ج6
في الإطلاق، سيّما أنّ استعمال الأمر في الندب كان شايعا في عرف الأئمّة عليهمالسلام وكذا استعمال النهي في الكراهة(1).
فعلى هذا ظهور المطلق في الإطلاق أقوى من ظهور الأمر بالمقيّد فيالوجوب والنهي عنه في الحرمة.
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في المسألة
ثمّ فصّل سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» تفصيلاً متينا، وهو أنّالإطلاق في مقام البيان قد يقع في جواب سؤال من يريد العمل به، كما لو سألرجل عن تكليفه الفعلي فيما إذا ظاهر امرأته، فقال الإمام عليهالسلام له: «إن ظاهرتفأعتق رقبةً» فأخذ بإطلاقه وأعتق رقبةً كافرة، ثمّ بعده ورد دليل على أنّه«إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة» أو «لا تعتق رقبةً كافرة» ففي مثل ذلكيكون حمل الأمر على الاستحباب والنهي على الكراهة أقوى، بل متعيّنا، لأنّفي تقييد الإطلاق محذور الإغراء بالجهل الممتنع، وأمّا حمل الأمر علىالاستحباب أو النهي على الكراهة فلا محذور فيه.
وقد يقع الإطلاق في مقام البيان في جواب مثل زرارة ومحمّد بن مسلموأمثالهما من الفقهاء وأصحاب الجوامع والاُصول ممّن لا يكون مقصده عملنفسه، بل جمع المسائل وتدوين الكتب لمراجعة من تأخّر عن المعصومين عليهمالسلام .
فحينئذٍ إن قلنا بأنّ الأمر والنهي وضعا للوجوب والحرمة فالحمل عليهموتقييد الإطلاق أولى؛ لأنّ الإطلاق لا يكون من قبيل ظهور اللفظ، بل إنّميحكم به من السكوت في مقام البيان، والأمر والنهي بمالهما من الظهور يصيرانبيانا له، وذكر المطلقات ثمّ بيان القيود منفصلةً عنها أمر متعارف في مقام
- (1) كما قال في معالم الدين وملاذ المجتهدين: 53 و 90.
(صفحه422)
التقنين. وأمّا لو قلنا بأنّ الأمر والنهي محمولان على الوجوب والحرمة قضاءًللإطلاق، وإنّما هما موضوعان لمطلق البعث والزجر، لكنّ البعث المطلق منغير الإذن في الترك والزجر من دون الإذن في الفعل يكونان حجّةً على العبد،فترجيح أحد الحملين(1) على الآخر مشكل، لأنّ دلالة كلا الدليلين بالإطلاق.
نعم، لو قلنا بأنّ تعارف حمل المطلق على المقيّد عند العلماء يكون مرجّحلكان التقييد أولى من حمل الأمر على الاستحباب والنهي على الكراهة.
وأمّا تحقيق حال الأمر والنهي وأنّهما هل وضعا للوجوب والحرمة أولمطلق البعث والزجر فموكول إلى محلّه(2).
هذا بيان الإمام«مدّ ظلّه» في المقام مع تتميم منّا، وهو صحيح متين.
- (1) أي حمل المطلق على المقيّد، وحمل الأمر والنهي على الاستحباب والكراهة. م ح ـ ى.
- (2) الرسائل، مبحث التعادل والترجيح: 31.
ج6
(صفحه424)
في انقلاب النسبة
البحث حول انقلاب النسبة
ثمّ قد يقع التعارض بين أكثر من دليلين(1):
وله صور:
تعارض عامّ و خاصّين
الصورة الاُولى: أن يكون أحد الأدلّة عامّا وكلّ من الدليلين الآخرينخاصّا، ولهذه الصورة فروض:
تعارض عامّ وخاصّين متباينين
الفرض الأوّل: ما إذا كان الخاصّان متباينين.
وفيه مقامان من البحث:
كيفيّة الجمع بين هذه الأدلّة
المقام الأوّل: أنّ في كيفيّة الجمع بينها احتمالات أربعة:
- (1) إجمال تصوير هذا البحث: أنّ وقوع التعارض بين أكثر من دليلين يتصوّر على صور: لأنّه إمّا أن يكونأحد الأدلّة عامّا والآخران خاصّين وإمّا أن لا تكون كذلك، وعلى الأوّل إمّا أن تكون النسبة بين الخاصّينتباينا أو عموما وخصوصا مطلقا أو من وجه، وسيأتي تفصيل هذه الصور. م ح ـ ى.
ج6
أ ـ أن يخصّص العامّ بأحد الخاصّين أوّلاً، ثمّ يلاحظ النسبة بينه وبينالخاصّ الآخر.
ب ـ أن يخصّص بكلّ منهما من دون ملاحظة النسبة بعد التخصيصبأحدهما.
ج ـ أن يفصّل بين المخصّص اللبّي واللفظي، فيخصّص أوّلاً باللبّي ثمّ يلاحظالنسبة بين العامّ وبين المخصّص اللفظي، وأمّا لو كانا لفظيّين فيخصّص بكلّمنهما من دون ملاحظة النسبة بعد التخصيص بأحدهما.
د ـ أن يفصّل بين اللفظي وبعض المخصّصات اللبّيّة ـ مثل الإجماع ونحوه ممّلا يكون كالمخصّص المتّصل بالعامّ ـ فيخصّص بكلّ منهما(1) بدون لحاظ النسبةبعد التخصيص بأحدهما، وبين بعض آخر من المخصّصات اللبّيّة ممّا يكونواضحا عند السامع كالقرينة المتّصلة، فيخصّص به أوّلاً ثمّ يلاحظ النسبة بينالعامّ والمخصّص الآخر الذي ليس كذلك.
الحقّ في المسألة
والحقّ تخصيص العامّ بكلّ منهما إذا كانا لفظيّين وإن استلزم تخصيصهبأحدهما انقلاب نسبته مع الخاصّ الآخر، فإذا قال: «أكرم العلماء» ثمّ قال:«لا تكرم الصرفيّين منهم» ثمّ قال: «لا تكرم النحويّين منهم»(2) خصّص العامّ
- (1) أي بكلّ من الخاصّين، سواء كانا لفظيّين أو لبّيّين أو مختلفين. م ح ـ ى.
- (2) هذا المثال لا ينطبق على الفرض المتنازع فيه، فإنّ النسبة بين الخاصّين في هذا المثال عموم من وجه، لالتباين، وحينما راجعت شيخنا الاُستاذ المحاضر«مدّ ظلّه» اعترف بورود هذا الإشكال على المثال، وإنّيما وجدت حتّى الآن مثالاً لتعارض عامّ وخاصّين متباينين استلزم تخصيص العامّ بأحدهما انقلاب نسبتهمع الخاصّ الآخر.
نعم، لو قال المولى في دليل: «أكرم العلماء» وفي دليل آخر: «لا تكرم العلماء اليهود» وفي دليل ثالث: «لتكرم العلماء النصارى» لكانت النسبة بين الخاصّين هي التباين، لكن لو خصّص العامّ بأحدهما لم تنقلبنسبته مع الخاصّ الآخر كما هو واضح. م ح ـ ى.