(صفحه330)
ومن هنا ظهر فساد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، فإنّه قال باعتبار اتّحادالقضيّة المتيقّنة مع المشكوكة موضوعا(1).
إذ لا يكفي الاتّحاد في خصوص الموضوع في الاستصحاب، بل لابدّ منالاتّحاد بين القضيّتين.
نعم، إنّه بعد قوله بلزوم الاتّحاد موضوعا قال: «كاتّحادهما حكما».
لكنّه يدلّ ـ بمقتضى التشبيه ـ على كون الاتّحاد في المحمول أوضح منالاتّحاد في الموضوع في نظره، وهو فاسد، فإنّ الاتّحاد في الموضوع والمحموليستفاد من قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» كما عرفت، فلا يكون الاتّحاد فيالمحمول مقدّما على الاتّحاد في الموضوع، بل هما في رتبة واحدة، والدليلعليهما واحد، فلا يكون أحدهما أوضح والآخر أخفى.
دليل الشيخ على ما اختاره في المسألة ونقده
ثمّ إنّ الشيخ رحمهالله استدلّ على ما ذهب إليه من اعتبار بقاء الموضوع في الزماناللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق بوجه عقلي:
وهو أنّه لو لم يعلم تحقّقه لاحقا فإذا اُريد إبقاء المستصحب العارض لهالمتقوّم به فإمّا أن يبقى في غير محلّ وموضوع، وهو محال، وإمّا أن يبقى فيموضوع غير الموضوع السابق، فإن اُريد إبقاء العرض السابق بشخصه فيموضوع آخر فهو أيضاً محال، لاستحالة انتقال العرض، وإن اُريد إثبات مثلهفي موضوع آخر فلا يشمله تعريف الاستصحاب، فإنّه عبارة عن «إبقاءما كان» وإثبات مثل العرض السابق لا يكون منه، فلابدّ من إحراز وجودالموضوع في الزمان اللاحق(2).
ج6
ويرد عليه أوّلاً: أنّه مبنيّ على مذهبه من اشتراط بقاء الموضوع في جريانالاستصحاب، وقد عرفت بطلانه، فإنّ الشرط هو اتّحاد القضيّتين، لإبقاءالموضوع.
وثانيا: أنّه مبنيّ أيضاً على ما ذهب إليه من أنّ المستصحب هو خصوصالمحمول، وقد عرفت أيضاً بطلانه، فإنّ المستصحب تمام القضيّة، لا المحمولفقط.
وثالثا: ـ وهو الإشكال الأساسي الوارد على قلب هذا الدليل(1) ـ أنّا سلّمنكونه خصوص العرض والمحمول، لكنّ الشارع لم يحكم بإبقاء العرض، بلحكم بترتيب آثاره عليه، فإنّا إذا شككنا في بقاء عدالة زيد يكون معنى قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ» ترتيب آثار العدالة، لا الحكم بإبقائها، فإنّها أمرتكويني لا يرتبط بالشارع، وما هو المربوط به إنّما هو ترتيب آثارهالشرعيّة، فأين الحكم ببقاء العرض حتّى يقال: كيف يحكم ببقائه مع عدمإحراز موضوعه؟
ثمّ إنّه بعد ما علم لزوم اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها موضوعومحمولاً فلابدّ من إحرازه وجدانا، فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذعلمنا بأنّ زيدا موجود ثمّ شككنا فيه، وكذلك إذا علمنا بأنّ زيدا عادلثمّ شككنا في بقاء عدالته مع العلم بحياته، فإنّ الاتّحاد في هذين المثالينمحرز بالوجدان.
إنّما الإشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا علمنا بأنّ زيدا عادل مثلاً ثمّشككنا في عدالته وحياته كلتيهما، فاستصحاب العدالة هل يجري أم لا؟
- (1) فرائد الاُصول 3: 290.
- (2) لكون الإشكالين الأوّلين مبنائيّين. م ح ـ ى.
(صفحه332)
والحقّ جريانه، لأنّ الموضوع في مثل هذه القضيّة عند العرف هو نفس زيدوماهيّته من غير أن يكون الوجود والحياة دخيلاً فيه، فإنّ وجود الماهيّة عندالعرف من الحيثيّات التعليليّة لعروض العوارض عليها، فكأنّه قيل: «زيدعادل لكونه حيّا» أو تكون القضيّة عند العرف من قبيل القضايا الحينيّة،فكأنّه قيل: «زيد عادل حينما كان حيّا» فالاتّحاد بين القضيّتين محرز وجدانا،لأنّا علمنا بعدالة زيد وشككنا في بقائها، فلا إشكال في استصحابها.
نعم، لو اُخذ بعض الأوصاف في لسان الدليل قيدا في الموضوع، كأن يقال:«إذا كان زيد الحيّ عادلاً يجوز أو يجب تقليده» ثمّ شككنا في بقاء عدالتهوحياته كلتيهما، فلا مجال لاستصحاب العدالة، لعدم إحراز الاتّحاد، فإنّ القضيّةالمتيقّنة «زيد الحيّ عادل» بخلاف المشكوك فيها، فإنّ الحياة لم تحرز فيها حتّىيقال: إنّا نشكّ في بقاء عدالة زيد الحيّ.
