(صفحه266)
نقد نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المقام
وهذا الكلام وإن كان صدره الذي ذكره تمهيدا للجواب صحيحا، إلاّ أنّ مذهب إليه من أنّ معنى التعبّد بوجود الشرط هو الاكتفاء بوجوده التعبّدي فيمقام الامتثال ليس بصحيح، لأنّ التعبّد بوجود الشرط في خصوص مقامالامتثال من غير أن يكون له دخل بمقام الجعل لا يكون معقولاً، إذ معناه أنّقوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» لا يوسّع دائرة الطهور بحسب مقام الجعلبحيث يشمل الطهور الاستصحابي، بل يوسّع دائرته بحسب مقام الامتثالفقط، ومقتضاه أن يكون المراد بالطهور في قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور»خصوص الطهور الواقعي، مع حكمه في قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»بكفاية الطهور الاستصحابي في مقام الامتثال، والجمع بينهما غير معقول.
وكذا الكلام في قاعدتي الفراغ والتجاوز، لأنّا إذا شككنا بعد الفراغ منالصلاة في إتيان الركوع وعدمه لا يمكن للشارع أن يحكم بصحّة الصلاة فيمقام الامتثال من دون أن يتصرّف في مقام الجعل، إذ معناه أنّ صلاة من شكّفي إتيان الركوع بعد الفراغ مقبولة مع أنّ الركوع يكون جزءا وركنا مطلقحتّى مع الشكّ في إتيانه بعد الفراغ، والجمع بينهما محال، لأنّ جزئيّته المطلقةتقتضي بطلانها لو كانت في الواقع بلا ركوع، فكيف يحكم بمقبوليّتهوصحّتها؟!
فلابدّ من أن تكون قاعدة الفراغ شارحة لدليل الجزئيّة، بأنّ الركوع ليكون جزءاً للصلاة بالنسبة إلى من شكّ في إتيانه بعد الفراغ منها.
فالحقّ هو الجواب المختار المتقدّم ذكره.
القول في استصحاب بقاء المانع أو عدمه
ج6
ويجري أيضاً استصحاب بقاء المانع كما يجري استصحاب بقاء الشرط، لأنّدليل الاستصحاب كما يوسّع دائرة الشرط يوسّع دائرة المانع أيضاً.
ولكن لا يجري استصحاب عدم المانع، لأنّ عدم المانع لا يكون حكمشرعيّا ولا موضوعا ذا أثر شرعي ولا يكون مربوطا بالشارع من جهةاُخرى، مثل توسعة دليل آخر أو تضييقه، فلو قلنا بجريان الاستصحاب فيهيكون مثبتا.
القول في الاستصحابات العدميّة
المطلب الثالث: قال المحقّق الخراساني رحمهالله : لا فرق في المستصحب أوالمترتّب عليه بين أن يكون وجود الحكم أو عدمه، فكما يجري استصحابالوجوب يجري أيضاً استصحاب عدم الوجوب، وكما يجري استصحابالخمريّة لترتيب الحرمة عليه يجري أيضاً استصحاب عدم الخمريّة لترتيبعدم الحرمة، ضرورة أنّ أمر نفي الحكم بيد الشارع، كثبوته.
وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر، إذ ليس ما دلّ على اعتبار كونالمستصحب حكما أو موضوعا يترتّب عليه حكم بعد صدق نقض اليقينبالشكّ برفع اليد عنه، كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح(1).
وهذا كلام متين، وإن كان مغايرا لما صرّح به في غير موضع من كلامه منلزوم كون المستصحب أثراً شرعيّا أو موضوعا ذا أثر شرعي.
ثمّ فرّع عليه إشكالاً على الشيخ الأعظم، لكنّ البحث فيه قليل الجدوى،فلا نطيل بذكره.
