ج6
صغرى للبرهان يستلزم الاتّحاد بين الصغرى والنتيجة معناً وإن اختلفتتعبيراً.
وبعبارة اُخرى: يلزم أن يكون شيء واحد معلوماً ومجهولاً في زمانواحد، فإنّ قوله: «يجب البناء على يقين من وضوئه» من حيث إنّه مقدّمةللقياس كان معلوماً حين تشكيل القياس، لأنّ كلاًّ من مقدّمتيه أمرٌ معلوميتوصّل بهما إلى أمرٍ مجهول، ومن حيث إنّه نتيجة للقياس كان مجهولاً حينتشكيله، وهذا واضح.
وثالثاً: أنّه لا يمكن ـ بناءً على كون قوله عليهالسلام : «فإنّه على يقين من وضوئه»جزءاً للشرط ـ استفادة قاعدة كلّيّة دالّة على الاستصحاب حتّى في خصوصباب الوضوء، لأنّ لازمه أن يكون قوله عليهالسلام : «ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ»معطوفاً على الجزاء وبمعناه، فكأنّه قال: «وإن لم يستيقن أنّه قد نام فليبن علىيقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالوضوء بالشكّ في النوم»، فالمراد عدمنقض اليقين بالوضوء بالشكّ في النوم فقط، ولا يدلّ على عدم وجوبالوضوء عند الشكّ في البول أو الريح أو نحوهما، فلا يستفاد منه قاعدة كلّيّةحتّى في خصوص باب الوضوء، فضلاً عن جميع الأبواب.
إن قلت: إنّه ظاهر في عدم خصوصيّة النوم أو الوضوء، فيمكن استفادةقاعدة كلّيّة دالّة على الاستصحاب في جميع أبواب الفقه بإلغاء الخصوصيّة.
قلت: الظهور ممنوع، لأنّ الوجدان قاضٍ بأنّ جملة «إن لم يستيقن أنّه قدنام فلا ينقض اليقين بالشكّ» يكون معناها «من كان على وضوء وشكّ فيالنوم فلا يجب عليه الوضوء» فيختصّ بالشكّ في النوم في باب الوضوء.
نعم، فيه إشعار في عدم الخصوصيّة وأنّ تمام المناط هو اليقين والشكّ، لكنّهلا يبلغ مرتبة الظهور في إفادة قاعدة كلّيّة، بل مجرّد إشعار فيه.
(صفحه44)
لا يقال: فكيف ألغيت الخصوصيّة على الاحتمال الأوّل الذي اختارهالشيخ رحمهالله وقلت بشموله لجميع الأبواب؟
فإنّه يقال: إنّ أصل الكلّيّة ثابتة لقوله: «ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» علىمذهب الشيخ ولو لم نلغ الخصوصيّة، لأنّه يفيد جريان الاستصحاب في بابالوضوء بالنسبة إلى جميع النواقض، وإنّما ألغينا الخصوصيّة لتوسعة هذهالقاعدة الكلّيّة وسريانها إلى سائر الأبواب، ولكنّ المحقّق النائيني رحمهالله يريد إلغاءالخصوصيّة لأجل أصل الكلّيّة، لا لتوسعتها.
فلا يمكن على ما ذهب إليه تحصيل الغرض الذي هو بصدده، أعني إثباتحجّيّة الاستصحاب في جميع أبواب الفقه بهذا الخبر.
إن قلت: لا يكون قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» معطوفاً علىالجزاء، بل علّة له، فيفيد الكلّيّة.
قلت: لو كان علّة لقال: «فإنّه لا ينقض إلخ» أو «لأنّه لا ينقض إلخ» ليدلّعلى العلّيّة، ولم يأت بـ «الواو» الدالّة على العطف.
بيان الإمام الخميني«مدّ ظلّه» ردّاً على المحقّق النائيني رحمهالله
وبعبارة اُخرى أفادها سيّدنا الاُستاذ الأعظم«مدّ ظلّه»: إنّ قانون الاستدلالعلى نحوين:
1ـ ذكر المقدّمتين ثمّ الاستنتاج، فيقال: «الخمر مسكر، وكلّ مسكر حرام،فالخمر حرام»، ويقال: «إنّه على يقين من وضوئه فشكّ، وكلّ من كان علىيقين من شيء فشكّ يجب البناء على يقينه، فيجب عليه البناء على يقينه منوضوئه».
2ـ ذكر النتيجة أوّلاً، ثمّ الاستدلال عليه، وحينئذٍ لابدّ من تخلّل كلمة
ج6
«لأنّ» وأمثالها، فيقال: «الخمر حرام لأنّه مسكر» ويقال: «يجب البناء علىاليقين بالوضوء لأنّه من كان كذلك لا ينقض يقينه بالشكّ» فلو جعلنا قوله:«فإنّه على يقين من وضوئه» جزاءً، يكون المعنى: لا يجب عليه الوضوء، أويجب عليه البناء العملي على يقينه السابق من وضوئه، وهذه نتيجة البرهان،فقوله: «ولا ينقض اليقين بالشكّ» لو كان برهاناً عليها لابدّ وأن يصدر بميفيد العلّيّة(1)، إنتهى.
