ج6
الفرض الثاني: ما إذا كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا، كما إذقال: «أكرم كلّ عالم» و«لا تكرم النحويّين من العلماء» و«لا تكرم الكوفيّينمن النحويّين».
وفيه صورتان:
الاُولى: ما إذا كان الخاصّان متوافقي الحكم، كالمثال، فحينئذٍ قد لا يلزم منتخصيص العامّ بهما بقائه بلا مورد ولا الاستهجان، وقد يلزم ذلك من تخصيصهبكلّ منهما، أي إن خصّص بالخاصّ الأعمّ فقط يلزم الاستهجان وإن خصّصبالخاصّ الأخصّ فقط يلزم ذلك أيضاً، وقد يلزم من تخصيصه بالخاصّ الأعمّدون تخصيصه بالخاصّ الأخصّ، فهذه ثلاثة أقسام.
وأيضاً تارةً تحرز وحدة الحكم بين الخاصّين إمّا من طريق وحدة السببأو غيره، واُخرى لا تحرز.
وأيضاً تارةً يلزم من حمل الخاصّ الأعمّ على الخاصّ الأخصّ بقائه بلمورد أو الاستهجان، واُخرى لا يلزم.
فلابدّ من البحث في هذه الفروض(1) بعون اللّه تعالى.
فإن اُحرزت وحدة الحكم في الخاصّين يحمل الخاصّ على الأخصّ، ثمّيخصّص العامّ به، فيخرج النحويّون من الكوفيّين من العامّ وبقي الباقي تحته.
هذا إذا لم يلزم من تخصيص الخاصّ بالأخصّ الاستهجان، وإلاّ فيقعالتعارض بينهما، فكلّ منهما أخذناه تخييرا أو ترجيحا يخصّص العامّ به(2).
- (1) وهي اثنا عشر فرضا يحصل من ضرب الثلاثة في الاثنين ثمّ الحاصل في الاثنين الأخيرين. م ح ـ ى.
- (2) هذا بناءً على شمول أخبار العلاج التعارض بالعرض، أو قلنا بأنّ القاعدة الأوّليّة في المتعارضين هيالتخيير، وأمّا إذا قلنا بعدم شمولها له وبكون القاعدة الأوّليّة هي التساقط ـ كما هو مقتضى التحقيق عندشيخنا الاُستاذ المحاضر«مدّ ظلّه» وسيأتي في ص449 ـ 459 ـ فيتساقط الخاصّ والأخصّ في موردالأخصّ. م ح ـ ى.
(صفحه430)
وإن لم تحرز وحدة الحكم فالظاهر أنّ مدلول كلّ خاصٍّ حكم مستقلّ غيرمرتبط بحكم الآخر، لكن يتأكّد الحكم في مورد توافقهما، فحينئذٍ إن لا يلزممن تخصيص العامّ بكليهما التخصيص المستهجن يخصّص بهما، وإن لزمالاستهجان من تخصيصه بالخاصّ فقط دون الأخصّ يحمل الخاصّ علىالأخصّ ثمّ يخصّص العامّ به؛ لأنّه جمع عرفي(1)، وإن لزم من كلّ منهما مستقلفلا محالة يكون تخصيص الخاصّ بالأخصّ أيضاً مستهجنا، فيقع التعارضبين جميعها(2).
الثانية: ما إذا كانت الأدلّة الثلاثة مختلفة الحكم، كقوله: «أكرم كلّ عالم»و«لا تكرم النحويّين من العلماء» و«يستحبّ إكرام الكوفيّين من النحويّين»فيخصّص الخاصّ بالأخصّ ثمّ يخصّص العامّ بالخاصّ، أي بما بقي تحته بعدتخصيصه بالأخصّ.
هذا إذا لم يستلزم تخصيص الخاصّ بالأخصّ ولا تخصيص العامّ بالخاصّالاستهجان.
- (1) إن قلت: كيف يحمل الخاصّ على الأخصّ مع كونهما متوافقي الحكم وظهورهما في كون كلّ حكممستقلاًّ عن الآخر؟! هل هذا إلاّ نظير «أعتق رقبةً» و«أعتق رقبةً مؤمنة» حيث لا يحمل المطلق على المقيّدفيما إذا لم يحرز وحدة الحكم، بل يحكم بوجوب عتق مطلق الرقبة وبتأكّد وجوب مادّة الاجتماع التيهي الرقبة المؤمنة؟!
