(صفحه304)
يبقى مجال لاستصحابها. هذا أوّلاً.
وثانيا: لا يكون الاستصحاب حجّةً ذاتا، فلابدّ له من دليل على اعتباره،مثل «لا تنقض اليقين بالشكّ» وليس في الأديان السابقة دليل عليه.
سلّمنا وجود الدليل عليه فيها، لكنّ النبوّة من الاُمور التي لابدّ من القطعبها، فلا يكفي استصحابها، على أنّ الشكّ في بقاء دينه يستلزم الشكّ في اعتبارهذا الدليل أيضاً.
سلّمنا كفاية الظنّ لإثبات النبوّة، لكنّ الاستصحاب لا يفيد الظنّ بالبقاءأوّلاً، ولا دليل على اعتبار الظنّ الحاصل منه ثانيا، والأصل العقلائي حرمةالعمل بالمظنّة إلاّ ما ثبت حجّيّته كما حقّق في محلّه.
فلا يمكن للكتابي استصحاب نبوّة النبيّ السابق لتشخيص وظيفته.
وإن أراد استصحابها لإلزام المسلمين عليها(1)، ففيه أوّلاً: أنّ المسلم ليكون شاكّا في بقاء نبوّة النبيّ السابق، بل يكون قاطعا بارتفاعها، وإلاّ فلميكن مسلما، فلا مجال لتحميل الاستصحاب عليه.
وثانيا: أنّ التمسّك بقوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ» لإثبات بقاء النبوّةالسابقة أمر يلزم من وجوده عدمه، حيث إنّ الإقرار ببقائها يستلزم عدمتحقّق الإسلام، ولازمه عدم حجّيّة «لا تنقض اليقين بالشكّ» رأسا، وما يلزممن وجوده عدمه فهو باطل.
عدم ثبوت نبوّة النبيّ السابق إلاّ بإخبار القرآن
وثالثا: جعل النبوّة لموسى وعيسى عليهماالسلام لا يثبت عندنا إلاّ من طريق إخبار
- (1) كأنّه يقول للمسلمين: لابدّ لكم بمقتضى ما ورد في شريعتكم من «لا تنقض اليقين بالشكّ» منالاعتراف بنبوّة النبيّ السابق. منه مدّ ظلّه.
ج6
القرآن بها، لعدم تحقّق التواتر فيها في جميع الطبقات، وتحريف التوراة والإنجيلقطعا، ألا ترى أنّ فيهما نسبة الزنا وشرب الخمر إلى الأنبياء العظام؟! ونحوذلك من الأباطيل الواضحة.
سلّمنا عدم تحريفهما، لكنّهما لا يكونان معجزة، فإنّ معجزة موسىوعيسى عليهماالسلام أشياء اُخر غير التوراة والإنجيل، فالطريق إلى العلم بنبوّتهممنحصر بالقرآن الذي لم يحرّف مع كونه معجزة.
ولا يقول بتحريفه إلاّ من في قلبه مرض أو من ليس له اطّلاع عليه.
وبالجملة: لابدّ في الاستصحاب من اليقين بالحدوث، وطريقه في المقاممنحصر في القرآن، والتمسّك به لاستصحاب النبوّة السابقة أمر يلزم أيضاً منوجوده عدمه.
فلا يتمكّن الكتابي أيضاً من استصحاب نبوّة النبيّ السابق لإلزام المسلمينعليها.
ولعلّ المراد بقول الرضا عليهالسلام : «إنّا نؤمن بنبوّة كلّ موسى وعيسى أقرّ بنبوّةنبيّنا صلىاللهعليهوآله وكافر بنبوّة كلّ من لم يقرّ بذلك»(1) هذا الجواب الأخير المتقدّم منّا،أي طريق العلم بنبوّتهما إنّما هو القرآن.
وعلى هذا فلا وجه لإيراد الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله عليه بأنّ هذالجواب بظاهره مخدوش، لأنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم ليس كلّيّحتّى يصحّ الجواب المذكور، بل شخص واحد وجزئي حقيقي اعترفالمسلمون وأهل الكتاب بنبوّته، فعلى المسلمين إثبات نسخها(2).
