(صفحه84)
فيه مصداقان: أحدهما: ما أفاده المحدّث الكاشاني رحمهالله ، يعني عدم إبطالالركعات المحرزة بسبب الشكّ في الرابعة، والثاني: استصحاب عدم الإتيانبالرابعة، أعني عدم نقض اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة بسبب الشكّ فيإتيانها.
ولقوله عليهالسلام : «لا يُدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر»أيضاً مصداقان فيما نحن فيه: أحدهما: ما أفاده المحدّث الكاشاني رحمهالله ، وهوعدم الاكتفاء بالركعة المشكوك فيها من غير تدارك، وثانيهما: ما ذكر فيالاحتمال الثاني، أعني عدم إتيان الركعة المضافة المشكوك فيها متّصلةبالركعات المحرزة.
هذا إذا لم نقل بظهور النهي عن الإدخال والاختلاط في الفصل الاختياري،وإلاّ يكون له مصداق واحد.
وعلى هذا تكون الرواية مع تعرّضها للمذهب الحقّ ـ أي الإتيان بالركعةمنفصلةً ـ تتعرّض لعدم إبطال الركعات المحرزة ولاستصحاب عدم الركعةالمشكوك فيها، وتكون على هذا من الأدلّة العامّة لحجّيّة الاستصحاب.
هذا حاصل ما أفاده سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه»، وادّعى أنّه أظهر الاحتمالات فيالرواية، ثمّ ذكر له مرجّحات:
الأوّل: أنّه لا يستلزم التفكيك بين الجمل المشتملة على الشكّ واليقين بأنيُراد منهما في جملة معنى وفي اُخرى معنىً آخر، بل المراد منهما على ما ذهبنإليه هو طبيعة اليقين والشكّ في الجمل كلّها، فالرواية محمولة على بيان قواعدكلّيّة: هي عدم نقض اليقين بالشكّ، وعدم إدخال الشكّ في اليقين، ونقضالشكّ باليقين، وعدم الاعتداد بالشكّ في حال من الأحوال، وهي قواعد كلّيّةيفهم منها حكم المقام، لانطباقها عليه، بخلاف سائر الاحتمالات، فإنّها تستلزم
ج6
التفكيك بين الجمل المشتملة على الشكّ واليقين، بأن يُراد في جملة من اليقينوالشكّ نفسهما، وفي جملة يراد من اليقين اليقين بالركعات المحرزة أو عدمالركعة الرابعة، وفي جملة يُراد بالشكّ المشكوك فيها، أي الركعة المضافة، وفيالاُخرى الركعة المشكوك في إتيانها كما يظهر بالتأمّل في الجمل والاحتمالات،ألا ترى أنّه على ما ذهب إليه المحدّث الكاشاني رحمهالله اُريد من الشكّ في قوله: «لينقض اليقين بالشكّ» نفسه واُريد منه في قوله: «لا يُدخل الشكّ في اليقين»المشكوك، وهذا التفكيك خلاف الظاهر.
الثاني: أنّ لازمه حفظ ظهور اللام في الجنس وعدم حملها على العهد،وحفظ ظهور اليقين بإرادة نفس الحقيقة، لا الخصوصيّات والأفراد.
الثالث: أنّ الظاهر من قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» في سائر أخبارالباب هو عدم رفع اليد عن اليقين بمجرّد الشكّ، والاستصحاب أحد مصاديقهذه الكلّيّة، ووحدة السياق تقتضي أن يكون في هذه الرواية أيضاً بهذالمعنى(1).
هذا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» لبيان مرجّحات مختاره، وكلامه من أوّلهإلى آخره كلام دقيق.
نقد ما أفاده الإمام«مدّ ظلّه» في معنى الرواية
لكن مع ذلك يرد عليه أنّ قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» لو كان لهمصداقان: أحدهما: ما ذهب إليه المحدّث الكاشاني، والثاني: الاستصحاب،فلابدّ من أن يكون اليقين بالنسبة إلى الأوّل بمعنى المتيقّن، حيث إنّه عبارة عنالركعات المحرزة، وبالنسبة إلى الثاني بمعنى نفس اليقين، لما قلنا سابقاً(2) في
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 106.
(صفحه86)
جواب الشيخ الأعظم ـ القائل باختصاص حجّيّة الاستصحاب بالشكّ فيالرافع ـ من عدم تسليم كون اليقين في أخبار الاستصحاب بمعنى المتيقّن، بلهو بمعناه، وإسناد النقض بلحاظ إضافته وتعلّقه بالخارج، فإنّ له بهذا اللحاظإبراماً واستحكاماً، كالحبل المبرم.
والحاصل: أنّ المراد باليقين في قوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» على مذهب إليه المحدّث الكاشاني هو المتيقّن، والمراد به على الاستصحاب هو نفساليقين، ولا يجوز إرادتهما معاً وإن قلنا بكون اللام للجنس، لعدم الجامع بينهما.