توضيح حول عدم ترتّب الآثار غير الشرعيّة على المستصحب
(صفحه268)
المطلب الرابع: قال المحقّق الخراساني رحمهالله : لا يذهب عليك أنّ عدم ترتّبالأثر الغير الشرعي ولا الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقليبالاستصحاب إنّما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا(1)، فلا يكاد يثبت بهمن آثاره إلاّ أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعيآخر حسبما عرفت فيما مرّ، لا بالنسبة إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقاً، كانبخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب، فإنّ آثاره ـ شرعيّة كانتأو غيرها ـ تترتّب عليه إذا ثبت ولو بأن يستصحب، أو كان من آثارالمستصحب، وذلك لتحقّق موضوعها حينئذٍ حقيقةً، فما للوجوب عقلاً يترتّبعلى الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه أو استصحاب موضوعه من وجوبالموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة أو غير ذلك، كما يترتّب على الثابتبغير الاستصحاب بلا شبهة ولا ارتياب(2)، إنتهى كلامه رحمهالله .
وهو صحيح بحسب الظاهر كما أشرنا إليه كرارا(3).
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في المسألة
لكن أورد عليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» بأنّه مبنيّ على التسامح،لأنّ حرمة المخالفة ووجوب الموافقة واستحقاق العقوبة كلّها من آثار الحكمالواقعي عقلاً، وأمّا الأحكام الظاهريّة فليست(4) في موافقتها ولا مخالفتها منحيث هي شيء، لأنّها أحكام طريقيّة للتحفّظ على الواقع، فخطاب «لتنقض» كخطاب «صدّق العادل» مثلاً ليس من الخطابات النفسيّة التي يحكم
- (1) يعني: للمستصحب بوجوده الواقعي، لا للأعمّ منه ومن وجوده الاستصحابي. م ح ـ ى.
- (4) «ليس» صحّ ظاهرا. م ح ـ ى.
ج6
العقل بوجوب موافقتها وحرمة مخالفتها من حيث هي، ولا يكون في موافقتهثواب ولا في مخالفتها عقاب إلاّ انقيادا وتجرّيا، وإنّما يحكم العقل بلزوم الإتيانبمؤدّياتها، لكونها حجّة على الواقع، فيحكم العقل من باب الاحتياط بلزومموافقتها، لا لكونها أحكاماً ظاهريّة، بل لاحتمال انطباقها على الواقع،فاستحقاق العقوبة إنّما هو على مخالفة الواقع، لا الحكم الظاهري(1)، إنتهىكلامه«مدّ ظلّه».
هذا تمام الكلام في الأصل المثبت وفروعه.
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 191.
(صفحه270)
في كفاية كون المستصحب حكما شرعيّا أو ذا حكم كذلك بقاءً
التنبيه الثامن: قال المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّه قد ظهر ممّا مرّ لزوم أن يكونالمستصحب حكما شرعيّا أو ذا حكم كذلك، لكنّه لا يخفى أنّه لابدّ أن يكونكذلك بقاءً، ولو لم يكن كذلك ثبوتا، فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوتهحكما ولا له أثر شرعا وكان في زمان استصحابه كذلك ـ أي حكما أو ذحكم ـ يصحّ استصحابه، كما في استصحاب عدم التكليف، فإنّه وإن لم يكنبحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم، إلاّ أنّه حكم مجعول فيما لا يزال، لما عرفتمن أنّ نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا، وكذا استصحاب موضوع لم يكنله حكم ثبوتا أو كان ولم يكن حكمه فعليّا وله حكم كذلك بقاءً(1)، وذلكلصدق نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عنه والعمل كما إذا قطع بارتفاعهيقينا ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه وفي تنزيلها بقاءً، فتوهّماعتبار الأثر سابقا كما ربما يتوهّمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكمأو ذا حكم فاسد قطعا(2).
- (1) وذلك مثل الشكّ في حياة الولد عند موت الوالد، فيستصحب بقائها كذلك ليترتّب عليه انتقال تركةالوالد إليه، فإنّ انتقال التركة لم يكن أثراً لثبوت حياته، إلاّ أنّه أثر لبقائها عند موت والده كما لا يخفى.منه مدّ ظلّه.