ج6
أ ـ الخبران المتعارضان، ب ـ الحديثان المختلفان، وهما لا يشملان ملا تعارض بينهما عرفا.
نظريّة صاحب الكفاية في شمول الأخبار العلاجيّة للعامّ والخاصّ
والعجب من المحقّق الخراساني رحمهالله حيث إنّه ـ بعد الاعتراف بعدم التعارضبين العامّ والخاصّ عرفا، وبعد نقل ذهاب المشهور إلى عدم شمول الأخبارالعلاجيّة لهما ـ قال بشمولها لهما، واستدل عليه بثلاثة وجوه:
الأوّل: أنّ التعارض بينهما ثابت في بدو النظر، وإن زال عرفا بعد التأمّلوالدقّة.
الثاني: أنّ العرف وإن لم يتحيّر في الحكم الظاهري، إلاّ أنّه متحيّر في الحكمالواقعي، فإذا قال المولى: «أكرم العلماء» ثمّ قال: «لا تكرم الفسّاق من العلماء»لا يتحيّر العرف في عدم وجوب إكرام الفسّاق من العلماء ظاهرا، لكنّه متحيّرفي حكم إكرامهم واقعا، وهذا كافٍ في شمول الأخبار العلاجيّة.
الثالث: أنّ طريقة العقلاء حجّة شرعا ما لم يردع عنها، ويمكن أن يكونالسائل في الأخبار العلاجيّة متحيّرا في أنّ الشارع هل ردع عن طريقتهمبالنسبة إلى عدم رؤية المغايرة بين العامّ والخاصّ أم لا؟ فسأل عنه(1).
هذا حاصل ما أفاده في المقام.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المسألة
والجواب عن الأوّل: أنّ التعارض البدوي الزائل بالدقّة لا يكفي
(صفحه386)
في شمول الأخبار العلاجيّة، لأنّ الميزان في تشخيص الموضوعات نظرالعرف بالدقّة، فلا عبرة بنظره البدوي الزائل بعد الدقّة، وهل هذا الكلاممن المحقّق الخراساني رحمهالله إلاّ كالقول بشمول دليل وجوب الاجتناب عن الدمللون الذي تخيّل في بدو النظر أنّه دم وإن زال هذا التخيّل بعد الدقّة وعلمأنّه لون؟!
وعن الثاني: أنّ الأخبار العلاجيّة لا ترتبط بالحكم الواقعي، بل وردتلبيان الوظيفة الظاهريّة للراوي والفقيه، إذ السؤال فيها عن عنوان كلّي ـ أعنيالخبرين المتعارضين ـ مثل أن دلّ أحدهما على وجوب صلاة الجمعة والآخرعلى استحبابها، فأجاب عليهالسلام بالتخيير أو الترجيح، مع إمكان أن يكون الحكمالواقعي على خلاف كليهما، كالحرمة، فكيف يمكن القول بكون السؤال عنالحكم الواقعي وورود الجواب على طبقه؟!
نعم، لو كان السؤال عن مورد خاصّ من العامّ والخاصّ ـ كالسؤال عنخبرين خاصّين يدلّ أحدهما على وجوب إكرام العلماء والآخر على عدموجوب إكرام الفسّاق منهم ـ لكان الجواب على طبق الحكم الواقعي، لكنّهمجرّد الفرض، لعدم ورود الأخبار العلاجيّة في العامّ والخاصّ بنحو الكلّيفضلاً عن ورودها في واقعة خاصّة منهما.
وعن الثالث: أنّ صرف إمكان تحيّر السائل في أنّ الشارع هل ردع عنطريقة العقلاء أم لا؟ لا يجديه، لأنّه ليس في أخبار العلاج ما يدلّ على كونالسؤال عن الردع عن بناء العقلاء على حمل العامّ على الخاصّ وعدم معاملةالمتنافيين بينهما، ولو فرض كون السؤال عنه فلابدّ من ملاحظة جوابه عليهالسلام وأنّههل أجاب بردعه أو بعدمه؟
نظريّة المحقّق الحائري رحمهالله في شمول أخبار العلاج للعامّ والخاصّ
ج6
والمحقّق الحائري رحمهالله أيضاً بعد الاعتراف بعدم كون العامّ والخاصّ منالمتعارضين عرفا(1)، قال بالرجوع إلى الأخبار العلاجيّة فيهما، واستدلّ عليهـ مضافا إلى ما استدلّ به المحقّق الخراساني ـ بقوله:
إنّ المرتكزات العرفيّة لا يلزم أن تكون مشروحةً مفصّلةً عند كلّ أحدحتّى يرى السائل في هذه الأخبار عدم احتياجه إلى السؤال عن حكم العامّوالخاصّ المنفصل وأمثاله.
وأيّد ما ادّعاه برواية الحميري عن الحجّة عليهالسلام من قوله عليهالسلام : «في الجوابعن ذلك حديثان: أمّا أحدهما: فإذا انتقل من حالة إلى اُخرى فعليه التكبير،وأمّا الآخر: فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّقام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير»(2) إلخ.
ولا شكّ أنّ الثاني أخصّ من الأوّل مطلقا، مع أنّه عليهالسلام أمر بالتخيير بقوله فيآخر الخبر: «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا».
