(صفحه328)
فلابدّ من تحقّق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا فيالسابق، سواء كان تحقّقه في السابق بتقرّره ذهنا أو بوجوده خارجا، فزيدمعروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي وللوجود بوصف تقرّرهذهنا لا وجوده الخارجي(1)،(2)، إنتهى كلامه.
نقد كلام الشيخ رحمهالله في معنى اعتبار الموضوع
وفيه: أنّه لا يمكن أن يكون بوصف وجوده الذهني أيضاً معروضا للوجود،لما ثبت في الحكمة من تضادّ الوجود الخارجي مع الذهني، فما هو موجود فيالذهن لا يمكن أن يوجد في الخارج بوصف تقرّره ذهنا، وما هو موجود فيالخارج لا يمكن أن يوجد في الذهن بوصف وجوده الخارجي، فكيف يمكنأن يقال: قولنا: «زيد موجود» يكون بمعنى «زيد المتقرّر في الذهن موجود فيالخارج»؟!
فالموضوع في هذه القضيّة هو ذات زيد ونفسه مع قطع النظر عنوجوده الذهني والخارجي، فإنّ ذات زيد كذلك قد يكون موجودا وقدلا يكون موجودا، كماهيّة الإنسان مثلاً، فإذا قلنا: «زيد موجود»لا يكون زيد بوجوده الخارجي موضوعا حتّى يستلزم كون القضيّةضروريّة بشرط المحمول، ولا بتقرّره الذهني حتّى يلزم الاستحالةالعقليّة.
على أنّ قوله رحمهالله : «المراد بالموضوع معروض المستصحب» ظاهر في أنّالمستصحب هو محمول القضيّة فقط، مع أنّه تمام القضيّة لا المحمول فقط، وذلك
- (1) وذلك لأنّه لو كان معروضا للوجود بوصف وجوده الخارجي لكانت القضيّة ضروريّة بشرط المحمول.م ح ـ ى.
- (2) فرائد الاُصول 3: 288.
ج6
لأنّ الدليل على اعتبار الاستصحاب هو قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»واليقين والشكّ ونحوهما من الأوصاف القائمة بالنفس ـ كالظنّ والوهم ـ لتتعلّق بالتصوّرات، فإذا قلنا: إنّي متيقّن بزيد، أو بقيامه، أو بالطهارة مثلاً،يكون فيه تسامح في التعبير، ومعناه «إنّي متيقّن بأنّ زيدا موجود، وبأنّ قيامزيد موجود، وبأنّي متطهّر» وإلاّ فمجرّد «زيد، أو قيامه، أو الطهارة» بمعناهالتصوّري لا يكون موجودا ولا معدوما، ولا يعقل تعلّق اليقين به، وكذلكالأمر في الشكّ والظنّ والوهم.
فلا يمكن أن يكون المستصحب الذي هو متعلّق اليقين والشكّ بمقتضىأخبار الاستصحاب من التصورّات، بل لابدّ من أن يكون أمرا تصديقيّا،وهو القضيّة(1) بتمامها، لا خصوص محمولها، كما هو ظاهر كلام الشيخالأعظم رحمهالله .
فتحصّل ممّا تقدّم أنّ متعلّق اليقين في الاستصحاب يكون قضيّة، وكذلكمتعلّق الشكّ، فلنا قضيّتان: متيقّنة، ومشكوكة، ولابدّ من وحدتهما موضوعومحمولاً بمقتضى أخبار الباب، إذ لا معنى لتحريم نقض اليقين بقيام زيدبالشكّ في قيام عمرو، وكذلك لا معنى لتحريم نقض اليقين بقيام زيد بالشكّ فيعدالته، فإنّ النقض لا يتعقّل فيهما، فالأخبار بسبب اشتمالها على كلمة«النقض» تدلّ على اشتراط وحدة القضيّتين.
فالتعبير عن هذا الشرط باشتراط بقاء الموضوع ليس في محلّه.
نقد ما أفاده صاحب الكفاية في المقام
- (1) سواء كانت بنحو مفاد «كان التامّة» مثل «زيد موجود» أو «الناقصة» مثل «زيد قائم» أو «ليس التامّة» مثل«زيد ليس بموجود» أو «الناقصة» مثل «زيد ليس بقائم». م ح ـ ى.
(صفحه330)
ومن هنا ظهر فساد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، فإنّه قال باعتبار اتّحادالقضيّة المتيقّنة مع المشكوكة موضوعا(1).
إذ لا يكفي الاتّحاد في خصوص الموضوع في الاستصحاب، بل لابدّ منالاتّحاد بين القضيّتين.
نعم، إنّه بعد قوله بلزوم الاتّحاد موضوعا قال: «كاتّحادهما حكما».
لكنّه يدلّ ـ بمقتضى التشبيه ـ على كون الاتّحاد في المحمول أوضح منالاتّحاد في الموضوع في نظره، وهو فاسد، فإنّ الاتّحاد في الموضوع والمحموليستفاد من قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» كما عرفت، فلا يكون الاتّحاد فيالمحمول مقدّما على الاتّحاد في الموضوع، بل هما في رتبة واحدة، والدليلعليهما واحد، فلا يكون أحدهما أوضح والآخر أخفى.
