ج6
العلماء».في النصّ والظاهر والأظهر والظاهر
وليعلم أنّ جميع موارد الجمع العرفي إمّا من قبيل النصّ والظاهر أو منقبيل الأظهر والظاهر.
وأمّا التوفيق بين العامّ والخاصّ وبين المطلق والمقيّد فليس بجمع حقيقةً.
نقد ما أفاده الشيخ رحمهالله في الأظهر والظاهر
ويظهر من الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله في المقام الرابع من مبحث التعادلوالترجيح أنّ النصّ والظاهر خارجان عن الأخبار العلاجيّة موضوعا،والأظهر والظاهر داخلان فيها موضوعا، خارجان حكما(1).
ويرد عليه أوّلاً: أنّ خروج الأظهر والظاهر أيضاً موضوعي، ألا ترى أنّه إذقال: «رأيت أسدا يرمي» لا يقال: إنّه تناقض في كلامه، مع أنّه من قبيلالأظهر والظاهر، فلا تعارض ولا اختلاف بينهما عرفا حتّى يشملهما موضوعالأخبار العلاجيّة.
وثانيا: لو سلّمنا دخولهما فيها موضوعا، فلا دليل على خروجهما عنحكمها، فلابدّ من العمل بأخبار العلاج فيهما.
نقد كلام آخر للشيخ رحمهالله حول النصّ والظاهر
ثمّ إنّه يظهر من الشيخ الأعظم رحمهالله أنّه ذهب إلى فرق آخر بين النصّوالظاهر وبين الأظهر والظاهر، وهو أنّ النصّ والظاهر خارجان عن أخبارالعلاج مطلقا، بخلاف الأظهر والظاهر، فإنّ خروجهما مشروط بأن يكونبينهما جمع مقبول عرفي(2).
- (1) راجع فرائد الاُصول 4: 81 و 89 .
(صفحه394)
وفيه: أنّ خروج النصّ والظاهر أيضاً مشروط بذلك، وإلاّ فلو كانالتصرّف في الظاهر لأجل النصّ خلاف قانون المحاورة ولم يكن الجمع بينهمعرفيّا مقبولاً يكونان من المتعارضين، ولابدّ من العمل بأخبار العلاج فيهما،فالميزان الكلّي في الخروج هو كون الجمع مقبولاً عرفاً، فقوله: «صلّ فيالحمّام» و«لا تصلّ في الحمّام» من المتعارضين، مع أنّ الأوّل نصّ في الرخصةوالمشروعيّة، والثاني ظاهر في الحرمة وعدم المشروعيّة، لكنّ الجمع بينهمليس بمقبول عقلائي، فاللازم للفقيه مراعاة مقبوليّة الجمع عرفا وكونه علىقانون المحاورات في محيط التشريع والتقنين، لا الأخذ بما قيل من حمل الظاهرعلى النصّ، فإنّه لم يرد فيه آية أو رواية.
ثمّ ينبغي التكلّم هاهنا حول الموارد التي تكون خارجة عن تحت أخبارالعلاج أو قيل بخروجها، لكونها إمّا من قبيل النصّ والظاهر أو من قبيلالأظهر والظاهر.
والبحث المفصّل الجامع هنا ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله .
ج6
ما ادّعي كونه من قبيل النصّ والظاهر
فيما إذا كان لأحد العامّين من وجه قدر متيقّن في مقام التخاطب
فمن الموارد التي قال بكونها من قبيل النصّ والظاهر: ما إذا كان بينالدليلين عموم من وجه وكان لأحدهما قدر متيقّن في مقام التخاطب، لكنّه لميصل إلى حدّ الانصراف(1)، مثلاً إذا قال: «أكرم العلماء» ثمّ قال: «لا تكرمالفسّاق» وعلم من حاله أنّه يبغض فسّاق العلماء ويكرههم أشدّ كراهة منفسّاق غيرهم، فيصير فسّاق العلماء متيقّن الاندراج تحت قوله: «لا تكرمالفسّاق» فيكون نصّا فيهم، وقوله: «أكرم العلماء» يشملهم بنحو الظهور(2).
وأجاب عنه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» بثلاثة أوجه، لكن غيرالأخير منها مبنائي.
- (1) توضيح كلامه أنّ للعامّين من وجه عنده ثلاث حالات:
الاُولى: أن لا يكون لأحدهما قدر متيقّن في مقام التخاطب أصلاً، فهما متعارضان في مادّة الاجتماع،الثانية: أن يكون أحدهما منصرفا إلى مادّة الاجتماع، لكونها قدرا متيقّنا في مقام التخاطب، فلا تعارضبينهما أصلاً، لأنّهما وإن كانا عامّين من وجه مفهوما، إلاّ أنّهما بمنزلة العامّ والخاصّ مطلقا، لأجلالانصراف، الثالثة: أن يكون لأحدهما أيضاً قدر متيقّن في مقام التخاطب، وهو مادّة الاجتماع، إلاّ أنّدلالته عليها لم تكن بحدّ من القوّة يوجب الانصراف إليها، لكن يرفع التعارض بينهما، لأنّهما من قبيلالنصّ والظاهر. منه مدّ ظلّه.
