ج6
بأخصّيّة دليل الاستصحاب من دليل القرعة ـ وهذا هو المبنى الأوّل الذيذكرناه ـ سيّما أنّه قال بأنّ الإجماع قام على خروج الشبهات الحكميّة عندليلها، فإنّه صريح في شموله لها مع قطع النظر عن الإجماع، ثمّ انتقل إلى منقلناه عنه آنفا، وهو أنّ الظاهر من دليل القرعة اختصاصه بالمشكوك حكمهالواقعي والظاهري كلاهما، وهذا يقتضي خروج الشبهات الحكميّة ومواردالاُصول العمليّة والقواعد الفقهيّة عن موضوع دليلها، ثمّ انتقل إلى أنّ بين دليلالاستصحاب ودليل القرعة عموما من وجه بقوله: «فلا بأس برفع اليد عندليلها عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليله، لوَهن عمومها وقوّةعمومه» فإنّه ظاهر في أنّ بينهما عموما من وجه، إلاّ أنّا نتمسّك في موردالاجتماع بدليل الاستصحاب، لقوّة عمومه ووهن عموم دليل القرعة.
وأنت ترى أنّ بين هذه الفقرات الثلاث من كلامه منافاةً واضحة.
هذا تمام الكلام في الاستصحاب، وبه تمّ مباحث الاُصول العمليّة.
والحمدللّه ربّ العالمين.
(صفحه374)
المقصد الثامن
في تعارض الأدلّة
ج6
(صفحه376)
في تعارض الأدلّة
أهمّيّة البحث
لقد أجاد المحقّق الخراساني رحمهالله حيث جعل هذا المبحث من مقاصدعلم الاُصول ـ حيث قال: المقصد الثامن: في تعارض الأدلّةوالأمارات(1) ـ ، لا خاتمةً له، كما صنع بعضهم، فإنّه من مهمّات بحثالاُصول، لشدّة ارتباطه بالفقه، ولقد أجاد أيضاً حيث جعل عنوانه «تعارضالأدلّة والأمارات»(2) لا «التعادل والترجيح»(3)،(4) فإنّ البحث هاهنا فيالخبرين المتعارضين، إلاّ أنّهما قد يكونان متعادلين، وقد يكون أحدهما ذامزيّةعلى الآخر.
حدود البحث
- (1) راجع كفاية الاُصول: 496.
- (2) لا فرق بين الأدلّة والأمارات، وأمّا ما ذكره الشيخ رحمهالله من الفرق، وهو أنّ الطرق المعتبرة لو قامت علىحكم شرعي فهي الأدلّة الاجتهاديّة، وإن قامت على موضوع فهي الأمارات المعتبرة فاصطلاح خاصّ به.منه مدّ ظلّه.
- (3) وأمّا ما نرى في الكفاية من التعبير بـ «هذا مبحث التعادل والتراجيح» فهو ليس من كلام المحقّقالخراساني، بل من قلم الناسخ. منه مدّ ظلّه.
- (4) إنّ بعضهم عبّروا بـ «الترجيح» إفراداً بلحاظ نفس الفعل، وعبّر بعض آخر بـ «التراجيح» جمعا بلحاظالفعل الحاصل من أقسام المرجّحات من حيث صفات الراوي بأقسامها، ومن حيث مضمون الروايةكذلك، وباعتبار جهة الصدور، فيتعدّد الترجيح باعتبارها، هذا مع أنّ في الجمع تشاكلاً صوريّبـ «التعادل» باعتبار وقوع الألف بين حرفين في الأوّل. م ح ـ ى.
ج6
وهذا العنوان، أعني «تعارض الأدلّة والأمارات» لا يختصّ بالخبرينالمتعارضين، إلاّ أنّهم خصّوا البحث بهما لوجهين:
أحدهما: أنّ أساس فقه الشيعة هو الأخبار، لأنّ الدليل على أكثر المسائلالفقهيّة منحصر بها.
الثاني: أنّ الأخبار العلاجيّة إنّما وردت في الخبرين المتعارضين.
فلابدّ من عقد البحث في تعارض الأخبار واختصاص الكلام به.
فنقول: إنّ الأخبار العلاجيّة تدور مدار عنوانين:
أ ـ الخبران المتعارضان، كما في مقبولة عمر بن حنظلة(1).
ب ـ الخبران المختلفان، كما في سائر الروايات، فالكلام في باب التعارضيدور مدارهما، ومفادهما واحد عند العرف الذي نظره هو الميزان في تشخيصالموضوعات مصداقا ومفهوما.
ويعمّ البحث التعارض عرضا كالتعارض حقيقةً، لأنّ العرف كما يرىالتعارض والاختلاف بين الخبرين الدالّ أحدهما على وجوب صلاة الجمعةوالآخر على عدم وجوبها، يرى التعارض والاختلاف أيضاً بين الخبرينالدالّ أحدهما على وجوبها والآخر على وجوب صلاة الظهر مع العلم بعدموجوب كليهما في يوم الجمعة، فإنّ الخبرين وإن لم يمتنع اجتماعهما ذاتا، إلاّ أنّالعلم بكذب أحدهما يوجب التعارض والاختلاف بينهما عرفا.
فما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله من «أنّ التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلّةبحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضادّ حقيقةً أو
- (1) لم يعبّر في المقبولة بـ «الخبرين المتعارضين» نعم، في مرفوعة زرارة: «يأتي عنكم الخبران أو الحديثانالمتعارضان». فلاحظ المقبولة في الكافى 1: 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10،والمرفوعة في مستدرك الوسائل 17: 303، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.م ح ـ ى.