(صفحه396)
والجواب المتين الذي لا يكون مبنائيّا ما ذكره بقوله:
إن اُريد بتيقّن الاندراج: العلم الفعلي بإرادة المتكلّم من قوله: «لا تكرمالفسّاق» العلماء منهم كما هو ظاهر كلامه فهذا العلم الفعلي ملازم للعلم الفعليبعدم إرادته العلماء الفسّاق من قوله: «أكرم العلماء» فحينئذٍ يخرج المقام منباب التعارض جزما ولا يكون من قبيل تعارض النصّ والظاهر، فإنّه بعدالعلم الفعلي بمراد المولى من الدليلين خرج المورد عن الجمع في مدلولهمكما لا يخفى.
وإن اُريد به العلم التقديري، بمعنى أنّه إن أراد بقوله: «لا تكرم الفسّاق»حرمة إكرام الفاسق الجاهل فهو أراد الفاسق العالم بطريق أولى، وإن لم يردالفاسق العالم لم يرد الفاسق الجاهل بطريق أولى أيضاً، ولا يمكن التفكيك بينهمبأنّه حرّم إكرام الفاسق الجاهل دون العالم، فلا محالة يكون بينهما ملازمة، فإمّأنّه حرّم إكرامهما أو لم يحرّم إكرامهما، ففيه:(1) أنّ الملازمة بين حرمة إكرامالفاسق العالم وبين حرمة إكرام الفاسق الجاهل توجب أن يكون قوله: «لتكرم الفسّاق» بجميع مدلوله معارضا لقوله: «أكرم العلماء» لا في خصوصمادّة الاجتماع، فلا ينحصر طريق رعاية الملازمة فيما ذهبتم إليه من الأخذبقوله: «لا تكرم الفسّاق» بجميع مدلوله، لإمكان رعايتها بطرحه بجميعمدلوله أيضاً(2).
هذا حاصل كلام سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» وإن لم يكن بهذا الوضوح.
فيما إذا كان التخصيص في أحد المتعارضين مستهجناً
- (1) جواب «إن» في «إن اُريد به العلم التقديري». م ح ـ ى.
- (2) الرسائل، مبحث التعادل والترجيح: 19.
ج6
ومنها: ما إذا كانت أفراد أحد العامّين من وجه بمرتبة من القلّةبحيث لو خصّص بما عدا مورد الاجتماع مع العامّ الآخر يلزم التخصيصالمستهجن، بخلاف العامّ الآخر المعارض له، فيجمع بينهما بتخصيص ملا يلزم منه التخصيص المستهجن وإبقاء ما يلزم منه ذلك على حاله، لأنّالعامّ يكون نصّا في المقدار الذي يلزم من خروجه عنه التخصيصالمستهجن(1).
وفيه أوّلاً: أنّ استهجان التخصيص أمر عقلي لا يرتبط بمقام دلالةالدليل، وإلاّ كان كلّ عامّ ـ وإن لم يكن له معارض ـ ذا دلالتين: دلالةنصّيّة بالنسبة إلى المقدار الذي يستلزم تخصيصه فيه تخصيصا مستهجنا(2)،ودلالة ظهوريّة بالنسبة إلى مازاد على ذلك المقدار(3)، وما سمعنا بهذا في كلامأحد منهم.
وثانيا: أنّ الفرار من الاستهجان لا ينحصر فيما ذكرتم، لإمكان أن يُقال: إنّالعامّ الذي يستلزم تخصيصه في مادّة الاجتماع تخصيصا مستهجنا يكون بجميعمدلوله معارضا للعامّ الآخر، لأجل الملازمة بين إرادة مادّتي الافتراقوالاجتماع وعدم إمكان التفكيك بينهما كالمورد السابق(4)، فإمّا أن نأخذ بجميعمدلوله كما ذهبتم إليه، أو نتركه بجميع مدلوله، فلا ينحصر طريق الفرار منالاستهجان فيما ذكرتم.
في ورود أحد المتعارضين مورد التحديدات
- (1) فوائد الاُصول 4: 728.
- (2) كدلالته على 60% من أفراد مدلوله. منه مدّ ظلّه.
- (3) كدلالته على 40% من أفراد مدلوله. منه مدّ ظلّه.
- (4) والفرق بينهما أنّ الملازمة هناك كانت لأجل القدر المتيقّن، وهاهنا لأجل الاستهجان. م ح ـ ى.