وبرواية عليّ بن مهزيار: «قال: قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمّد إلى أبيالحسن عليهالسلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه عليهالسلام في ركعتي الفجرفي السفر، فروى بعضهم: صلّهما في المحمل، وروى بعضهم: لا تصلّهما إلاّ علىوجه الأرض»(3) إلخ.
والظاهر أنّ الروايتين من قبيل النصّ والظاهر، لأنّ الاُولى نصّ في الجواز،والثانية ظاهرة في عدمه، لإمكان حملها على أنّ إيقاعها على الأرض أفضل،مع أنّه عليهالسلام أمر بالتخيير بقوله عليهالسلام : «موسّع عليك بأيّة عملت»(4).
- (2) وسائل الشيعة 27: 121، كتاب القضاء، الباب9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 39.
- (3) وسائل الشيعة 27: 122، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 44.
- (4) وتوجيه الاستدلال بهذا الخبر على المقام أنّ العامّ والخاصّ إمّا أن يكونا من قبيل النصّ والظاهر،فيشملهما الخبر، وإمّا أن يكونا من قبيل الظاهر والأظهر، فيشملهما بطريق أولى. منه مدّ ظلّه.
(صفحه388)
ثمّ قال: ودعوى السيرة القطعيّة على التوفيق بين العامّ والخاصّوالمطلق والمقيّد من لدن زمان الأئمّة عليهمالسلام وعدم رجوع أحد من العلماءإلى المرجّحات الاُخر، يمكن منعها، كيف؟ ولو كانت لما خفيت على مثلشيخ الطائفة، فلا يظنّ بالسيرة، فضلاً عن القطع بعد ذهاب مثله إلى العملبالمرجّحات في تعارض النصّ والظاهر، كما يظهر من عبارته المحكيّة عنهفي الاستبصار والعدّة(1).
إنتهى كلامه رحمهالله .
نقد كلام المحقّق الحائري رحمهالله في المسألة
ويرد عليه أنّ احتمال عدم كون المرتكزات العرفيّة مشروحة لدى السائللا يوجب شمول العنوان المسئول عنه ـ وهو الخبران المتعارضان ـ لغيرمصاديقه العرفيّة، وبعبارة اُخرى: ليس في السؤال شاهد على عدم مشروحيّةالمرتكزات العرفيّة لدى السائل.
نعم، لو سئل عن ورود العامّ والخاصّ كان لما ذكر وجه.
وأمّا رواية الحميري: فوقع الاختلاف في حجّيّة مكاتباته، هذا أوّلاً.
وثانيا: كيف يجيب الإمام العالم بالواقع في واقعة خاصّة بورود خبرين فيهثمّ يخيّر السائل في العمل بأيّهما شاء؟! مع أنّ عليه بيان حكمها الواقعي، فلابدّمن حمل قوله عليهالسلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا» على بيانالحكم الواقعي، أي أنت مخيّر بحسب الواقع بين فعل التكبير بعد القيام عنالجلوس وبين تركه، أي لا يجب التكبير في هذه الحالة.
ج6
وهذا الحكم موافق أيضاً لتخصيص الخبر العامّ الذي أشار عليهالسلام إليهبالخاصّ، إذ الأوّل ظاهر في وجوب التكبير عند الانتقال من كلّ حالة إلىاُخرى، والثاني يدلّ على عدم وجوبه عند الانتقال إلى القيام من الجلوس.
وبهذا ظهر الجواب عن رواية عليّ بن مهزيار أيضاً، فإنّ الجواب فيها أيضعن الواقع، كما هو مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين.
وأمّا إنكاره السيرة بدليل ذهاب شيخ الطائفة إلى العمل بالمرجّحات فيالنصّ والظاهر: ففيه أوّلاً: أنّ الشيخ رحمهالله بحث في كتاب العدّة عن العامّ والخاصّ،ولا مجال لهذا البحث لو كان معتقدا بشمول أخبار العلاج لهما، إذ لا أثرلمباحث العامّ والخاصّ لو التزمنا بكونهما متعارضين ولزوم إعمال المرجّحاتعند كونهما متفاضلين والتخيير في صورة كونهما متكافئين.
وثانيا: سيرته العمليّة في كتبه الفقهيّة على حمل العامّ على الخاصّ والمطلقعلى المقيّد والظاهر على النصّ، والملاك في ثبوت السيرة هو السيرة العمليّة.
والعمل بأخبار العلاج في العامّ والخاصّ مستلزم لفقه جديد وانقراضالفقه المتداول الموجود.
ولم يكن عندي كتاب العدّة والاستبصار حتّى يتّضح لي أنّ ما نسبه المحقّقالحائري رحمهالله إلى الشيخ فيهما هل هو صحيح أم لا؟
لكنّه قيل: إنّ عبارتيهما لا تدلاّن على ذلك.
البحث حول قاعدة الجمع
اشتهر بينهم أنّ «الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح».في قاعدة الجمع
والمراد بالأولويّة هو الأولويّة التعيّنيّة، فهي من قبيل الأولويّة في اُوليالأرحام(1)، كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله (2)، فلو تمّ هذه القاعدة سندا فمدلوله
- (1) إشارة إلى قوله تعالى: «وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـبِ اللَّهِ». الأنفال: 75. م ح ـ ى.