- (2) فوائد الاُصول 4: 728.
(صفحه396)
والجواب المتين الذي لا يكون مبنائيّا ما ذكره بقوله:
إن اُريد بتيقّن الاندراج: العلم الفعلي بإرادة المتكلّم من قوله: «لا تكرمالفسّاق» العلماء منهم كما هو ظاهر كلامه فهذا العلم الفعلي ملازم للعلم الفعليبعدم إرادته العلماء الفسّاق من قوله: «أكرم العلماء» فحينئذٍ يخرج المقام منباب التعارض جزما ولا يكون من قبيل تعارض النصّ والظاهر، فإنّه بعدالعلم الفعلي بمراد المولى من الدليلين خرج المورد عن الجمع في مدلولهمكما لا يخفى.
وإن اُريد به العلم التقديري، بمعنى أنّه إن أراد بقوله: «لا تكرم الفسّاق»حرمة إكرام الفاسق الجاهل فهو أراد الفاسق العالم بطريق أولى، وإن لم يردالفاسق العالم لم يرد الفاسق الجاهل بطريق أولى أيضاً، ولا يمكن التفكيك بينهمبأنّه حرّم إكرام الفاسق الجاهل دون العالم، فلا محالة يكون بينهما ملازمة، فإمّأنّه حرّم إكرامهما أو لم يحرّم إكرامهما، ففيه:(1) أنّ الملازمة بين حرمة إكرامالفاسق العالم وبين حرمة إكرام الفاسق الجاهل توجب أن يكون قوله: «لتكرم الفسّاق» بجميع مدلوله معارضا لقوله: «أكرم العلماء» لا في خصوصمادّة الاجتماع، فلا ينحصر طريق رعاية الملازمة فيما ذهبتم إليه من الأخذبقوله: «لا تكرم الفسّاق» بجميع مدلوله، لإمكان رعايتها بطرحه بجميعمدلوله أيضاً(2).
هذا حاصل كلام سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» وإن لم يكن بهذا الوضوح.
فيما إذا كان التخصيص في أحد المتعارضين مستهجناً
- (1) جواب «إن» في «إن اُريد به العلم التقديري». م ح ـ ى.
- (2) الرسائل، مبحث التعادل والترجيح: 19.
ج6
ومنها: ما إذا كانت أفراد أحد العامّين من وجه بمرتبة من القلّةبحيث لو خصّص بما عدا مورد الاجتماع مع العامّ الآخر يلزم التخصيصالمستهجن، بخلاف العامّ الآخر المعارض له، فيجمع بينهما بتخصيص ملا يلزم منه التخصيص المستهجن وإبقاء ما يلزم منه ذلك على حاله، لأنّالعامّ يكون نصّا في المقدار الذي يلزم من خروجه عنه التخصيصالمستهجن(1).
وفيه أوّلاً: أنّ استهجان التخصيص أمر عقلي لا يرتبط بمقام دلالةالدليل، وإلاّ كان كلّ عامّ ـ وإن لم يكن له معارض ـ ذا دلالتين: دلالةنصّيّة بالنسبة إلى المقدار الذي يستلزم تخصيصه فيه تخصيصا مستهجنا(2)،ودلالة ظهوريّة بالنسبة إلى مازاد على ذلك المقدار(3)، وما سمعنا بهذا في كلامأحد منهم.
وثانيا: أنّ الفرار من الاستهجان لا ينحصر فيما ذكرتم، لإمكان أن يُقال: إنّالعامّ الذي يستلزم تخصيصه في مادّة الاجتماع تخصيصا مستهجنا يكون بجميعمدلوله معارضا للعامّ الآخر، لأجل الملازمة بين إرادة مادّتي الافتراقوالاجتماع وعدم إمكان التفكيك بينهما كالمورد السابق(4)، فإمّا أن نأخذ بجميعمدلوله كما ذهبتم إليه، أو نتركه بجميع مدلوله، فلا ينحصر طريق الفرار منالاستهجان فيما ذكرتم.
في ورود أحد المتعارضين مورد التحديدات
- (1) فوائد الاُصول 4: 728.
- (2) كدلالته على 60% من أفراد مدلوله. منه مدّ ظلّه.
- (3) كدلالته على 40% من أفراد مدلوله. منه مدّ ظلّه.
- (4) والفرق بينهما أنّ الملازمة هناك كانت لأجل القدر المتيقّن، وهاهنا لأجل الاستهجان. م ح ـ ى.