ج6
وكذلك الحال لو كان متطهّرا في أوّل النهار فعلم بحدوث طهارة وحدثبين النهار وشكّ في المتقدّم منهما، فيكون استصحاب الحدث جاريا،لا استصحاب الطهارة، لأنّها لو حدثت قبل الحدث لا تأثير لها في رفعالحدث، بل هي طهارة تجديديّة استحبابيّة فقط، فلا يكون العلم الإجماليبحدوثها إمّا قبل الحدث أو بعده مؤثّرا، فهذا العلم كلا علم، فلا يجرياستصحاب المعلوم بالإجمال كذلك.
والحاصل: أنّ الحقّ هو الأخذ بضدّ الحالة السابقة كما قال المحقّق في المعتبر.
مقتضى التحقيق فيما إذا كان تاريخ إحدى الحالتين معلوم
وأمّا إذا كان تاريخ إحدى الحالتين معلوما، فإمّا أن تكون الحالة السابقةعليهما هي الحدث أو الطهارة، وفي كلّ منهما إمّا أن يكون تاريخ الحدث معلومأو تاريخ الطهارة، فهاهنا صور أربع لابدّ من ملاحظة حكم كلّ منها.
الصورة الاُولى: ما إذا كانت الحالة السابقة هي الحدث وكان تاريخ الطهارةمعلوما، كأن تيقّن كونه محدثا في أوّل النهار وعلم بصيرورته متطهّرا في أوّلالزوال وعلم بعد ساعة بخروج حدث آخر منه، ولكنّه شكّ في خروجه قبلالزوال أو بعده، ففي هذه الصورة يجري استصحاب الطهارة فقط، للعلم بتاريخحدوثها تفصيلاً، ولكونها مؤثّرةً سواء وقع الحدث قبلها أو بعدها كما هوواضح، بخلاف الحدث، فإنّه لا يكون معلوما تفصيلاً ولا مؤثّرا على كلّ حال،لأنّه يكون مؤثّرا لو وقع بعد الطهارة، وأمّا لو وقع قبلها فلا، فلا يجرياستصحابه، ففي هذه الصورة أيضاً نأخذ بضدّ الحالة السابقة كما قال المحقّق رحمهالله .
الصورة الثانية: ما إذا كانت الحالة السابقة هي الحدث وكان تاريخ الحدثالجديد معلوما، كأن تيقّن كونه محدثا في أوّل النهار وعلم بخروج حدث آخر
(صفحه298)
أيضاً في أوّل الزوال وعلم بعد ساعة بتحقّق طهارة إمّا قبل الزوال أو بعده،ففي هذه الصورة يجري استصحاب الحدث والطهارة كليهما ويتساقطانبالتعارض، أمّا استصحاب الطهارة فلكونها مؤثّرة على كلّ حال، وأمّالحدث فإنّه وإن لم يكن مؤثّرا لو وقع قبل الطهارة إلاّ أنّ تاريخ حدوثه معلومتفصيلاً، وهو أوّل الزوال، ونشكّ في ارتفاعه، فيستصحب ويعارضاستصحاب الطهارة، فيتساقطان، فيجب تحصيل الطهارة، لأنّ الاشتغالاليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة، ففي هذه الصورة نأخذ بنفس الحالة السابقة،لكنّه لأجل قاعدة الاشتغال، لا لاستصحاب الحدث المتحقّق في أوّل الزوال.
الصورة الثالثة: ما إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة وكان تاريخ الطهارةالجديدة معلوما، كأن تيقّن كونه متطهّرا في أوّل النهار وعلم بأنّه توضّأ أوّلالزوال وعلم بعد ساعة بخروج حدث منه إمّا قبل الزوال أو بعده، ففي هذهالصورة أيضاً يجري استصحاب الطهارة والحدث كليهما، أمّا الأوّل فلأنّ تاريخوقوعها معلوم تفصيلاً وهو أوّل الزوال، ونشكّ في ارتفاعها، فتستصحب،وأمّا الثاني فلكونه مؤثّرا على كلّ حال، فيجري استصحابه، ويعارضاستصحاب الطهارة ويتساقطان، فنرجع إلى قاعدة الاشتغال، ففي هذهالصورة أيضاً نأخذ بضدّ الحالة السابقة بمقتضى قاعدة الاشتغال.
الصورة الرابعة: ما إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة وكان تاريخ الحدثمعلوما، كأن تيقّن كونه متطهّرا في أوّل النهار وعلم بخروج حدث منه في أوّلالزوال، وعلم بعد ساعة بتحقّق طهارة منه إمّا قبل الزوال أو بعده، ففي هذهالصورة يجري استصحاب الحدث فقط، لمعلوميّته تفصيلاً أوّلاً ولكونه مؤثّرمطلقا ثانيا، بخلاف الطهارة، فإنّها لا تكون معلومة بالتفصيل ولا مؤثّرةً علىكلّ حال، فلا أثر للعلم الإجمالي بها، ففي هذه الصورة أيضاً نأخذ بضدّ الحالة
ج6
السابقة لأجل الاستصحاب.
(صفحه300)
ج6
في استصحاب الاُمور الاعتقاديّة
استصحاب الاُمور الاعتقاديّة
التنبيه العاشر: أنّهم اختلفوا في جريان الاستصحاب في الاعتقاديّات.
ومنشأ الشبهة في جريانه أمران:
أحدهما: أنّهم قالوا: إنّ الاستصحاب أصل عملي، فتخيّل بعضهم عدمشموله للاعتقاديّات التي هي من الاُمور القلبيّة لا العمليّة.
الثاني: احتجاج الجاثليق على الإمام على بن موسى الرضا عليهالسلام باستصحاب النبوّة لإثبات بقاء شريعته.
والحقّ جريان الاستصحاب فيها إذا كان أركانه موجودة، ولا يضرّتعبيرهم بأنّه أصل عملي، لأنّ معناه أنّه وظيفة للشاكّ تعبّدا في قبال الأماراتالحاكية عن الواقعيّات، فيعمّ الأعمال الجوانحيّة، كالجوارحيّة.
على أنّ التعبير بكونه أصلاً عمليّا لم يرد في آية أو رواية، فالملاك فيجريان الاستصحاب إنّما هو صدق قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ».
وأركانه هي اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء مع كونه مرتبطا بالشارع،يعني قابلاً للتعبّد الشرعي، سواء كان حكما أو موضوعا ذا حكم أو مربوطبه بوجه ثالث، ولا يخفى أنّ المراد بالشكّ في البقاء ما يقابل اليقين، لا الشكّالمتساوي طرفاه فقط، فإذا تحقّق هذه الاُمور يجري الاستصحاب، سواء كانمن الأعمال الجوارحيّة أو من الاُمور الاعتقاديّة.