لا يقال: يجري الاستصحاب في حياته أوّلاً، فإنّ كونه حيّا كان متيقّنأيضاً، وبعد إثباتها بالاستصحاب يجري في عدالته، لصدق قولنا: «إنّا نشكّ فيبقاء عدالة زيد الحيّ» حينئذٍ.
فإنّه يقال: لا يثبت باستصحاب حياته موضوع قضيّة «زيد الحيّ عادل»لعدم كونه(1) أثرا شرعيّا للحياة.
على أنّ الوصف اُخذ في موضوع القضيّة محرزا بالوجدان، واستصحابالحياة لا يثبت إلاّ بقاء «زيد الحيّ» تعبّدا، فلم يحرز الموضوع وجدانباستصحاب الحياة.
فالحاصل: عدم جريان الاستصحاب فيما إذا اُخذ بعض الأوصاف قيدا فيالموضوع وشكّ في بقاء هذا القيد والمحمول كليهما، لعدم إحراز الاتّحاد بين
- (1) أي كون الموضوع، وهو «زيد الحيّ». م ح ـ ى.
ج6
القضيّتين.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
ولكنّ المحقّق النائيني رحمهالله قال: لا مانع من جريان الاستصحاب فيه، لأنّه إذقال: «إذا كان زيد حيّا عادلاً يجوز تقليده» وشككنا في بقاء حياته وعدالتهيجوز إحراز الحياة والعدالة بالاستصحابين، كما يجوز إحراز أحد جزئيالمركّب بالاستصحاب والآخر بالوجدان، فنستصحب في المثال كلا الوصفينللموضوع الذي هو زيد ونرتّب الأثر ـ وهو جواز التقليد ـ على الموضوعالمحرز كلا جزئيه بالأصل(1). هذا حاصل كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق النائيني في المقام
والجواب عنه أنّه وقع الخلط في كلامه، فإنّه مثّل بقضيّة لا يكونموضوعها مقيّدا بوصف، بل كان الموضوع فيها زيدا فقط، ولكن له محمولانشكّ في بقاء كلّ منهما، ونحن أيضاً نقول بجريان الاستصحاب فيهما(2) لترتيبالأثر الشرعي.
إلاّ أنّه لا يرتبط بالمقام، فإنّ البحث إنّما يكون فيما إذا اُخذ أحد الوصفينقيدا للموضوع، كأن يقال: «إذا كان زيد الحيّ عادلاً يجوز تقليده».
فثبت إلى هنا أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب وحدة القضيّتين وأنّه لابدّمن إحرازها وجدانا.
- (1) فوائد الاُصول 4: 566 ـ 570.
- (2) لاتّحاد القضيّتين في كلا الاستصحابين، فإنّا إذا علمنا بأنّ زيدا حيّ ثمّ شككنا في بقاء حياته كانالموضوع فيها هو نفس زيد وماهيّته، وشككنا في بقاء هذه القضيّة كذلك، فالاتّحاد بين القضيّتين محرزبالوجدان، فيجري الاستصحاب، وكذلك إذا علمنا بأنّ زيدا عادل ثمّ شككنا في بقاء عدالته، فيجريالاستصحابان لترتيب الأثر الشرعي، وهو جواز التقليد. م ح ـ ى.
(صفحه334)
ملاك الاتّحاد بين القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة
بقي الكلام في أنّ الملاك في الاتّحاد هل هو نظر العقل أو نظر العرف أو لسانالدليل الشرعي؟
وتظهر الثمرة في أنّ الملاك لو كان نظر العقل لا يجري الاستصحاب فيالأحكام أصلاً، لأنّه كلّما شكّ في بقاء الحكم كان لأجل الشكّ في بقاءموضوعه، ولا يتصوّر كون الموضوع محرزا بنظره ومع ذلك شكّ في بقاءحكمه، ألا ترى أنّه إذا شكّ في بقاء وجوب صلاة الجمعة يكون هذا الشكّناشيا عن تغيير خصوصيّة من خصوصيّات الموضوع عقلاً، وهو أنّ موضوعالقضيّة المتيقّنة صلاة الجمعة في زمن حضور المعصوم وموضوع المشكوك فيهصلاة الجمعة في زمان الغيبة.
فلا يعقل أن يجري الاستصحاب في الشبهات الحكميّة لو كان ملاك الاتّحادنظر العقل حتّى في باب النسخ، فإنّ العقل لا يحتمل النسخ إلاّ إذا تغيّر بعضخصوصيّات الموضوع، فلا يجري استصحاب عدم النسخ أيضاً لو كان الملاكفي الاتّحاد نظر العقل.
بل لا يجري على ذلك في بعض الشبهات الموضوعيّة أيضاً، كالشكّ في بقاءالوضوء الناشي عن عروض الخفقة أو الخفقتين الذي هو كان مورد الصحيحةالاُولى لزرارة، فإنّ موضوع القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها متغايران فيه عقلاً،لتغاير الإنسان الذي عرض عليه الخفقة والخفقتان والذي لا يكون كذلكبحسب نظر العقل، وكالشكّ في بقاء كرّيّة الماء، فإنّ الماء الذي علم بكرّيّته كانأكثر من الذي شكّ في بقاء كرّيّته، فلا تتّحد القضيّتان عقلاً.
فما يظهر من المحقّق الخراساني رحمهالله من جريان الاستصحاب في جميع موارد