نعم، ما احتملناه في معنى الحديث خلاف ظاهر كلامه عليهالسلام .
- (1) هذا مضمون كلامه عليهالسلام لا عينه. راجع عيون أخبار الرضا 1: 157، والاحتجاج 2: 417. م ح ـ ى.
- (2) فرائد الاُصول 3: 261.
(صفحه306)
ج6
في حكم الخاصّ فيما بعد زمان تخصيصه
حكم الخاصّ فيما بعد زمان تخصيصه
التنبيه الحادي عشر: أنّه إذا كان لنا عامّ بحسب الأفراد والأزمان كلتيهما، ثمّخرج عنه بعض الأفراد في بعض الأزمنة، فشكّ في حكم هذا الفرد بالنسبةإلى ما بعد ذلك الزمان، فهل يرجع إلى العموم، أو إلى استصحاب حكمالمخصّص؟
مثال ذلك، أن يقول المولى: «أكرم العلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدالعالم يوم الجمعة» فشككنا في وجوب إكرامه يوم السبت.
نظريّة الشيخ الأنصاري رحمهالله في المسألة
فصّل الشيخ رحمهالله في الرسائل بين ما إذا كان العموم الأزماني استغراقيّا وبينما إذا كان مجموعيّا، ففي الأوّل لابدّ من الرجوع إلى العامّ، لأنّ لزيد في المثالفي كلّ يوم وجوب إكرام مستقلّ، خرج منه يوم الجمعة، والشكّ في خروجيوم السبت من قبيل الشكّ في تخصيص الزائد، ومرجعه العموم، وفي الثانيلابدّ من الأخذ باستصحاب حكم المخصّص، لأنّ لزيد ـ على هذا ـ وجوبإكرام واحد مستمرّ في طول الزمان، فإذا انقطع في زمان فإثباته بعد ذلكالزمان يحتاج إلى دليل غير العامّ الذي انقطع حكمه، فلابدّ من استصحابحكم المخصّص(1).
(صفحه308)
هذا حاصل ما أفاده الشيخ رحمهالله .
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
وقال المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية: لابدّ من ملاحظة المخصّص أيضاً، فإنّالزمان قد يؤخذ فيه ظرفا وقد يؤخذ قيدا، فللمسألة أربع صور:
الاُولى: ما إذا كان العموم مجموعيّا واُخذ الزمان في الخاصّ ظرفا، فالمرجعهو استصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالته، لعدم دلالة للعامّ علىحكمه، لعدم دخوله على حدة في موضوعه، وإنّما كان داخلاً في موضوعهبحسب استمرار حكمه، وقد انقطع الاستمرار بعد مجيء الخاصّ، فإذا شككنفي وجوب إكرام زيد يوم السبت لا يجوز التمسّك بالعامّ، لانقطاع استمرارحكمه بالدليل الدالّ على عدم وجوب إكرامه يوم الجمعة، ولا بالخاصّ، لأنّمورده يوم الجمعة فقط، فلابدّ من التمسّك بذيل الاستصحاب، ونتيجته عدمالوجوب يوم السبت.
هذا إذا كان التخصيص من الوسط، بأن قال ليلة الخميس مثلاً: «أكرمالعلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدا العالم يوم الجمعة» وأمّا إذا كانالخاصّ مخصّصا للعامّ من الأوّل فلابدّ بعد زمان الخاصّ من الرجوع إلىالعامّ، فلو قال ليلة الجمعة: «أكرم العلماء كلّ يوم» ثمّ قال: «لا تكرم زيدا العالميوم الجمعة» لوجب إكرامه يوم السبت بحكم العامّ، وذلك لأنّ الخاص غيرقاطع لحكم العامّ، فإنّ أوّل زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالة الخاصّ،فلا يكون إثبات الحكم بعده محتاجا إلى دليل غير دليل العامّ.
مثال ذلك في الشرعيّات قوله تعالى: «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»(1) فإنّه عامّ مجموعي
- (1) فرائد الاُصول 3: 274.