قلت: نعم، ولكن حمل الخاصّ على الأخصّ ثمّ تخصيص العامّ به في المقام جمع مقبول عند العقلاء.
توضيح ذلك: أنّ الدليلين في المقام ـ أعني الخاصّ والأخصّ ـ حيث انضمّا إلى الدليل الثالث ـ وهوالعامّ ـ ولم يمكن تخصيص العامّ بالخاصّ، لاستلزامه التخصيص المستهجن، يجمع بينها بحمل الخاصّعلى الأخصّ ثم تخصيص العامّ به.
نعم، لو كان تعدّد الحكم المستفاد من الخاصّ والأخصّ مقطوعا به، أو كان ظاهرا ولكن لم يكن فيمقابلهما دليل عامّ لم يجمع العرف بينها بما ذكر، ولكن حيث لم يكن تعدّد الحكم المستفاد من الخاصّوالأخصّ قطعيّا، بل يكون ظاهرا أوّلاً وكان العامّ في مقابلهما ثانيا يجعل العقلاء الأخصّ مبيّنا للخاصّ،ثمّ يخصّصون به العامّ. م ح ـ ى.
- (2) أي يقع ثلاثة تعارضات: أحدها: بين العامّ والخاصّ، الثاني: بين العامّ والأخصّ، الثالث: بين الخاصّوالأخصّ. م ح ـ ى.
ج6
وأمّا إن كان تخصيص الخاصّ بالأخصّ مستهجناً فيقع التعارض بينالخاصّين، فما اخترناه منهما ترجيحاً أو تخييراً خصّص العامّ به. وإن كانـ مضافاً إلى استهجان تخصيص الخاصّ بالأخصّ ـ تخصيص العامّ بالخاصّأيضاً مستهجنا حتّى بعد إخراج مورد الأخصّ منه(1) يقع التعارض بين الأدلّةالثلاثة، لأنّا لا نتمكّن من التوفيق بينها بجمع مقبول عقلائي، فلا بدّ من إعمالالأخبار العلاجيّة فيها.
هذا تمام الكلام فيما إذا كانت النسبة بين الخاصّين عموما وخصوصا مطلقا.
وبه ظهر فساد ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من قياس هذهالصورة بالصورة السابقة التي كانت النسبة بين الخاصّين فيها تباينا،فإنّه قال:
حكم هذا القسم حكم القسم السابق من وجوب تخصيص العامّ بكلّمن الخاصّين إن لم يلزم التخصيص المستهجن أو بقاء العامّ بلا مورد،وإلاّ فيعامل مع العامّ ومجموع الخاصّين معاملة التعارض(2)، إنتهى موردالحاجة من كلامه.
فهو رحمهالله لم يفصّل بين صور هذا القسم وفروضه كما ترى.
تعارض عامّ وخاصّين بينهما عموم من وجه
الفرض الثالث: ما إذا كانت النسبة بين الخاصّين عموما من وجه.
وفيه أيضاً صورتان:
الاُولى: ما إذا كان الخاصّان متّفقي الحكم، كقوله: «أكرم كلّ عالم» و«ل
- (1) أي من الخاصّ. م ح ـ ى.
- (2) فوائد الاُصول 4: 743.
(صفحه432)
تكرم النحويّين من العلماء» و«لا تكرم الفسّاق من العلماء» فإن لم يستلزمتخصيص العامّ بهما الاستهجان خصّص بهما، وإن استلزم ذلك يقع التعارضبين الخاصّين، فكلّ منهما أخذناه تخييرا أو ترجيحا خصّص العامّ به فقط(1).
الثانية: ما إذا كانا مختلفي الحكم، كقوله: «أكرم كلّ عالم» و «لا تكرمالفسّاق من العلماء» و«يستحبّ إكرام النحويّين من العلماء» فيقع التعارض بينالخاصّين في مادّة اجتماعهما، وهو الفاسق النحوي، ويخصّص العامّ بمادّتيالافتراق، وهما النحوي غير الفاسق والفاسق غير النحوي من العلماء، وأمّمادّة الاجتماع ـ أعني النحوي الفاسق ـ فيتعارض فيه الأدلّة الثلاثة، لأنّهيكون عالما فيشمله العامّ، وفاسقا فيشمله الخاصّ الأوّل، ونحويّا فيشملهالخاصّ الثاني.
