وفي رواية اُخرى: «مَن كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه، فإنّاليقين لا يدفع بالشكّ».
وهذا في قاعدة اليقين والشكّ الساري.
وأمّا الاستصحاب فلا يلزم فيه أن يحدث الشكّ متأخّراً عن اليقين، بليمكن أن يحدثا معاً، لكنّ اليقين يتعلّق بالحالة السابقة والشكّ بالحالة الفعليّة،بل يمكن أن يحدث الشكّ في الاستصحاب قبل حدوث اليقين، كأن يشكّ فيالظهر في نجاسة ثوبه، بحيث لو سئل عن حالته السابقة لأجاب بأنّه شاكّ فيهأيضاً، ثمّ يقطع في العصر بكونه نجساً قبل الظهر، فهذا مجرى الاستصحاب معكون حدوث الشكّ متقدّماً على حدوث اليقين.
فالرواية تختصّ بقاعدة اليقين والشكّ، لأجل ظهورها في تقدّم اليقين، علىأنّ الظاهر اتّحاد متعلّق اليقين والشكّ حتّى من حيث الزمان، وهذا لا يمكن إلفي قاعدة الشكّ الساري.
نظريّة صاحب الكفاية في معنى الحديث
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية بما حاصله: أنّ اليقين طريقإلى المتيقّن، والمتداول في التعبير عن سبق المتيقّن على المشكوك فيه هو التعبيربسبق اليقين على الشكّ، لما بين اليقين والمتيقّن من نحو من الاتّحاد، فالمراد هوسبق المتيقّن على المشكوك، وهذا لا يجري إلاّ في الاستصحاب، لعدم تقدّمالمتيقّن على المشكوك في قاعدة اليقين(1).
نقد نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
أقول: ظاهر الرواية تقدّم نفس اليقين على نفس الشكّ، والاتّحاد بين اليقينالطريقي والمتيقّن لا يوجب ترتّب أحكام أحدهما على الآخر، ألا ترى أنّ
ج6
اليقين في قولنا: «اليقين حجّة» مع كونه مرآةً لليقين الطريقي اُريد في هذهالجملة حجّيّة نفس اليقين؟ فهو موضوع للحكم بالحجّيّة في هذه الجملة، وليمكن إرادة حجّيّة المتيقّن، لأنّ الحجّيّة عبارة عن المنجّزيّة والمعذّريّة،واتّصاف المتيقّن بهذين الوصفين غير معقول.
وما نحن فيه أيضاً كذلك، فإنّ الظاهر في الرواية أنّ التقدّم والتأخّر لنفساليقين والشكّ وإن كان اليقين مرآةً لأفراده الطريقيّة، ولا موجب لجعل اليقينوالشكّ بمعنى المتيقّن والمشكوك فيه والقول بكون التقدّم والتأخّر بينهما.
والحقّ في الجواب أنّ صدر الرواية وإن كان له ظهور ما في قاعدة اليقينوالشكّ الساري، إلاّ أنّ التعليل أعني قوله: «فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» أو«فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ» ظاهر في فعليّة اليقين والشكّ كليهما، وهذا ليكون إلاّ في الاستصحاب، وإذا دار الأمر بين ظهور التعليل وظهور المعلّلفالأوّل مقدّم على الثاني.
فلا إشكال في دلالة هذه الرواية على حجّيّة الاستصحاب، إلاّ أنّ فيسندها القاسم بن يحيى، وهو لم يوثّق في كتب الرجال.
(صفحه98)