ج6
بين هذين اليومين فإن كان في الواقع يوم الأحد فزمان الشكّ متّصل بزماناليقين، وأمّا إن كان يوم الاثنين فلا، لانفصاله عنه بيوم الأحد الذي هو زمانالكرّيّة لا محالة، فلم يحرز كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوث الكرّيّة بهذالشكّ من قبيل نقض اليقين بالشكّ.
نعم، إذا لوحظ إضافته إلى أجزاء الزمان فلا إشكال في استصحابه، لأنّنعلم بعدم الكرّيّة يوم السبت ونشكّ في بقائه يوم الأحد، فزمان الشكّ متّصلبزمان اليقين، إلاّ أنّه خلاف الفرض، لأنّ المفروض أنّ موضوع الأثر هو عدمالكرّيّة في زمان الملاقاة، لا عدمها يوم الأحد(1).
هذا حاصل كلامه رحمهالله لإثبات اختلال أركان الاستصحاب في المقام.
نقد نظريّة صاحب الكفاية رحمهالله في المسألة
وفيه: أنّ ما نحن فيه لا يكون من قبيل الشبهة المصداقيّة؛ لأنّها لا تتصوّرإلاّ فيما إذا كان عنوان الدليل منطبقا على أحد طرفي الاحتمال، فإنّ الشكّ فيعالميّة زيد ينحلّ إلى احتمال عالميّته واحتمال عدمها، وعلى الأوّل ينطبق عليهقوله: «أكرم العالم» بخلاف ما نحن فيه، إذ بناءً على احتمال حدوث الملاقاة فييوم الاثنين في المثال الملازم لحدوث الكرّيّة يوم الأحد يكون رفع اليد عناليقين من قبيل نقض اليقين باليقين لا بالشكّ، وبناءً على احتمال حدوثها فييوم الأحد الملازم لحدوث الكرّيّة يوم الاثنين يكون رفع اليد عنه من قبيلنقضه في زمان بقائه لا في زمان الشكّ في البقاء حتّى يصدق عليه نقض اليقينبالشكّ، فلا مجال لتصوير الشبهة المصداقيّة في المقام.
وبهذا ظهر أساس الإشكال في كلامه، وهو أنّه يتحصّل من هذين اليقينين
(صفحه282)
التعليقيّين الشكّ في بقاء عدم الكرّيّة إلى زمان الملاقاة، ويكون رفع اليد عناليقين بهذا الشكّ من مصاديق نقض اليقين بالشكّ، فإنّ الشكّ غالبا يحصل منلحاظ اليقينين التعليقيّين معا، ألا ترى أنّك إذا أيقنت بقتل كلّ من كان فيسيّارة بسبب تصادمها مع سيّارة اُخرى وشككت في أنّ صديقك كان فيها أملا، يكون لك يقينان تعليقيّان:
أحدهما: يقينك بقتل صديقك إن كان فيها، والثاني: يقينك بسلامته إن لميكن فيها، ويحصل منهما الشكّ في بقاء سلامته، فيجري استصحابها.
هذا ما خطر ببالي ردّا على كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام، ولم أَرَ أحداستشكل به عليه.
إشكال المحقّقين على كلام المحقّق الخراساني رحمهالله
نعم، ناقش فيه كثير من المحقّقين ـ منهم سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» ـ بوجه آخر،وهو أيضاً إشكال مهمّ، وإليك بيانه:
قالوا: لا يتصوّر الشبهة المصداقيّة في المقام، لأنّ عناوين الموضوعات علىقسمين: واقعيّة خارجيّة، كالخمر والعدالة(1)، ووجدانيّة، كالعلم والشكّونحوهما، وإنّما يتصوّر الشبهة المصداقيّة في القسم الأوّل، لا الثاني، إذ لا يشكّأحد في أنّه هل هو شاكّ في أمر كذائي أم لا؟ ولا في أنّه هل هو متيقّن أم لا؟إلاّ بعض أهل الوسوسة الشاكّ في وجدانيّاته، وهو خارج عن محلّ الكلام.
