوا، وإن كان أحدهما حاكما على الآخر بالنظر الدقّي.
وأمّا ما أفاده بعض(3) الأعلام توضيحا لكلام المحقّق الخراساني رحمهالله فإنّه وإنكان مخالفا لمراده رحمهالله كما عرفت، إلاّ أنّه أيضاً وجه صحيح لحكومةالاستصحاب التعليقي على التنجيزي ويويّد ما أفاده سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» منحكومة الأوّل على الثاني.
- (1) وهو الحرمة الفعليّة بعد الغليان. م ح ـ ى.
- (2) تقدّم نقل كلامه بعينه في ص217.
- (3) تقدّم نقل كلامه عينا في ص219.
(صفحه222)
هذا تمام الكلام في الاستصحاب التعليقي.
ج6
في استصحاب عدم النسخ
استصحاب عدم النسخ
التنبيه السادس: عنون العلماء ـ كالشيخ في الرسائل والمحقّق الخراساني فيالكفاية ـ هذا البحث بأنّه هل يجري استصحاب الأحكام الثابتة في الشرائعالسابقة التي نشكّ في بقائها إلى هذا الزمان أم لا؟
وأمّا الأحكام الثابتة في شريعتنا فجعلوا استصحابها من المسلّمات(1).
ويؤيّده ما نقل عن المحدّث الأستر آبادي رحمهالله من أنّ صحّة جرياناستصحاب عدم النسخ من الضروريّات(2).
ولكنّه حيث لم يكن بهذه المثابة من الوضوح ـ ويمكن أن يجعل أصالة عدمنسخ الأحكام الثابتة في شريعتنا أيضاً موردا للنقض والإبرام ـ عدلنا عنالبحث على طريقتهم وجعلنا عنوان البحث «استصحاب عدم النسخ» كي يعمّاستصحاب أحكام شريعتنا أيضاً، سيّما أنّ البحث في استصحاب أحكامالشرائع السابقة قليل الجدوى، بل لا فائدة فيه أصلاً، حيث إنّ الشيخ الأعظمالأنصاري رحمهالله ذكر في ذيل هذا البحث موارد لثمرته ثمّ ردّ جميعها وادّعى أنّ
- (1) أجاب الشيخ ـ في فرائد الاُصول 3: 226 ـ والمحقّق الخراساني ـ في كفاية الاُصول: 470 ـ عن بعضالإشكالات على أصالة عدم نسخ أحكام الشرائع السابقة بالنقض بأصالة عدم نسخ أحكام شريعتنا،وظاهره أنّ الثاني من المسلّمات. منه مدّ ظلّه.
- (2) مصباح الاُصول 3: 146.
(صفحه224)
أحكامها كلّها يستفاد من عموم أو خصوص في الشريعة، فلا نشكّ في حكمهحتّى نحتاج إلى الاستصحاب(1).
شبهة تغاير الموضوع في استصحاب عدم النسخ
وكيف كان، فنقول: اُورد على استصحاب عدم النسخ بأنّ الحكم الثابت فيحقّ جماعة لا يمكن إثباته في حقّ الآخرين، لتغاير الموضوع، فإنّ الأحكامالثابته في شريعة موسى عليهالسلام مثلاً ثبتت في حقّ من كان موجودا في ذلكالزمان فقط، والأحكام الثابتة في شريعتنا ثبتت في حقّ من أدرك النبي صلىاللهعليهوآله فلوشككنا في بقاء حكم منها في هذا الزمان لا يمكن استصحابه، لتغاير القضيّةالمتيقّنة مع المشكوكة.
كلام الشيخ الأنصاري في الجواب عن الشبهة
وأجاب عنها الشيخ الأعظم رحمهالله بأنّ الحكم ثابت للكلّي، كما أنّ الملكيّة له فيباب الزكاة والوقف العامّ، حيث لا مدخل للأشخاص فيها(2).
وفي هذا الجواب بظاهره إشكال واضح، وهو أنّ التكليف وما يستتبعه منالطاعة أو المعصية والثواب أو العقاب لا يمكن أن يتعلّق بالكلّي، لكونه أمراعتباريّا غير قابل لتوجّه التكليف ـ الذي هو من الاُمور الحقيقيّة ـ إليه،بخلاف مثل الملكيّة في باب الزكاة والوقف العامّ، فإنّها أمر اعتباري قد يتعلّقبالكلّي، كالفقراء، بل قد يتعلّق بما لا يعقل، كالمسجد ونحوه.
كلام صاحب الكفاية في الجواب عن الشبهة
- (1) راجع فرائد الاُصول 3: 229.
- (2) فرائد الاُصول 3: 226.
ج6
فلأجل هذا الإشكال أرجع المحقّق الخراساني رحمهالله هذا الجواب إلى ما ذكره،من أنّ الأحكام ثابتة لعامّة أفراد المكلّف ممّن وجد أو يوجد على نحو القضايالحقيقيّة، لا لخصوص الأفراد الخارجيّة كما هو قضيّة القضايا الخارجيّة، فمرادالشيخ رحمهالله أيضاً أنّ الأحكام تعلّقت بالأشخاص، سواء كانوا موجودين محقّقأو مقدّرا، ولا مدخل لأشخاص خاصّة فيها(1).
فلا يرد الإشكال المتقدّم على استصحاب عدم النسخ.
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» حول استصحاب أحكام الشرائع السابقة
لكن هاهنا إشكال آخر أورده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» علىاستصحاب أحكام الشرائع السابقة خاصّة(2)، وهو أنّه من الممكن أن يكونالمأخوذ في موضوع الحكم الثابت في الشرائع السابقة عنوان على نحو القضيّةالحقيقيّة لا ينطبق ذلك العنوان على الموجودين في عصرنا، كما لو اُخذ عنوان«اليهود» و«النصارى» فإنّ القضيّة وإن كانت حقيقيّة، لكن لا ينطبق عنوانموضوعها على غير مصاديقه، ففي قوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّذِى ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ»(3) إلخ كانت القضيّةحقيقيّة، لكن إذا شكّ المسلمون في بقاء حكمها لهم لا يجري الاستصحاب، كملو ثبت حكم للفقراء وشكّ الأغنياء في ثبوته لهم لا يمكن إثباته لهمبالاستصحاب، وهذا واضح جدّا.
ولا يخفى أنّ مجرّد احتمال أخذ عنوان غير منطبق على المسلمين كفى في
- (2) لحصر الإمام أيضاً البحث في استصحاب الشرائع السابقة وجعله جريانه في شريعتنا من المسلّمات.م ح ـ ى.