(صفحه398)
ومنها: ما إذا كان أحد الدليلين واردا مورد التحديدات(1) والأوزانوالمقادير والمسافة ونحو ذلك، فإنّ وروده في هذه الموارد يوجب قوّة الظهورفي المدلول بحيث يلحقه بالنصّ، لعدم تطرّق المسامحة في هذه الاُمور، فيقدّمعلى غيره عند التعارض، فإذا قال مثلاً: «الطواف سبعة أشواط» يكون نصّفي معناه، لعدم قبوله المسامحة بكونه أقلّ من سبعة أشواط أو أكثر، فيقدّم علىدليل آخر يعارضه ولم يشتمل على هذه الخصوصيّة(2).
وفيه أوّلاً: أنّ عدم تطرّق التسامح لا يختصّ بهذه الأدلّة، فإنّ الملاك فيموضوع كلّ دليل ـ سواء كان واردا مورد التحديدات والأوزان ونحوهما أملا ـ هو نظر العرف الدقّي، لا المسامحي كما عرفت مرارا.
وثانيا: أنّه قد يختلف المقادير أيضاً، ألا ترى أنّ تحديد الكرّ بالإناء الذيكان كلّ من أطرافه الثلاثة ثلاثة أشبار ونصف شبر يقبل الاختلاف؟لاختلاف الشبر المتوسّط بالنسبة إلى الأفراد، ولأجل هذا رأى الفقهاء أنّتحديده بالأشبار مخالف لتحديده بالوزن.
فورود دليل في هذه الموارد لا يوجب كونه نصّا في معناه.
في ورود أحد المتعارضين في مورد الاجتماع
ومنها: ما إذا كان أحد العامّين من وجه واردا في مورد الاجتماع مع العامّالآخر، كما إذا ورد قوله: «كلّ مسكر حرام» جوابا عن سؤال حكم الخمر،وورد أيضاً ابتداءً قوله: «لا بأس بالماء المتّخذ من التمر» فإنّ النسبة بينالدليلين وإن كانت هي العموم من وجه إلاّ أنّه لا يمكن تخصيص قوله: «كلّ
- (1) كوروده في مقام تحديد الماء الكرّ. منه مدّ ظلّه.
- (2) فوائد الاُصول 4: 729.
ج6
مسكر حرام» بما عدا الخمر، فإنّه لا يجوز إخراج المورد، لأنّ الدليل يكوننصّا فيه، فلابدّ من تخصيص قوله: «لا بأس بالماء المتّخذ من التمر» بما عدالخمر(1).
أقول: إن كان الخمر خصوص المسكر المتّخذ من العنب فلا يرتبط المثالبالمقام، لعدم دخوله في قوله: «لا بأس بالماء المتّخذ من التمر» فلا يكون موردالسؤال مورد الاجتماع بين العامّين من وجه.
وإن كان خصوص المسكر المتّخذ من التمر أو أعمّ منه ومن المتّخذ منالعنب فهو ممّا نحن فيه.
ولا يتمّ ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله إلاّ على الفرض الأوّل، أعني كونهخصوص المسكر المتّخذ من التمر، بخلاف الفرض الثاني، فإنّه إن كان موردالسؤال ذا موردين فلا يكون العامّ نصّا إلاّ في القدر المتيقّن منهما، فإذا قالالمولى: «لا تكرم الفسّاق» ثمّ سأله العبد عن إكرام الفقهاء فأجاب بقوله:«أكرم كلّ عالم» فهو لا يكون نصّا في جميع مورد السؤال، بل في خصوصالقدر المتيقّن منه، وهو الفقهاء العدول، والمقام أيضاً من هذا القبيل.
وبعبارة اُخرى: كما أنّ بين قوله: «كلّ مسكر حرام» وبين قوله: «لا بأسبالماء المتّخذ من التمر» عموما من وجه، فكذلك بين مورد السؤال وبينه أيضعموم من وجه، لأنّ الخمر الذي هو مورد السؤال أعمّ من أن يكون متّخذمن التمر أو من العنب، والماء المتّخذ من التمر أيضاً أعمّ من أن يكون خمرا أوغير خمر، فلا يكون دلالة قوله: «كلّ مسكر حرام» الوارد مورد الخمر أقوىمن أن يقول: «كلّ خمر حرام» وهذا(2) لا يقدّم على قوله: «لا بأس بالماء
- (2) أي «كلّ خمر حرام». م ح ـ ى.
(صفحه400)
المتّخذ من التمر» في مورد الاجتماع، لعدم كونه نصّا فيه، فكذلك قوله: «كلّمسكر حرام».