نعم، يمكن أن يشكّ في وجدانيّات غيره، أو في أنّه كان شاكّا أو متيقّنأمس مثلاً، أو في أنّ شكّه هل تعلّق بهذا الشيء أو بذاك الشيء، كأن يشكّ فيالصلاة في أنّ شكّه هل يكون بين الاثنين والثلاث، أو بين الثلاث والأربع، أمّ
- (1) واقعيّة كلّ شيء بحسبه، فالعدالة أمر واقعي، كما أنّ الخمر كذلك. منه مدّ ظلّه.
ج6
الشكّ في وجدانيّات نفسه فعلاً مع تشخّص متعلّقاتها فلا يتصوّر أصلاً.
فإذا شكّ ابتداءً في أنّ شكّه هل هو متّصل باليقين أم لا؟ رجع إلى وجدانه،فإن كان له يقين بالضدّ متخلّل بين اليقين السابق والشكّ اللاحق فزمان الشكّمنفصل عن زمان اليقين، وإلاّ فلا، فأين الشبهة المصداقيّة لقوله: «لا تنقضاليقين بالشكّ»؟!
إن قلت: لنا موارد قالوا بعدم جريان الاستصحاب فيها، ولا وجه له إلكونها من قبيل الشبهة المصداقيّة:
منها: ما إذا علم المكلّف بأنّه كان جنبا في أوّل النهار وصار متطهّرا منهجزما، ثمّ رأى في ثوبه منيّا وعلم إجمالاً بأنّه إمّا من جنابته التي قطعبارتفاعها بالغسل أو من جنابة جديدة، فإنّه عالم بأنّه صار جنبا عقيبخروج هذا المنيّ، ومع هذا لا يجري استصحاب هذه الجنابة المقطوعة، ولوجه له إلاّ عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين، لأنّ الجنابة أمرهدائر بين التي قطع زوالها وبين التي قطع بقائها، فيحتمل الفصل بين زمان الشكّواليقين بحصول الجنابة بيقين بزوالها، فهذا من قبيل عدم إحراز الاتّصال.
قلت: مجرّد وجدان المنيّ ـ الذي حصل عقيبه الجنابة ـ في الثوب مع العلمبكونه منه لا يكون منشأ للأثر، لأنّ الأثر للجنابة، لا لوجدان المنيّ في الثوب،والمفروض أنّه يعلم بحصول جنابة له أوّل النهار وزوالها بالغسل بعده، ويشكّبدوا في حصول جنابة جديدة له، فعدم جريان الاستصحاب فيه ليس لعدمإحراز الاتّصال، بل لعدم اليقين السابق.
لا يقال: هذا خلط واضح، لأنّ المراد استصحاب الجنابة المقطوعة بعدخروج هذا المنيّ المردّد الذي وجد في الثوب ولم يعلم بارتفاعها، فإنّا نسلّم أنّالمنشأ للأثر هو الجنابة، وندّعي كونها في المقام ذات حالة سابقة متيقّنة.
(صفحه284)
فإنّه يقال: إن أردتم جريان الاستصحاب الشخصي ـ أعني استصحابالجنابة الشخصيّة ـ فلا نسلّم كونها ذات حالة سابقة متيقّنة، لأنّ جنابة أوّلالنهار مقطوعة الزوال، والتي بعده مشكوكة الحدوث، فأين اليقين السابق؟!
وإن أردتم جريان القسم الثاني من استصحاب الكلّي، فالمقام ليس منه،لأنّ مجرى هذا النوع من الاستصحاب أن يتحقّق الكلّي في ضمن فرد مردّدبين ما هو مقطوع البقاء لكونه طويل العمر، ومقطوع الارتفاع لكونه قصيرالعمر، والمقام ليس كذلك(1)، لعدم تصوّر تحقّق كلّي الجنابة في ضمن فرد مردّدبين طويل العمر وقصيره في المثال، فإنّ حالات المكلّف لا تزيد على ثلاث:اليقين بالجنابة أوّل النهار، واليقين بارتفاعها بالغسل في الزمان الثاني، والشكّفي حدوث جنابة جديدة بعده.
