(صفحه26)
أحدهما: أن يكون منشأه الشكّ في قابليّة النفط الذي كان في السراجواقتضائه للبقاء حتّى في زمن الشكّ، والآخر: أن يكون منشأه الشكّ فيحدوث أمر رافع للاشتعال مع العلم باقتضاء النفط للبقاء والاستمرار، فالأوّلهو الشكّ في المقتضي، والثاني هو الشكّ في الرافع.
وليعلم أنّ المراد من اقتضاء الدوام هو الدوام بالنسبة إلى زمن الشكّ، لالدوام إلى الأبد، فيمكن أن يكون الشكّ في زمان شكّاً في الرافع ولكنّه لوحدث بعد ساعة لكان شكّاً في المقتضي كما هو واضح.
وظاهر الشيخ رحمهالله في موارد من كلامه هو المعنى الثالث.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في توضيح نظريّة الشيخ رحمهالله
واستدلّ المحقّق النائيني رحمهالله على كون مراد الشيخ من المقتضي والرافع هوالمعنى الثالث بأنّ القول بعدم جريان الاستصحاب في الشكّ في المقتضيبالمعنيين الأوّلين يستلزم إنكار جريان الاستصحاب مطلقاً، لا التفصيل بينالشكّ في المقتضي والرافع، مع أنّ الشيخ رحمهالله لا يكون منكراً لحجّيّةالاستصحاب رأساً، بل هو قائل بالتفصيل كما هو واضح.
توضيح ذلك: أنّه بناءً على المعنى الأوّل لا يعقل الشكّ في الرافعإلاّ في صورة العلم ببقاء المناط، ولا طريق لنا إلى إحراز بقاء المناطفي صورة الشكّ في بقاء الحكم، ولا نجد مورداً يكون بقاء الحكم فيهمشكوكاً وبقاء ملاكه مقطوعاً، فكلّ مورد يتصوّر أنّه من موارد الشكّ فيالرافع فهو من موارد الشكّ في المقتضي، مثلاً إذا شككنا في بقاء وجوب صلاةالجمعة شككنا في بقاء مناطه أيضاً، إذ لا طريق لنا إلى بقاء المناط في صورةالشكّ في الحكم.
ج6
وهكذا بناءً على المعنى الثاني، لأنّه كلّما صار المسبّب الشرعي مشكوكفيه صار سببه أيضاً مشكوكاً فيه، إذ لا طريق لنا إلى القطع ببقاءالسبب الشرعي في صورة الشكّ في بقاء المسبّب، ولا نجد مورداً يكون بقاءالمسبّب فيه مشكوكاً وبقاء السبب محرزاً لنا، مثلاً كلّما شككنا في ناقضيّةالمذي للوضوء شككنا في أنّ الشارع هل جعله سبباً للطهارة حتّى بعد خروجالمذي أو جعله سبباً لها بالنسبة إلى ما قبل خروجه فقط، فبقاء السببيّةالمجعولة شرعاً مشكوك فيه، وكلّما شككنا في وقوع الطلاق بقول الزوج: «أنتِخليّة» شككنا في بقاء سببيّة عقد النكاح حتّى بعد هذا القول وعدمه، ففي هذالمثال أيضاً يكون بقاء السببيّة المجعولة شرعاً مشكوكاً فيه، فكلّ مورديتصوّر أنّه من موارد الشكّ في الرافع فهو من موارد الشكّ في المقتضي بهذالمعنى.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ القول بالتفصيل في جريان الاستصحاببين الشكّ في المقتضي والرافع وإرادة المعنى الأوّل أو الثاني من المقتضي والرافعلا يجتمعان، وحيث إنّ الشيخ رحمهالله قائل بالتفصيل فلا محالة أراد منهما المعنىالثالث(1).
هذا محصّل كلام النائيني رحمهالله في مقام الاستدلال على أنّ مراد الشيخ رحمهالله منالمقتضي هو قابليّة البقاء والاستمرار ومن الرافع أمر رافع للشيء القابل للبقاءوالاستمرار، لا المعنيين الأوّلين.
مناقشة الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في كلام المحقّق النائيني رحمهالله
وأورد عليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» بأنّ إحراز استعداد(2) بقاء
- (1) فوائد الاُصول 4: 325 وما بعدها.