ووقوع العامّ طرفا للتعارض مع كونه أعمّ إنّما هو لأحد وجهين:
أ ـ أنّ الفاسق النحوي وإن كان أخصّ من عنوان العامّ، إلاّ أنّه لا دليل علىتخصيص العامّ به بعد تعارض الخاصّين فيه، فكما يشمله الخاصّان يشملهالعامّ أيضاً، ويتعارض الجميع فيه.
ب ـ أنّ العامّ وإن كان أعمّ مطلقا من الخاصّين، إلاّ أنّه بعد تخصيصه بمادّتيافتراق الخاصّين صار أعمّ من وجه، فإنّ عنوانه بعد التخصيص بهما هو «أكرمكلّ عالم غير فاسق غير نحوي وغير نحوي غير فاسق»(2) والنسبة بينه وبينكلّ واحد من الخاصّين عموم من وجه، فيقع التعارض بين جميعها في الفاسقالنحوي، فإنّه مورد اجتماعها.
- (1) هذا بناءً على شمول أخبار العلاج للتعارض بالعرض أو كون القاعدة الأوّليّة هي التخيير، وأمّا بناءً علىما اختاره شيخنا الاُستاذ المحاضر«مدّ ظلّه» من عدم شمولها له وكون القاعدة هي التساقط كما سيأتي فيص449 ـ 459، فلابدّ من القول بتساقط الخاصّين، فيبقى العامّ على عمومه. م ح ـ ى.
- (2) أي «أكرم كلّ عالم ليس فاسقا غير نحوي ولا نحويّا غير فاسق». م ح ـ ى.
ج6
لكن يمكن المناقشة في هذا الوجه بأنّ العامّ المخصّص لا يصير معنونبعنوان الخاصّ على ما هو التحقيق، لأنّ التخصيص تصرّف في الإرادةالجدّيّة، لا الاستعماليّة.
فالوجه الصحيح لوقوع العامّ طرفا للمعارضة هو الوجه الأوّل.
نعم، هاهنا إشكال، وهو أنّ مقتضى هذا الوجه أن يكون الفاسق النحويمحكوما بحكم العامّ، لأنّ الخاصّين إذا تعارضا فيه وتساقطا فلا دليل علىإخراجه عن تحت العامّ، فيعمّه العامّ سليما عن المعارض.
هذا كلّه فيما إذا كان أحد الأدلّة عامّا والآخران خاصّين.
تعارض عامّين من وجه وخاصٍّ
الصورة الثانية من موارد تعارض أكثر من دليلين: ما إذا ورد عامّان منوجه وخاصّ(1).
فإن أخرج الخاصّ مادّة الاجتماع من أحدهما ـ كما إذا قال: «أكرم كلّعالم» و«لا تكرم كلّ فاسق» و«لا تكرم العالم الفاسق» ـ يرتفع التعارض منبينهما، لاختصاص كلّ منهما بموضوع غير موضوع الآخر، فإنّ العامّ الأوّل بعدتخصيصه بالخاصّ وإخراج العالم الفاسق من تحته يصير مفاده من حيثالحجّيّة والإرادة الجدّيّة(2): «أكرم كلّ عالم غير فاسق» ولا اختلاف بينه وبين«لا تكرم كلّ فاسق» كما هو واضح.
وإن أخرج الخاصّ مورد افتراق أحدهما ـ كما إذا بدّلنا الخاصّ في المثال
- (1) قال شيخنا الاُستاذ المحاضر«مدّ ظلّه»: هذا الخاصّ لا محالة يكون مخصّصا لأحد العامّين من وجه.
لكن يمكن أن يقال بإمكان أن يكون مخصّصا لكليهما، بإخراج مادّة الاجتماع منهما، كما إذا قال: «أكرمالعلماء» و «لا تكرم الفسّاق» و «يستحبّ إكرام العالم الفاسق». م ح ـ ى.
- (2) لا من حيث الدلالة والإرادة الاستعماليّة. م ح ـ ى.