دليل الشيخ على ما اختاره في المسألة ونقده
ثمّ إنّ الشيخ رحمهالله استدلّ على ما ذهب إليه من اعتبار بقاء الموضوع في الزماناللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق بوجه عقلي:
وهو أنّه لو لم يعلم تحقّقه لاحقا فإذا اُريد إبقاء المستصحب العارض لهالمتقوّم به فإمّا أن يبقى في غير محلّ وموضوع، وهو محال، وإمّا أن يبقى فيموضوع غير الموضوع السابق، فإن اُريد إبقاء العرض السابق بشخصه فيموضوع آخر فهو أيضاً محال، لاستحالة انتقال العرض، وإن اُريد إثبات مثلهفي موضوع آخر فلا يشمله تعريف الاستصحاب، فإنّه عبارة عن «إبقاءما كان» وإثبات مثل العرض السابق لا يكون منه، فلابدّ من إحراز وجودالموضوع في الزمان اللاحق(2).
ج6
ويرد عليه أوّلاً: أنّه مبنيّ على مذهبه من اشتراط بقاء الموضوع في جريانالاستصحاب، وقد عرفت بطلانه، فإنّ الشرط هو اتّحاد القضيّتين، لإبقاءالموضوع.
وثانيا: أنّه مبنيّ أيضاً على ما ذهب إليه من أنّ المستصحب هو خصوصالمحمول، وقد عرفت أيضاً بطلانه، فإنّ المستصحب تمام القضيّة، لا المحمولفقط.
وثالثا: ـ وهو الإشكال الأساسي الوارد على قلب هذا الدليل(1) ـ أنّا سلّمنكونه خصوص العرض والمحمول، لكنّ الشارع لم يحكم بإبقاء العرض، بلحكم بترتيب آثاره عليه، فإنّا إذا شككنا في بقاء عدالة زيد يكون معنى قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ» ترتيب آثار العدالة، لا الحكم بإبقائها، فإنّها أمرتكويني لا يرتبط بالشارع، وما هو المربوط به إنّما هو ترتيب آثارهالشرعيّة، فأين الحكم ببقاء العرض حتّى يقال: كيف يحكم ببقائه مع عدمإحراز موضوعه؟
ثمّ إنّه بعد ما علم لزوم اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها موضوعومحمولاً فلابدّ من إحرازه وجدانا، فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذعلمنا بأنّ زيدا موجود ثمّ شككنا فيه، وكذلك إذا علمنا بأنّ زيدا عادلثمّ شككنا في بقاء عدالته مع العلم بحياته، فإنّ الاتّحاد في هذين المثالينمحرز بالوجدان.
إنّما الإشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا علمنا بأنّ زيدا عادل مثلاً ثمّشككنا في عدالته وحياته كلتيهما، فاستصحاب العدالة هل يجري أم لا؟
- (1) فرائد الاُصول 3: 290.
- (2) لكون الإشكالين الأوّلين مبنائيّين. م ح ـ ى.
(صفحه332)
والحقّ جريانه، لأنّ الموضوع في مثل هذه القضيّة عند العرف هو نفس زيدوماهيّته من غير أن يكون الوجود والحياة دخيلاً فيه، فإنّ وجود الماهيّة عندالعرف من الحيثيّات التعليليّة لعروض العوارض عليها، فكأنّه قيل: «زيدعادل لكونه حيّا» أو تكون القضيّة عند العرف من قبيل القضايا الحينيّة،فكأنّه قيل: «زيد عادل حينما كان حيّا» فالاتّحاد بين القضيّتين محرز وجدانا،لأنّا علمنا بعدالة زيد وشككنا في بقائها، فلا إشكال في استصحابها.
نعم، لو اُخذ بعض الأوصاف في لسان الدليل قيدا في الموضوع، كأن يقال:«إذا كان زيد الحيّ عادلاً يجوز أو يجب تقليده» ثمّ شككنا في بقاء عدالتهوحياته كلتيهما، فلا مجال لاستصحاب العدالة، لعدم إحراز الاتّحاد، فإنّ القضيّةالمتيقّنة «زيد الحيّ عادل» بخلاف المشكوك فيها، فإنّ الحياة لم تحرز فيها حتّىيقال: إنّا نشكّ في بقاء عدالة زيد الحيّ.
لا يقال: يجري الاستصحاب في حياته أوّلاً، فإنّ كونه حيّا كان متيقّنأيضاً، وبعد إثباتها بالاستصحاب يجري في عدالته، لصدق قولنا: «إنّا نشكّ فيبقاء عدالة زيد الحيّ» حينئذٍ.
فإنّه يقال: لا يثبت باستصحاب حياته موضوع قضيّة «زيد الحيّ عادل»لعدم كونه(1) أثرا شرعيّا للحياة.
على أنّ الوصف اُخذ في موضوع القضيّة محرزا بالوجدان، واستصحابالحياة لا يثبت إلاّ بقاء «زيد الحيّ» تعبّدا، فلم يحرز الموضوع وجدانباستصحاب الحياة.
فالحاصل: عدم جريان الاستصحاب فيما إذا اُخذ بعض الأوصاف قيدا فيالموضوع وشكّ في بقاء هذا القيد والمحمول كليهما، لعدم إحراز الاتّحاد بين
- (1) أي كون الموضوع، وهو «زيد الحيّ». م ح ـ ى.