- (2) وهذا هو المعنى الثالث للمقتضي، والمحقّق النائيني رحمهالله قال بإمكان القول بالتفصيل بين الشكّ فيالمقتضي بهذا المعنى والشكّ في الرافع. م ح ـ ى.
(صفحه28)
الموضوعات الخارجيّة وإن كان ممكناً لنا، إلاّ أنّه لا طريق لنا إلى إحراز قابليّةبقاء الأحكام إلاّ من قبل الدليل الشرعي، فكما أنّه يمكن إحراز بقاء الحكممن الدليل الشرعي يمكن إحراز بقاء ملاكه أيضاً، إذ بقاء الحكم يستلزم بقاءملاكه قطعاً، فلو دلّ الدليل الشرعي على أنّ الحكم الفلاني مستمرّ ذاتاً لولالرافع إلى الأبد، أو إلى غاية كذائيّة، يستكشف منه المقتضي بمعنى الملاك، فليكون الشكّ حينئذٍ في بقائه من قبيل الشكّ في المقتضي، لا بالمعنى الثالث ولبالمعنى الأوّل يعني الملاك.
وبالجملة: لا يكون حكم إلاّ عن ملاك، فأصل الحكم يكشف عن أصلالملاك، واستمراره عن استمراره(1).
هذا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» في المقام(2).
دفع مناقشة الإمام«مدّ ظلّه» في كلام المحقّق النائيني رحمهالله
أقول: يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنّ استمرار الحكم وإن كان كاشفعن استمرار الملاك، إلاّ أنّ المفروض عدم ثبوت استمرار الحكم عندنا، وإلفلم نفتقر إلى الاستصحاب، بل بقاء الحكم مشكوك لنا، غاية الأمر أنّ الدليلالشرعي يدلّ على قابليّته للاستمرار والبقاء، لا على نفس الاستمرار، فإذكان استمرار الحكم مشكوكاً كان بقاء ملاكه أيضاً مشكوكاً، فكان من قبيلالشكّ في المقتضي بالمعنى الأوّل، وإن كان من قبيل الشكّ في الرافع بالمعنى
- (1) فإنّا إذا أحرزنا من طريق الدليل الشرعي أنّ ما صار نجساً استمرّت نجاسته إلى أن يجيء الرافع، فإنتطهّر بعد ساعة زالت النجاسة، وإن لم يتطهّر إلى مأة عام مثلاً بقيت النجاسة وكشفت عن بقاء ملاكها. منهمدّ ظلّه، توضيحاً لكلام الإمام الخميني«حفظه اللّه».
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 82 .
ج6
الثالث، فإشكال سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» لا يتوجّه إلىالمحقّق النائيني رحمهالله .
وكيف كان، فمراد الشيخ رحمهالله من المقتضي والرافع هو المعنى الثالث، إمّا بقرينةظاهر كلامه في موارد عديدة ـ كما ذكرنا ـ أو بما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله منالبرهان. فالمهمّ هو التحقيق في صحّة ما اختاره رحمهالله من التفصيل.
(صفحه30)
تحليل أخبار الاستصحاب
فلابدّ من ملاحظة أخبار الباب حتّى يتّضح ما هو الحقّ، إذ ادّعى الشيخ رحمهالله ظهور هذه الأخبار في التفصيل بين الشكّ في المقتضي والرافع.
صحيحة زرارة الاُولى
فمنها: ما رواه الشيخ الطوسي رحمهالله بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد،عن حريز، عن زرارة قال: قلت له(1): الرجل ينام وهو على وضوء، أتوجبالخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: «يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلبوالاُذن، فإذا نامت العين والاُذن والقلب فقد وجب الوضوء» قلت: فإن حرّكإلى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال: «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتّى يجيء منذلك أمرٌ بيّن، وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ،ولكن ينقضه بيقين آخر»(2).
- (1) هذه الرواية صحيحة، لأنّ إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح ـ كما ثبت في محلّه ـ بل صحّة هذالإسناد كالمتّفق عليها، إلاّ أنّها مضمرة، ولكن لا ضير في ذلك حيث كان المضمر زرارة، وقال أكابر علمالرجال بأنّ مثل زرارة لا يسأل إلاّ الإمام عليهالسلام . منه مدّ ظلّه.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 59، باب الأحداث الموجبة للطهارة، الحديث 11، ووسائل الشيعة 1: 245، كتابالطهارة، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.