نعم، لو احتمل حدوث جنابة جديدة عند ارتفاع الاُولى لكان من القسمالثالث من استصحاب الكلّي، وعلى القول بجريان الاستصحاب في هذا القسممن الكلّي لا بأس بجريانه في كلّي الجنابة هاهنا أيضاً(2).
هذا حاصل ما أجاب به سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه العالي» عنالإشكال.
ومنها(3): ما إذا علمنا بعدم عدالة زيد، ثمّ شككنا فيه بعد عام، واحتملنكوننا في وسط هذا العام عالمين بعدالته، فإنّ هذا شبهة مصداقيّة لدليلالاستصحاب، لعدم إحراز اتّصال زمان اليقين بزمان الشكّ، حيث احتملنعروض يقين في أثناء العام على ضدّ الحالة السابقة، ولو كان كذلك واقع
- (1) للعلم بفرد من الجنابة وارتفاعه، وهو جنابة أوّل النهار، والشكّ في حدوث فرد آخر منها، وأين هذا منالقسم الثاني من استصحاب الكلّي؟! منه مدّ ظلّه توضيحا لكلام الإمام«مدّ ظلّه».
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 193.
- (3) أي من الموارد التي ادّعي عدم جريان الاستصحاب فيها، لكونها شبهة مصداقيّة لدليله. م ح ـ ى.
ج6
لكان رفع اليد عمّا علم قبل العام من قبيل نقض اليقين باليقين لا بالشكّ.
وفيه: أنّ الشكّ إذا تعلّق بعين ما تعلّق به اليقين حتّى من حيث الزمانيرفعه رأسا(1)، ولا يضرّ بالاستصحاب القطع به فضلاً عن احتماله، فلو كنتمحدثا أوّل النهار ثمّ أيقنت في الظهر بصيرورتك متطهّرا ثمّ شككت بعد العصرفي الطهارة في الظهر التي كانت متيقّنة يجري استصحاب الحدث، لاتّصالزمان المشكوك ـ أعني الظهر ـ بزمان المتيقّن ـ أعني أوّل النهار ـ واليقين الذيتبدّل بالشكّ كأن لم يكن، فلا أثر له أصلاً.
نعم، لو قلنا بحجّيّة قاعدة اليقين لكان اليقين المرفوع بالشكّ الساري منشللأثر، لكنّا لا نقول بحجّيّتها.
والحاصل: أنّ الشكّ إذا كان ساريا لا يضرّ القطع بتخلّل اليقين بالضدّ بينهوبين اليقين السابق في جريان الاستصحاب، فضلاً عن كونه محتملاً.
ولو كان احتمال التخلّل مضرّا لكان جريان الاستصحاب في أشهر مواردهممنوعا، لأنّ من كان متطهرّا مثلاً ثمّ شكّ في صيرورته محدثا يكون منششكّه احتمال خروج البول مثلاً، ولو بال لكان حين البول قاطعا بصيروتهمحدثا، فاحتمال خروج البول يستلزم احتمال اليقين بالمحدثيّة، وأيضاً من كانمحدثا ثمّ شكّ في بقائه كان منشأه احتمال تحقّق الوضوء منه، وهذا الاحتماليستلزم احتمال اليقين بالطهارة، فهو يحتمل التخلّل بين الشكّ واليقين باليقينبالطهارة.
وبالجملة: لا يكون المثال من قبيل الشبهة المصداقيّة لدليل الاستصحاب،بل أركان الاستصحاب فيه تامّة، ونحن نلتزم بجريانه.
كلام للمحقّق النائيني رحمهالله مربوط بالمقام
- (1) لاستحالة اجتماع اليقين والشكّ الساري. م ح ـ ى.