ورابعاً: أنّه رحمهالله جعل ما قوّاه الشيخ ضعيفاً للزوم التكرار في الجواب من غيرتكرار السؤال، مع أنّ هذا الإشكال يرد على ما اختاره أيضاً، بل يلزم عليهالتكرار مرّتين، لأنّه عليهالسلام قال في صدر الجواب: «لا يجب عليه الوضوء حتّىيستيقن أنّه قد نام» وقال عليهالسلام بعد ذلك: «إن لم يستيقن أنّه قد نام يجب عليهالبناء على يقين من وضوئه» ثمّ قال: «ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» وكلّهبمعنى، والاختلاف في التعبير فقط.
على أنّ التكرار ـ على ما اختاره ـ صريح بلا موجب، وأمّا على ما اختارهالشيخ رحمهالله فقد عرفت أنّ التكرار ليس بصريح، لأنّه لم يذكر الجزاء في ظاهرالكلام، وذكر قوله: «وإلاّ» توطئةً لإقامة البرهان وبيان القاعدة الكلّيّة.
الاحتمال الثالث: أن يكون الجزاء قوله عليهالسلام : «ولا ينقض اليقين أبدبالشكّ» ويكون قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» توطئةً وتمهيداً للجواب.
قال سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»: هذا الاحتمال أقوى من الثانيوأسلم من الإشكالات، ولا يرد عليه ما تقدّم من إجراء الأصل المسبّبي معوجود الأصل السببي، لأنّ قوله: «لا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» لا يكونحينئذٍ كبرى لقوله: «فإنّه على يقين من وضوئه»، بل لقوله: «فإن لم يستيقن
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 86 .
(صفحه46)
أنّه قد نام» المقدّر المفهوم منه أنّه على يقين من عدم النوم، فيستفاد منهاستصحاب عدم النوم، وهو الأصل السببي، لا المسبّبي(1).
نقد ما ذكره الإمام«مدّ ظلّه» في المقام
أقول: هذا الاحتمال أيضاً ظاهر في استصحاب الوضوء لا عدم النوم، لأنّهلا يعقل عدم الارتباط بين الشيء وبين ما ذكر توطئةً وتمهيداً له، فلو كانقوله عليهالسلام : «فإنّه على يقين من وضوئه» تمهيداً لقوله: «ولا ينقض اليقين أبدبالشكّ» لابدّ من وجود الرابط بينهما، فيلزم على هذا الاحتمال أيضاً إشكالإجراء الأصل المسبّبي مع وجود الأصل السببي، فلا مزيّة له على الاحتمالالأوّل من هذه الجهة.
ويرد عليه أيضاً ما أوردناه على الاحتمال الثاني، وهو عدم إمكان استفادةقاعدة كلّيّة دالّة على الاستصحاب حتّى في خصوص باب الوضوء، فضلاً عنسائر الأبواب، لأنّ معناه حينئذٍ «من لم يستيقن أنّه قد نام فلا ينقض يقينهبعدم النوم بالشكّ فيه».
نعم، فيه إشعار في أنّ تمام المناط هو اليقين والشكّ، ولكنّه لا فائدة فيه ما لميبلغ مرتبة الدلالة والظهور.
على أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر، لأنّ القواعد الأدبيّة تابعة لذوقالعرف، وخلوّ الجزاء عن الفاء ودخوله على مقدّمته لا يوافق طبعهم أوّلاً،وتصدير الجزاء بالواو أيضاً لا يوافق ذوقهم ثانياً، لأنّ الواو يقطع ارتباطهبالجملة الشرطيّة.
وهاهنا احتمالات اُخر واضحة البطلان، فلا نطيل الكلام بذكرها.
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 87 .
ج6
فاتّضح من جميع ما ذكرنا أنّ الحقّ هو الاحتمال الأوّل الذي اختاره الشيخالأعظم رحمهالله .
ولكن استشكل عليه بأنّ قوله عليهالسلام : «ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» وإنكان مفيداً للعموم، إلاّ أنّه بمعنى «لا ينقض كلّ يقين بكلّ شكّ»، فيدلّ علىسلب العموم لا عموم السلب، وعلى ذلك فغاية ما يستفاد من الرواية حرمةنقض مجموع أفراد اليقين بمجموع أفراد الشكّ، ولا يستفاد منها حرمة نقضكلّ فرد منه بكلّ فرد من الشكّ، فالدليل أخصّ من المدّعى.
والجواب عنه: أنّ «اللام» في «اليقين» و«الشكّ» للجنس لا للاستغراق،فيدلّ على حرمة نقض جنس اليقين بجنس الشكّ.
وبعبارة اُخرى: إنّ المفرد المحلّى باللام يفيد الإطلاق، لا العموم، والمطلق هوطبيعة الشيء وجنسه، فوزان قوله: «لا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» وزانقولك: «لا تكرم الجاهل» لا وزان قولك: «لا تكرم كلّ جاهل»، فيفيد عمومالسلب ويطابق الدليل المدّعى.
وأجاب المحقّق النائيني رحمهالله عن الإشكال بوجه آخر(1) لا حاجة فيه بعد هذالجواب الواضح الذي ذكرناه.
ما ذكر لإثبات اختصاص حجّيّة الاستصحاب بالشكّ في الرافع
ثمّ اعلم أنّه يظهر من الشيخ ومن(2) تبعه في القول باختصاص حجّيّةالاستصحاب بالشكّ في الرافع تقريبات في كيفيّة استفادته من الرواية.
ما استدلّ به الشيخ والمحقّق الخوانساري على المسألة
- (1) راجع فوائد الاُصول 4: 338.
- (2) وهو الحاج آقا رضا الهمداني، والمحقّق النائيني كما سيتّضح قريباً. م ح ـ ى.