كلام المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في معنى الحديث
ومنها: ما أفاده بعض الأعلام، وهو أنّ المراد من اليقين في قوله: «لا ينقضاليقين بالشكّ» هو اليقين بعدم الركعة الرابعة، فهو دليل على حجّيّةالاستصحاب.
إن قلت: إنّ الاستصحاب يقتضي لزوم اتّصال الرابعة إلى الركعات الماضية،وهذا مخالف للمذهب الحقّ.
قلت: لزوم الاتّصال إنّما كان فيما إذا كان عدم إتيان الرابعة متيقّناً، وأمّلو كان إتيانها مشكوكاً ولم يؤتَ بها لزم الانفصال.
وبالجملة: موضوع الاتّصال هو العلم بعدم إتيان الرابعة، وموضوعالانفصال ـ أعني صلاة الاحتياط ـ مركّب من جزئين: أحدهما: الشكّ فيإتيان الرابعة، والثاني: عدم إتيانها، والشاهد على كون عدم الإتيان بها جزءًلموضوع صلاة الاحتياط أنّه لو صار بعد الصلاة قاطعاً بكونها كاملة لا تجبعليه صلاة الاحتياط، فعلم من هذا أنّ مجرّد الشكّ في إتيان الرابعة لم يكف
ج6
لوجوب صلاة الاحتياط، بل هو أحد جزئي الموضوع، والجزء الآخر هونفس عدم الإتيان بها، والموضوع بكلا جزئيه في المقام موجود، أمّا الشكّ فيإتيان الرابعة فواضح، وأمّا عدم الإتيان بها فلأجل الاستصحاب، وبعبارةاُخرى: تحقّق الجزء الأوّل وجداني، والثاني تعبّدي يقتضيه الاستصحاب،فيترتّب حكمه، وهو وجوب الانفصال.
وحينئذٍ كان مفاد قوله: «لا يُدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهمبالآخر» انفصال الركعة، أعني إتيانها بنحو صلاة الاحتياط، ولا إشكال فيه.
والحاصل: أنّ الرواية تدلّ على حجّيّة الاستصحاب، وتدلّ أيضاً علىالمذهب الحقّ(1).
نقد نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» حول الرواية
ويرد عليه إشكالان:
أ ـ أنّه«مدّ ظلّه» استشكل آنفاً(2) على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله في معنىالرواية بأنّ الجمع بين استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة وبين إطلاقالرواية من جهة الإتيان بها متّصلة أو منفصلة ممّا لا ينبغي، لأنّ الاستصحابيقتضي الاتّصال، فأين الإطلاق؟!
هذا ما أورده على المحقّق الخراساني، وهو ينافي ما اختاره هنا في معنىالرواية، لعدم تصوّر الجمع بين كون الاستصحاب تمام الموضوع لاتّصالالركعة المشكوكة وبين كونه جزء الموضوع لانفصالها.
ب ـ أنّ الشكّ موضوع الاستصحاب، لأنّ الاستصحاب المستفاد من قوله:
(صفحه88)
«لا ينقض اليقين بالشكّ» حكم مترتّب على اليقين والشكّ، فلا يكون الشكّفي رتبة الاستصحاب، بل هو مقدَّم عليه، لأجل تقدّم الموضوع على حكمه،فكيف يمكن أن يكونا في رتبة واحدة حتّى يصحّ كون كلّ منهما جزءً لموضوعصلاة الاحتياط؟
وبعبارة اُخرى: يلزم أن يكون الشكّ مقدَّماً على الاستصحاب من حيثكونه موضوعاً له، وفي عرضه من حيث كونهما جزئين لموضوع يترتّب عليهانفصال الركعة.
حقّ القول حول الرواية
والذي يخطر ببالي في معنى الرواية: أنّها ظاهرة في المذهب الحقّ وليس فيهتقيّة أصلاً، والشاهد على هذا ما أشرنا إليه من أنّه عليهالسلام لو كان في مقام التقيّةلوجب عليه الاكتفاء في الجواب بقدر الضرورة، فكيف ذكر الإمام عليهالسلام الفرعالثاني ـ وهو الشكّ بين الثلاث والأربع ـ ثمّ أجاب عنه أيضاً تقيّة مع عدمكونه مرتبطاً بسؤال زرارة؟! فهذا دليل على كونه عليهالسلام في مقام بيان الحكمالواقعي، لا في مقام التقيّة.
وأمّا قوله عليهالسلام : «يركع ركعتين إلخ» عقيب سؤال زرارة لا يكون ظاهراً فيالتقيّة أصلاً، بل ظاهر في المذهب الحقّ، لظهور قوله: «بفاتحة الكتاب» في تعيّنالفاتحة، وقول الشافعي وأحمد بتعيّنها في جميع الركعات لا يوجب ظهورها فيالتقيّة، لأنّها كانت متعيّنة أيضاً في صلاة الاحتياط.
وكذلك قوله: «قام فأضاف إليها اُخرى» لا يكون أيضاً ظاهراً في الاتّصالتقيّةً وإن قلنا بظهوره فيه سابقاً(1) تبعاً للقوم، وذلك لأنّ الظاهر تعيّن الفاتحة